يمكن أن نسجل بالمقارنة مع دستور 2006 مقتضيات جديدة زادت في توضيح مقومات الهوية المغربية وأبرزت بوضوح مكونات الهوية اللغوية، إذ استعمل مشروع الدستور في تصديره في هذا الموضوع مستويين مرتبطين بقضية الهوية الموحدة للشعب المغربي: مستوى المكونات: وأدرج ضمنها ثلاث مكونات أساسية المكون العربي الإسلامي والمكون الأمازيغي والمكون الصحراوي الحساني. مستوى الروافد: وتحدث على أربع روافد : الإفريقي والأندلسي والعبري والمتوسطي. وعلى الرغم من كون هذه الصياغة هي في الأصل محاولة تركيبية توافقيه أكثر منها تعبيرا عن الواقع، إلا أنها غير ذات أثر بالمقارنة مع وضع المسألة اللغوية، والتي يمكن أن نسجل بصددها الملاحظات الآتية: 1 -حصول تقدم على مستوى تعزيز مكانة اللغة العربية إذ أكد الفصل الخامس ولأول مرة على التزام الدولة بالعمل حماية اللغة العربية وتطويرها، وتنمية استعمالها. 2 - ترسيم اللغة الأمازيغية باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء؛ مع ربط تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بقانون تنظيمي يحدد كيفيات إدماج الأمازيغية في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية. 3 -التأكيد لأول مرة على ضرورة صيانة الحسانية وحماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب. 4 - إلزام مشروع الدستور الدولة بالسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية. - 5 الإشارة لأول مرة إلى مسألة دور الدولة في تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم؛ باعتبارها وسائل للتواصل؛ 6 - التنصيص على إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. هذه المقتضيات الجديدة، والتي جمعت بين تعزيز مكانة اللغة العربية وترسيم اللغة الأمازيغية وحماية اللهجات مع تأكيد الدستور على ضرورة تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا، ستضع المسألة اللغوية في صلب التدافع المجتمعي، باعتبار أن أي سياسة لغوية لا يمكن أن تقوم بتحقيق هدف من هذه الأهداف دون أن يكون ذلك على حساب هدف آخر، وهو التحدي الذي سيطرح على السياسة الغوية في بالبلاد والتي يطلب منها تعزيز وتفعيل وحماية اللغة العربية في الوقت الذي يطلب منها حماية مختلف التعبيرات الثقافية المغربية، كما يطلب منها في نفس الآن تقوية تعلم اللغات الأجنبية وإتقانها. وهو المأزق الذي حرص الدستور على محاولة الإجابة عنه من خلال التأكيد على ضرورة السهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية. عموما، يمكن أنه نعتبر الفصل الخامس من مشروع الدستور فيما يخص قضايا الهوية فصلا مشوبا بمجموعة من المخاطر والتخوفات، والتي يمكن أن تفتح المجال لتأويلات قد تؤدي إلى تعميق الفوضى اللغوية ما لم تنهض الدولة بواجبها في ترشيد السياسة اللغوية بما يعزز مكانة اللغة العربية ويحميها ويفعلها كلغة رسمية للبلاد، ويرسم اللغة الأمازيغية، ويحمي بقية المكونات اللغوية دون أن يعود ذلك بالإضعاف على اللغة العربية ومزيد من تعزيز هيمنة اللغة الأجنبية والفرنكفونية على وجه التحديد. ومن الجدير بالملاحظة أن وضع مسألة تعلم اللغات الأجنبية وإتقانها ضمن الدستور هو أمر جديد وغير مسبوق في الدساتير، وربما كان الأنسب أن يكون محله القوانين المرتبطة بالمؤسسات التي يوكل لها دور السهر على ترشيد السياسية اللغوية في بالبلاد.