أعلنت جماعات وأحزاب إسلامية في مصر، رفضها فكرة إعداد وثيقة مبادئ حاكمة للدستور المصري الجديد، معتبرة هذه الخطوة مصادمة لما تضمنه الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية. بالموازاة، أصدر تكتل حزبي آخر يضم إسلاميين مسودة مبادئ أساسية لدستور الدولة المصرية الحديثة، فيما أعلن تكتل صوفي ليبرالي يساري عن تأسيس جبهة موحدة لمواجهة الإسلاميين. يأتي هذا الحراك السياسي، الذي وصفه محللون بأنه «الأشد سخونة»، ليكشف عن عمق «الأزمة» التي تعيشها النخب السياسية والإيديولوجية في مرحلة ما بعد الثورة المصرية. واعتبر «ائتلاف القوى الإسلامية» ما تردد بشأن عزم المجلس العسكري الحاكم إصدار إعلان دستوري جديد يتضمن مبادئ حاكمة للدستور، بأنه رجوع إلى «الديكتاتورية»، مطالبًا المجلس العسكري بالانحياز للإرادة الشعبية. جاء ذلك في بيان أصدره الائتلاف في مصر، الأحد الماضي، والذي يشمل كلا من: «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح»، «الدعوة السلفية»، «الإخوان المسلمون»، «جماعة أنصار السنة المحمدية»، «الجماعة الإسلامية»، «مجلس شورى العلماء»، «رابطة علماء أهل السنة»، «جبهة الإرادة الشعبية»، «ائتلاف شباب مصر الإسلامي»، «حزب الحرية والعدالة»، «حزب النور»، «حزب الإصلاح»، «حزب الأصالة»، و«حزب البناء والتنمية». وأكد الموقعون على البيان أن «إصدار مبادئ فوق دستورية أمر يمثل استفزازًا صارخًا للشعب المصري، وخرقًا للديموقراطية، واعتداءً على الإرادة المصرية، وانحيازًا إلى فئة على حساب أخرى، وتعريضًا للمجتمع لما لا تحمد عقباه». وفيما يتعلق بما تردد مؤخرًا من قرب صدور إعلان دستوري بعيدًا عن الإرادة الشعبية والاستفتاء الشعبي، اعتبر الموقعون على البيان ذلك «رجوعًا إلى الديكتاتورية، ومخالفة لآليات الديموقراطية، ومدعاة لاستمرار الثورة المصرية». وشدد بيان ائتلاف القوى الإسلامية على أن «جموع المصريين التي خرجت يوم 29 يوليوز الماضي، والتي احتشدت في الميادين لمنع اغتيال إرادتها، وتغييب هويتها لا يمكن بحال أن تقبل فرض الوصاية عليها من أية جهةٍ كائنةً ما كانت». وطالب البيان «كل صاحب كلمة ولسان أن يعبر عن رفضه لهذا العدوان»، وحث «حراس الثورة من المصريين على حفظ مكتسباتها وحماية مسيرتها واستقلالها بكل الوسائل السلمية المشروعة». وفي الوقت ذاته أكد البيان ثقته في القيادة العسكرية وقال: «نثق في القيادة العسكرية متى ما بقيت متمسكة كما عهدناها بتحقيق اختيار وإرادة الشعب، ويرفضون كل محاولات الضغط والابتزاز»، ودعا «المصريين الشرفاء إلى الدفاع عن اختيارهم الذي جرى عليه الاستفتاء، وألا يسمحوا لأحد كائنا من كان بالقفز عليه». ودعا الموقعون على البيان المجلس العسكري الذي يتولى السلطة في مصر إلى «أن ينحاز إلى الإرادة الشعبية وأن يعمل على حمايتها وفق البيان رقم (59) الصادر عن المجلس، وأن يعود بعد تسليمه السلطة إلى مهمته الأصلية في حفظ التراب الوطني». وطالب البيان الجميع «بالحكمة وضبط النفس والعمل على تفويت فرصة من يحاولون القفز على مكتسبات الشعب المصري إلا أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي مع ما يجري الآن من محاولات الالتفاف على مكاسبه وإنجازاته». وكان نائب رئيس الوزراء المصري «على السلمي» قد صرح لوسائل الإعلام المصرية بأن الحكومة والمجلس يدرسان إصدار إعلان دستوري جديد ومبادئ حاكمة للدستور قبل الانتخابات البرلمانية المقررة خلال شهرين. وفي السياق ذاته؛ صرح اللواء «ممدوح شاهين» مساعد وزير الدفاع المصري للشؤون القانونية وعضو المجلس العسكري الحاكم بأن المجلس كلف الحكومة قبل شهر ونصف بإعداد وثيقة مبادئ لاختيار الجمعية التأسيسية لسنِّ دستور جديد، وإصدارها في شكل إعلان دستوري بعد توافق القوى السياسية. ونقلت صحيفة «المصري»، الأحد الماضي، عن «شاهين» قوله: «إن الاتفاق بين القوى السياسية قد حدث، وتوقع الكشف عن الإعلان الدستوري الجديد قريبًا». الرافضون أكثر بكثير من جانبه؛ أعلن المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين «محمود غزلان» أن «الجماعة ستدرس رد الفعل الذي ستتخذه حيال بدء المجلس العسكري ومجلس الوزراء في إصدار وثيقة المبادئ فوق الدستورية، فهذه القرارات الخطيرة تحتاج إلى التشاور». وأوضح «غزلان» أن الجماعة قد تلجأ لاتخاذ إجراء قضائي ضدهما في حال اعتماد الوثيقة، مشيرًا إلى أن حزب الحرية والعدالة التابع للجماعة اتصل برئيس حزب الوفد «السيد البدوي» لمطالبته بمراجعة «السلمي» في إصدار مثل هذه الوثيقة. وكان أمين عام حزب الحرية والعدالة «محمد سعد الكتاتني» قد أكد في تصريح له الأسبوع الماضي أن «الجماعة والحزب لا يدعمان المجلس العسكري»، مضيفًا أن مواقف الجماعة والحزب تعبر عن رؤيتهما الخاصة: «الجماعة مثلاً ترفض الاعتصامات حتى لو وافق عليها المجلس»، حسب قوله. وحذَّرت جماعة الإخوان المسلمين في وقت سابق من خطورة محاولة من سمَّتهم «نفرًا في مصر يتجاوزون مبادئ الديمقراطية والحرية حتى على حساب استمرار فترة القلق والاضطراب والتضحية بالاستقرار والبناء». وطالبت الجماعة في بيانٍ لها مساء السبت الماضي عدم الاستجابة «لفريق المواد الحاكمة للدستور»، و»الاحتكام للشعب واحترام إراداته حرصًا على المصلحة العليا للوطن وتجنبًا لما لا تحمد عقباه». وشدَّدت الجماعة على أنها «تربأ بالجيش أن يستجيب لضغوط هذه الفئة بإقحامه في المجال السياسي، وإغرائه بأن يكون حاميًا للدستور وحارسًا للدولة المدنية كما يزعمون، وتربأ به أن يساير فريق المواد الحاكمة ضد إرادة غالبية الشعب؛ لأن هذا من شأنه أن يستفز جماهير الرافضين لمبدأ المواد الحاكمة». ورأت الجماعة أن هذه الرغبة تعني وجود لجنة لصيانة الدستور مثل إيران، أو شبيهة بتركيا العلمانية التي تجعل الجيش فوق الدستور، ويجاهد الأتراك منذ أربعين سنة لتغيير هذا الوضع، وقد قاربوا الوصول للغاية بعد تجارب مريرة. وقالت الجماعة: إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة علَّق إصدار هذه المبادئ على حدوث توافق وطني حولها، ورأت أن الرافضين لها أكثر بكثير من الموافقين عليها، مؤكدة أن مظاهرات 29 يوليو خير دليل على ذلك. «مبادئ أساسية لدستور الدولة» في غضون ذلك، أصدرت أحزاب «التحالف الديمقراطي من أجل مصر» الذي يضم 28 حزبًا سياسيًّا، بالإضافة إلى عدد من الأحزاب التي انضمت مؤخرًا للتحالف، مسودة مبادئ أساسية لدستور الدولة المصرية الحديثة، والتي تعتبر خلاصة ل11 وثيقة قدمتها العديد من الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية، وفي مقدمتها وثيقة الأزهر لبناء وتحصين دولة القانون بمقوماتها المدنية الديمقراطية الحديثة. وحددت المسودة 21 مبدأ أساسيًّا، ركزت على الحرية والعدل وسيادة دولة القانون وحرية الرأي والعقيدة وحرية التعبير وإنشاء النقابات والحق في العمل والتعليم، وأن الإسلام هو دين الدولة، وأن الشعب هو مصدر السلطات، كما أكدت جمهورية الدولة والتوازن بين السلطات، والاهتمام بالتنمية والمحافظة على نهر النيل، وأن القوات المسلحة هي ملك للشعب، وأن الدولة هي التي يحق لها إنشاؤها. ومن الأحزاب الموقعة على الوثيقة: «الحرية والعدالة»، و»الوفد»، و»الناصري»، و»الكرامة»، و»الجيل»، و»مصر الحرية»، و»النور»، و»الغد الجديد»، و»العمل»، و»مصر العربي»، و»الحضارة والتكنولوجيا»، و»الحضارة»، وجبهة