عبر أهالي الضحايا في قطاع غزة عن صدمتهم من تراجع القاضي اليهودي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون عن تقريره في شأن المحرقة التي ارتكبتها ''إسرائيل'' بحقهم قبل عامين في حرب دموية عنيفة أطلق عليها العدو الصهيوني ''الرصاص المصبوب''. وقال ذوو شهداء إنهم شعروا بخيبة أمل شديدة، من موقف غولدستون، وتراجعه عن التقرير الذي كانوا ينتظرون أن ينصفهم وينتقم لدماء شهدائهم. واعتبر أبو محمد السموني أن تراجع غولدستون عن اتهامه ل''إسرائيل'' بارتكاب جرائم حرب شكل نكسة له ولعائلته، التي فقدت 29 فرداً في ''جريمة مروعة'' خلال الحرب العدوانية. وأكد السموني أنه كان ينتظر من غولدستون أن يدعم التعجيل في ''محاكمة مرتكبي المجازر بحق الأطفال والنساء والشجر''. وذكر غولدستون في مقاله عائلة السموني تحديداً، وبرأ ساحة العدو الصهيوني من دماء أبنائها، عندما أشاد بإجراء ''إسرائيل'' تحقيقات خاصة ''خلصت إلى أن المدنيين في غزة لم يستهدفوا عمداً''. وتساءل السموني بغضب ''كيف تمت الجريمة بشكل فردي.. وقد جمع جنود الاحتلال أفراد العائلة ووضعوهم في منزل واحد، ومن ثم قصفوهم بالطائرات؟''. ويعتقد محمد أبو عسكر، الذي فقد نجليه وشقيقه خلال الحرب، بحسب ''الخليج'' الإماراتية، أن تراجع غولدستون جاء نتيجة ''ضغوط وابتزاز''، مشدداً على أن هذه الضغوط لا تبرر له ''طعن الضحايا وذويهم في الظهر، وبيع دمائهم للجلاد''. وأكد فرج عبد ربه، الذي فقد عدداً من أقاربه ودمرت منازل عائلته في المحرقة، أنه لم يكن يوماً يثق في عدالة المجتمع الدولي، معتبراً أن تراجع غولدستون عن التقرير أكد صدق قناعته. وقال مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان خليل أبو شمالة إن ''الموقف الشخصي لغولدستون لا يهمنا، وأنه كشخص أصبح خلف ظهورنا، وما يهم الآن أن التقرير أصبح وثيقة دولية ويجب المضي قدماً للانتصار للضحايا ومحاكمة مجرمي الحرب''. وحذر من مغبة استخدام الاحتلال تصريحات غولدستون ''لشن عدوان جديد''. وعبر نشطاء حقوقيون وصحافيون وشخصيات اعتبارية في رسالة سلموها لمكتب الاتحاد الأوروبي في غزة عن صدمتهم وغضبهم من الموقف الأوروبي وعدم دعمه لتقرير غولدستون خلال التصويت عليه في مجلس حقوق الإنسان في 25 مارس الماضي. ويواصل الكيان الصهيوني مساعيه لاستثمار تراجع غولدستون ل''تطهير'' نفسه من جرائم حربه الإجرامية في غزة، وأعلن عن تشكيل طاقم من الحقوقيين والدبلوماسيين لفحص إمكان إلغاء التقرير. وبعد تصريحات لرئيس الكيان ورئيس حكومته ووزير حربه، قال وزير الشؤون الاستراتيجية موشيه يعلون إنه على غولدستون أن يطالب الأممالمتحدة بسحب تقريره. واعتبر داني غاليرمان السفير السابق للكيان في الأممالمتحدة أن مقال غولدستون هو ثمرة ضغوط مورست عليه طيلة العام الأخير. ورأى مدير عام الخارجية الصهيونية وسفيرها في تركيا ألون ليئيل أن استغلال مقال غولدستون غير كاف، داعياً كيانه الإجرامي إلى أن ''يمسك بقرني الثور'' الآن منعا لانهيار دبلوماسي جديد وغير مسبوق في علاقاته مع الأممالمتحدة والمحافل الدولية بشكل عام. إدانات لتراجع ''غولدستون'' في المقابل، حذرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان مما وصفته بالمؤامرة التي تتعرض لها حقوق الضحايا الفلسطينيين الذين سقطوا جراء العدوان الصهيوني الإجرامي على قطاع غزة إبان المحرقة. وعبرت في بيان عن صدمتها للسلوك ''غير الشرعي وغير الأخلاقي'' للقاضي ''ريتشارد