تفرض تطورات أحداث الاعتصامات التي شهدتها كل من سجن سلا وفاس وطنجة وقفة حاسمة تقطع مع حالة التردد في معالجة ملفات المعتقلين في إطار ما يسمى ب «السلفية الجهادية»، وخاصة بعد مرور أزيد من الشهر على العفو على مجموعة من المعتقلين، وتنامي المخاوف من حصول تراجع عن سياسة الحوار والعمل على التسوية الكلية لملفات المعتقلين من غير المتورطين في جرائم دم. إن ما وقع ليلة الإثنين وصباح الثلاثاء من توتر ومواجهات غير مسبوقة في سجن الزاكي بسلا، أدت إلى حصول تدخل أمني قوي خلف إصابات حادة ثم ما حصل في سجن طنجة عندما انتشرت شائعة وفاة أحد المعتقلين ليقدم آخر على إضرام النار في جسده، يكشف عن أن ملف المعتقلين في قضايا ما يسمى ب «السلفية الجهادية» أصبح مصدرا لاستنزاف عميق، وبرميل بارود قابل للانفجار في أية لحظة، وأن إنهاء الاعتصامات في السجون الثلاثة لا يعني أن المشكل قد حل، لا سيما في ظل استمرار التعامل معه بسياسة التقسيط والتجزيء، والتي لا تساعد في حله بقدر ما تقدم مبررات بقائه ومسوغات قابلية اشتعاله في أية لحظة، كما أن الاقتصار على المقاربة الأمنية في احتواء الاحتجاجات وإنهائها لن يخدم بحال التصفية الحقيقية لهذا الملف المشوش على الانتقال الديموقراطي ببلادنا، بقدر ما سيكون مثل اللعب بالنار في ملف حرج. ثمة دعوة اليوم إلى التقدم من أجل استثمار هذا الملف ليكون العنوان الثاني لتعزيز الثقة في مسار الإصلاح الديموقراطي، بعد عنوان إطلاق ورش الإصلاح الدستوري، لما يختزنه هذا الملف من قدرة على ضمان تأسيس صفحة حقوقية جديدة، تقوم على الإنصاف والمصالحة وتذهب أبعد في تصفية مخلفات الانتهاكات التي شهدها المغرب وخاصة بعد التفجيرات الإرهابية ل 16 ماي 2003، ونعتقد أن القرار الشجاع بفتح «معتقل تمارة» السري في وجه القضاء والبرلمان والهيآت الحقوقية والإعلام يمكنه أن يشكل انطلاق هذا المسار، بعد أن تبين أن المسار الآخر والذي جرى اعتماده في السنوات الماضية غير منتج بل ويزيد في تعقيد المشكلة بفعل تأجيلها، ويرفع بالتالي من كلفة حلها. من الواجب أن نقف هنا للإشادة بالسعي لتواصل المسؤولين مع المعتقلين بعد تفجير أركانة وطمأنتهم إزاء مسار معالجة عدد من القضايا، وخاصة لما لذلك من دور في بناء الثقة اللازمة لنجاح تسوية هذا الملف، وهي ثقة جرى بناؤها بصعوبة في الأسابيع الماضية، والأحداث الأخيرة كشفت بجلاء عن مخاطر الانزلاق نحو التوتر وفقدان الثقة الهشة، وما قد ينجم عن ذلك من إرباك للمسار السياسي العام للبلاد.