تحل الذكرى الثامنة للتفجيرات التي كسرت سكون مدينة الدارالبيضاء، فيما لا تزال المعاناة هي العنوان العريض ليوميات ضحايا الحادث من ذوي العاهات المستديمة، وعائلات المتوفين منهم، ولا تزال تبعات تلك المأساة ترخي بظلالها على معيشهم اليومي.. معاناة اختارت سعاد الخمال رئيسة جمعية «ضحايا 16 ماي»، أن تودع بعضا منها في تجربة شخصية، وهي تبث صور المأساة التي عاشتها، قبل وبعد الفاجعة التي راح ضحيتها زوجها المحامي وابنها، بين دفتي كتاب كان عنوانه «قبل الأوان». وربما تكون هي صورة المعاناة التي تحاصر جل الضحايا الذين نجوا من الحادث، بين مستشفيات وعلاجات بشتى أنواعها، في ظل الظروف المادية الصعبة والتكاليف المالية الباهظة للعلاج، إضافة إلى ما أسموه ب «تجاهل» المسؤولين لهم، كونهم لم يحصلوا على أي تعويض حتى اللحظة من أي جهة، الصفحة الأكثر سوادا والأعمق ألما مما تختزنه ذاكرتهم عن الفاجعة التي انتزعت الراحة النفسية للعديد منهم. ثماني سنوات مرت على الحادث المفجع، وضحايا تلك الأحداث يستمرون في الجلوس في طابور الانتظار.. يرقد بعضهم مشلولا على سرير المرض، ويتعايش آخر مع عاهة مستديمة، ويؤرق بعضهم فقده لسمعه، وآخر كتب عليه أن يقضي بقية حياته فاقدا لحاسة البصر.. فالألم يقطع أحشاءهم كل يوم وكل لحظة، وتتربص بهم من كل جانب آلام لا نهاية لها. أما عن الآثار النفسية للحادث فهي لاتزال تلازمهم ولا يمكن التعافي منها بسهولة، فهناك هواجس تمنعهم من النوم بسبب الخوف، ترغمهم على استعمال الحبوب المنومة... معاناة أبت جراحها أن تندمل، وتخمد نار اللوعة والألم التي ما انفك يجتاح الضحايا المعذبة، ويوقد نار الجرح الغائر. وأمام واقعهم المزري، ينتظر الضحايا، أن يجدوا الدعم اللازم من المسؤولين، وإلى ذلك عبر الذين اتصلت بهم «التجديد»، عن أملهم الكبير في أن يحظوا بالتفاتة عاجلة، ترفع المعاناة التي تحاصرهم في رحلة العلاج، مشيرين إلى أنهم طيلة هذه المدة لم تتوقف رسائلهم إلى الديوان الملكي وإلى وزارة الداخلية وإلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (سابقا).. أملا في دعم يسند وضعهم الاجتماعي، في انتظار وعود كانوا قد تلقوها عقب الحادث بإمكانية تعويضهم من قبل الدولة عن الأضرار المادية والجسدية التي لحقت بهم، لكن من دون أن تتحقق. وهو ما جعلهم يطرحون سؤال من يتحمل فاتورة تلك الأحداث.. الذي انتهى به الحال في بيت تحت درج عمارة يعيش فيه وحيدا، بعد أن هجرته زوجته والتحقت بأبنائها خارج المغرب، يعيش على ما يجود به عليه الجيران، ما هو إلا نموذج للحالة العامة التي صار عليها مختلف ضحايا تلك الأحداث الذين أصبحت الأكثرية منهم تعاني من انعدام الدخل. لكن محمد محبوب، نائب رئيس جمعية ضحايا وعائلات ضحايا 16 ماي الذي كان قد أصيب في «لاكاسا دي إسبانيا» وخضع إلى حد الآن إلى أزيد من سبع عمليات جراحية، اعتبر أن ذكرى هذه الأحداث بالنسبة إليهم، كسابقاتها، تعود بهم الذاكرة فيها إلى ذلك اليوم الأسود الذي غير حياتهم، من دون أن يتلقوا أي رد أو عمل ملموس في أفق حل ملفاتهم و حصولهم على