غولدستون'' الذي ترأس اللجنة الدولية لمجلس حقوق الإنسان بالأممالمتحدة لتقصي الحقائق حول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها ''إسرائيل'' بحق الفلسطينيين في القطاع. وقال البيان إن المنظمة تنظر بعين الشك والريبة إلى مقال الرأي الذي نشره غولدستون في صحيفة ''واشنطن بوست'' الأمريكية في الأول من أبريل الحالي، والذي عمد خلاله إلى التراجع عن النتائج التي حملها تقرير اللجنة الأممية. ورأت أن تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الداعية للعدول عن تطبيق توصيات تقرير اللجنة الأممية تأتي معززة لشكوكها بشأن قيام أركان مؤامرة متكاملة للعصف بحقوق الضحايا الفلسطينيين لتوفير حصانة سياسية وحماية غير مشروعة ل''إسرائيل'' بما يدعم استمرار نهج إفلاتها من العقاب. من جهتها، جددت منظمة المؤتمر الإسلامي موقفها الداعم ل''التقرير الدولي'' حول جرائم العدو في غزة، وذلك رداً على تصريحات غولدستون التي تراجع فيها عن موقفه في التقرير. وقالت المنظمة، في بيان لها أول أمس، إنها لا تزال متمسكة بمضمون التقرير الذي تبناه مجلس حقوق الإنسان الدولي في جنيف، بدعم المجموعة الإسلامية، وإنها ماضية في تقديم كل الدعم المطلوب للتقرير في أروقة الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، وذلك بعد أن دفعت المجموعة، باتجاه تبني قرار من قبل مجلس حقوق الإنسان يحث الجمعية العامة على إحالته إلى مجلس الأمن الدولي. وأكدت أنها بدأت بالفعل التنسيق ضمن المجموعة الإسلامية في الجمعية العامة، من أجل تأييد مساعي إحالة التقرير إلى مجلس الأمن. وأضاف أنها ستواصل جهودها الحثيثة التي بدأت منذ عقدها الاجتماع الطارئ للجنة التنفيذية على المستوى الوزاري للدول الأعضاء في المنظمة، في أعقاب الحرب الصهيونية على قطاع غزة، والذي دعا إلى تشكيل بعثة دولية لتقصي الحقائق، وأعقبها دعوة مجلس حقوق الإنسان في يناير 2009 بطلب من المجموعة الإسلامية، إلى تبني قرار تشكيل بعثة تقصي الحقائق، الذي جاء بتوجيهات من الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلي . وأشارت إلى استمرار حرصها على أن يحظى التقرير بالرعاية الدولية اللازمة لإنقاذه، وإقرار مضمونه . بدوره، أدان ''حزب الله'' اللبناني، أول أمس، تراجع غولدستون عن مواقفه بإدانة العدو الصهيوني بارتكاب جرائم حرب في عدوانه على غزة، ورأى أن ذلك ''يشكّل مكافأة لهذا العدو وتشجيعاً له على الإمعان بجرائمه المتواصلة بحق أبناء الشعب الفلسطيني والتي تتجدد كل يوم''. ولفت البيان إلى أن ''ما كتبه غولدستون في مقاله في صحيفة ''واشنطن بوست'' هو محاولة واهية لتبرئة الكيان الصهيوني من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها خلال عدوانه على غزة، وهي مساهمة منه لمساعدة الكيان الصهيوني الغاصب في عملية الإفلات من العقاب وتلميع صورته على المستوى الدولي''، معتبراً أنه ''يشكّل عملية تضليل واسعة للرأي العام الدولي ومحاولة للضغط على المجتمع الدولي لإكمال انحيازه إلى جانب العدو الصهيوني''. ورأى ''حزب الله'' أن ''قادة العدو الذين رأوا في مواقف غولدستون الجديدة انتصاراً لهم في حربهم المتواصلة ضد أمتنا العربية والإسلامية، يتكئون على هذه المواقف لتصعيد جرائمهم ضد الفلسطينيين ولتنفيذ المزيد من الإجراءات التي تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني''. إلى ذلك، حذرت حنان عشراوي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أول