ائتلاف أحزاب الثورة»، و»التوحيد العربي»، و»التكافل». وقالت المسودة في مقدمتها، والتي نشر نصها الموقع الرسمي ل»الإخوان المسلمون»، إنها جاءت «اعتزازًا بنضالنا عبر تاريخنا من أجل الحرية والعدل والمساواة والسيادة الوطنية وسلام البشرية، واستلهامًا لما قدمناه للحضارة الإنسانية، مدركين التحديات التي تواجهنا على طريق بناء وتحصين دولة القانون بمقوماتها المدنية الديمقراطية الحديثة، مؤكدين أن الشعب هو مصدر السلطات، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال مصادرة إرادته تحت أي مسمى، وأن في الإعلان الدستوري الحالي الصادر في شهر مارس الماضي ما يكفي في هذا الشأن حتى انتهاء المرحلة الانتقالية». وأضافت المسودة أنها تأتي «ضمانًا لتحقيق أهداف الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير 2011م في الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، واستلهامًا لروح هذه الثورة التي توحد حولها المصريون بأطيافها المتنوعة، واحترامًا ووفاءً لأرواح شهدائها وتضحيات ونضال شعبنا العظيم فى ثوراته المتعاقبة». «جبهة» علمانية مضادة في المقابل، أعلن ليبراليون وحزب يساري وحزب صوفي، أول أمس، تشكيل كتلة سياسية باسم «الكتلة المصرية» لمجابهة الإسلاميين في الانتخابات التشريعية التي ستجرى في نونبر المقبل. وقال مؤسس حزب الجبهة الديمقراطية وهو حزب ليبرالي كان في المعارضة في عهد مبارك إن الهدف من الكتلة هو أن يقول المشاركون بوضوح شديد إنهم مؤمنون بأن مصر يجب أن تكون دولة مدنية ديمقراطية. واتفقت الكتلة التي ضمت 15 جماعة سياسية على العمل معا لجمع التبرعات للانتخابات وأن تتقدم بقائمة مرشحين موحدة وأن تخوض حملة الدعاية الانتخابية ككيان واحد. وأيدت الكتلة أيضا اقتراحا من حكومة عصام شرف يدعو لإصدار «إعلان دستوري» يمنع الإسلاميين من احتكار وضع الدستور الجديد إذا فازوا بالأغلبية في البرلمان، وفق وكالة (رويترز). وقال المحلل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية نبيل عبد الفتاح إن الكتلة «محاولة أخيرة من قبل القوى السياسية المختلفة» لتكوين جماعة معارضة تقف في وجه الإسلاميين في الانتخابات. وقال «الائتلاف يمكن أن تكون أمامه فرصة إذا عمل بسرعة واستغل (لمصلحته) المخاوف الشعبية المتزايدة من الاخوان المسلمين وأهدافهم». ولفت بيان أصدرته الكتلة خلال مؤتمرها التأسيسى أول أمس إلى أنها سوف تخوض الانتخابات البرلمانية القادمة، بقوائم مشتركة، وبرمز (لوغو) وشعار موحد. وتضم الكتلة أحزاب «التجمع»، و»الجبهة»، و»المصرى الديمقراطي الاجتماعى»، و»المصريين الأحرار» (وهو حزب ليبرالي يقوده رجل الأعمال المسيحي البارز نجيب ساويرس)، و»مصر الحرية»، و»التحالف الشعبى»، و»التحرير الصوفى»، و»الاشتراكي المصرى»، و»الوعى»، و»الشيوعى المصرى»، و»نقابة الفلاحين»، واتحاد العمال المستقل (بصفة مراقب)، و»الجمعية الوطنية للتغيير، و»المجلس الوطنى»، إلى جانب علاء عبد المنعم ومصطفى الجندى القياديان بحزب الوفد. وعرفت الكتلة نفسها بأنها مجموعة من الأحزاب والهيئات الشعبية المصرية التي تؤمن بأن مصر دولة واعدة وأن مستقبلها يتوقف على إقامة دولة عصرية حديثة يكون العلم فيها مكوناً أساسياً، مؤكدة على إيمانها بأن الشعب المصري يستحق مستقبلاً ديمقراطياً يضم جميع قوى الشعب المصري من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بدون إقصاء لأحد، وبدون تفرقة بين المصريين على أساس الجنس أو العرق و الدين. وكان استفتاء دستوري أجري في مارس نص على أن يختار الأعضاء المنتخبون في مجلسي الشعب والشورى لجنة تأسيسية تضع الدستور الجديد للبلاد.