تعويضات. «صدر قانون الإرهاب لمعاقبة مرتكبي هذه الأفعال الإجرامية، في حين لم تهيء الدولة قانونا للتعويضات بالموازاة لحد الآن» يقول محبوب في تصريح ل «التجديد»، معبرا عن طموح الضحايا لتسمية مطلب تسمية قانون التعويضات في الدستور الجديد. سنوات على ذلك الاعتداء، لكن لا شيء تغير لديه. تمر الذكرى تلو الأخرى لتبقى الحالة هي ذاتها، فيما يبدو أن وضعية الانتظار قدرا محتوما على ضحايا تفجيرات 16 ماي، وتمنى محمد محبوب نائب رئيس جمعية «ضحايا وعائلات ضحايا 16 ماي»، أن تترجم الوعود على أرض الواقع، التي كانت أملا بالبحث الذي سبق أن أجرته وزارة الداخلية منذ سنتين تقريبا، من خلال استجواب بعض ضحايا الحادث لأجل أخذ معلومات عن مستوى الحالة الصحية والمادية لهم، مؤكدا أنهم حينها كانوا قد تلقوا وعدا بحل مشكل التعويضات والإيراد العمري الذين سيستفيدون منه، بحسب حجم ضرر كل ضحية، لكن لا شيء يذكر لحد الآن». الشيء نفسه أكده الشريف محمد زروقي، قبل أن يعلق غاضبا «تذكر قضيتنا مع حلول الذكرى، تم تدخل بعدها لسلة المهلات، لقد مرت ثماني سنوات على جريمة التفجيرات الإرهابية التي راح ضحيتها أبرياء، وكل ما تلقيناه لحد الآن كان مجرد وعود ظلت حبرا على ورق». وذكر زروقي الذي كان مسؤولا جهويا بمختبر دولي في الطب والأدوية، قبل أن يتعرض لما وصفه ب «الطرد التعسفي» بعد الحادث، أنهم يطلبون التعويض للتغلب على مصاريف الأدوية ليس إلا، مشيرا إلى أنه بعد أن كان يتقاضى مبلغا شهريا يصل إلى 35 ألف درهم، يتقاضى اليوم راتبا رمزيا لا يتعدى مبلغ ألف و400 درهم. لا يفي بمتطلبات المعيشة في ظل مضاعفات صحية لا زالت تلازمه. وكان وزير التشغيل والتكوين المهني السابق مصطفى المنصوري، أكد في الذكرى الثانية للأحداث الدامية، أن الضحايا سيحصلون على التعويضات التي يخولها لهم القانون، فور التحديد النهائي لنسب العجز وصدور الأحكام في هذا الباب.ومن جهة أخرى، لا تزال العديد من أسر الضحايا المتوفين تعيش تحت طائلة المآسي الاجتماعية التي خلفها الحادث، لعل أبرزها ما كانت سعاد الخمال رئيسة «جمعية ضحايا 16 ماي» قد أشارت إليه، من أن بعض أفراد عائلات الضحايا وخاصة ربات البيوت يعانين مشاكل مادية، إذ يطالبن بتسديد مصاريف الدراسة ومتابعة الحالات النفسية للأطفال الذين فقدوا أقاربهم في الاعتداءات الدامية للدار البيضاء. الآن وبعد مرور ثماني سنوات تؤكد سعاد المكلومة في فقد زوجها وابنها، ل «التجديد» أن ما عاشته أسر الضحايا سنة 2003، ما زالت تعيشه لحد الآن، نفس المعاناة المعنوية قبل المادية، «فقدنا في غفلة منا أشخاص أعزاء علينا، سرقت منا الحياة ومن أبنائنا، وتحملنا مسؤولية عن أبناء كبروا في ظروف ليست سهلة، في ظل متطلبات الحياة التي تكبر باستمرار» تقول أرملة الخمال بأسى بالغ، فيما وجدت نفسها مضطرة للاعتذار عن التكلم في موضوع التعويضات، لأنها لم تعد ترغب في إثارته. وتمر الذكرى هذه السنة كما باقي السنوات، بوقفة عند النصب التذكاري بساحة محمد الخامس، وهو التقليد السنوي الذي دأب عليه أفراد ضحايا وعائلات ضحايا 16 ماي.