أمس، من استغلال ''إسرائيل'' تراجع القاضي غولدستون عن مواقفه تلك. وأعربت، في تصريحات لإذاعة ''صوت فلسطين''، عن أسفها للتراجع ''الخطير'' في مواقف غولدستون. وقالت ''اعتدنا على أن يتراجع السياسيون نتيجة الضغط، لكن أن تبدأ ''إسرائيل'' بالضغط على الشخصيات الحقوقية للتراجع بهذا الشكل فهذا أمر غير مقبول على الإطلاق''. وأضافت ''هذا لا يعني أننا سنقبل بمثل هذا الموقف، بل بالعكس نحن سنستمر في مساءلة ''إسرائيل'' وملاحقاتها وملاحقة كل المسؤولين عن جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة''. غموض فرنسي في المقابل، أكدت وزارة الخارجية الفرنسية، الاثنين الماضي، أن مسألة إبقاء تقرير غولدستون أو سحبه غير مطروحة. وقال المتحدث باسم الخارجية برنار فاليرو للصحافيين ''تقرير غولدستون نشر في شتنبر 2009 إنه وثيقة أعدت بناء على طلب الأممالمتحدة، وليس مطروحاً إبقاؤه أو سحبه''، وفق ''فرانس برس''. وجاءت تصريحات فاليرو رداً على سؤال حول طلب ''إسرائيل'' إلغاء تقرير ريتشارد غولدستون. وأضاف المتحدث ''لقد أبدينا أسفنا حيال قرار ''إسرائيل'' عدم التعاون مع بعثة تقصي الحقائق التي يرأسها غولدستون''. وأوضح أن ''فرنسا أشارت باستمرار إلى أنها تعتبر من الضروري التحقيق في انتهاكات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان التي ارتكبها كل من أطراف النزاع. وأياً كان تقييمنا لمختلف توصيات التقرير، الذي لم تدعمه فرنسا، فإن عمل التحقيق الذي قامت به اللجنة التي يرأسها القاضي غولدستون يستجيب لهذه الرغبة. ترحيب أمريكي أما واشنطن فتلقفت، كعادتها، سحب القاضي اليهودي غولدستون لاتهامه للعدو بالترحيب والتهليل. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر ''أوضحنا منذ قدم تقرير غولدستون وأصررنا على أننا لم نجد أي دليل على أن الحكومة الإسرائيلية تعمدت قتل مدنيين أو ارتكبت أية جرائم حرب''، بحسب زعمه. وأضاف ''الآن نحن نرى أن القاضي غولدستون وصل إلى الخلاصة نفسها ونعتقد أن ''إسرائيل'' قامت بكل الخطوات الداخلية لتقييم أعمالها العدائية وأعتقد أن هذا أمر أقر به أيضاً''. وأكد أن أمريكا ستستمر في العمل حتى التوصل إلى نهاية ''ما نعتقده انحيازاً ضد إسرائيل في مجلس حقوق الإنسان''. وكان القاضي الجنوب إفريقي قال في مقالة نشرها في صحيفة ''واشنطن بوست'' السبت الماضي إنه يجب إعادة النظر في تقرير بعثة مجلس حقوق الإنسان التابع للأم المتحدة، وأوضح أنه يعرف الآن الكثير عمّا حصل في الحرب على غزة في تلك الفترة مما كان يعرف حين ترأس البعثة، وأضاف ''لو كنت أعرف يومها ما أعرفه الآن، لكان تقرير غولدستون وثيقة مختلفة''. وقال إن الاتهامات ل''إسرائيل'' بتعمّد استهداف المدنيين ''استندت على وفاة وجرح مدنيين في حالات لم يكن لبعثة تقصي الحقائق دليل يمكن على أساسه استخلاص أي استنتاج آخر معقول''. يشار إلى أن الحرب الصهيونية على غزة التي استمرت ثلاثة أسابيع أسفرت عن مقتل نحو 1400 فلسطيني، بالإضافة إلى أكثر من خمسة آلاف جريح معظمهم من المدنيين. وانتقد غولدستون ما اعتبره انحياز مجلس حقوق الإنسان ضد الكيان، وجدد تأييده لحق العدو الصهيوني في الدفاع عن نفسه ضد أي هجوم خارجي أو داخلي. وقال إنه يأمل بأن تبدأ مع التقرير ''حقبة جديدة من روح الإنصاف في مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، الذي لديه تاريخ لا شك فيه من الانحياز ضد إسرائيل''.