عبَّرت 40 منظمة أوروبية في أنحاء القارة الأوروبية عن صدمتها الشديدة بموقف سلطة رام الله ورئيسها محمود عباس، من تقرير لجنة تقصي الحقائق الأممية حول الحرب على قطاع غزة، وطلبها إرجاء بحث التقرير في مجلس حقوق الإنسان الدولي في جنيف ستة أشهر، رغم ضمان غالبية الأصوات المؤيدة للتقرير. ورأت المنظمات الأوروبية في بيانٍ مشتركٍ وقعت عليه أول أمس السبت أن إرجاء بحث تقرير لجنة تقصي الحقائق الأمميشكَّل سابقة خطيرة وتنكرًا لدماء الضحايا في غزة الذين تجاوز عددهم 1400 ضحية، وضربة في الصميم للجهود التي بذلتها اللجنة الدولية وللتحركات التي قامت بها مختلف منظمات حقوق الإنسان لفضح جرائم الاحتلال ضد الإنسانية. وحمَّلت المنظمات الأوروبية السلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة عن عدم تمرير تقرير غولدستون الذي يدين الاحتلال الإسرائيلي بشكلٍ واضحٍ بارتكاب جرائم الحرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة مطلع السنة الجارية، وطالبتها برفع يديها عن التقرير الأممي. وحذرت من أن موقف السلطة الفلسطينية من شأنه أن يتسبَّب بتصعيد العدوان بحق الشعب الفلسطيني، لا سيما أن ما جرى منح الجانب الصهيوني ضوءًا أخضر للاستمرار في عدوانه وتصعيده. ورفضت المنظمات تبرير السلطة الفلسطينية الرسمي لإرجاء بحث التقرير بالحصول على إجماع دولي أكبر، وقالت: إن فرصة تمرير التقرير في مجلس حقوق الإنسان الدولي كانت متوفرة وكبيرة جدًّا، ولو أقرَّ لكانت فرصة نادرة لإدانة الاحتلال وفرض عقوبات عليه وملاحقة قادته الذين ارتكبوا المجازر وعرضهم أمام المحاكمة الدولية؛ لذا كان مستغربًا أن تقدِّم السلطة الفلسطينية على خطوة هكذا مهما كان حجم المبررات التي ساقتها. وطالبت المنظمات الأمين العام لالأممالمتحدة بان كي مون بإحالة تقرير القاضي ريتشارد غولدستون إلى مجلس الأمن فورًا، وقالت: كنا نأمل أن يوافق المجلس على التقرير ويرسل رسالة واضحة إلى الضحايا أن القضاء الدولي يأخذ حقوقهم. كما أدانت منظمة العفو الدولية (أمنستي) تأجيل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة التصويت على تقرير القاضي ريتشارد غولدستون الذي يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حربها العام الماضي على قطاع غزة. وطالبت المنظمة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بإحالة التقرير إلى مجلس الأمن فورا. وفي المقابل رحبت الولاياتالمتحدة بتأجيل التصويت على التقرير، ووصفت ذلك بأنه خطوة تصب في مصلحة الجميع. في سياق متصل، استنكرت الجامعة العربية تأجيل بحث تقرير الجرائم الصهيونية في غزة، وأكدت، أول أمس، أنه لم يتم التشاور معها قبل اتخاذ القرار بتأجيل البحث في مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان في تقرير عن جرائم حرب وجرائم محتملة ضد الإنسانية خلال الهجوم الصهيوني على غزة. وأعربت الجامعة في بيانٍ لها عن أسف الأمانة العامة للجامعة العربية الشديد لتأجيل مجلس حقوق الإنسان النظر في تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الحرب الصهيونية على غزة برئاسة القاضي ريتشارد جولدستون. وأضاف البيان أنه لم تكن هناك مشاورات مع الأمانة العامة للجامعة العربية قبل اتخاذ هذا القرار. وشدد البيان على ضرورة التزام الجميع بقرارات القمم العربية ووزراء الخارجية العرب بالاستمرار في ملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم حرب تجاه الشعب الفلسطيني. وردًّا على تأجيل مناقشة التقرير والتصويت عليه، قدِّم وزير الاقتصاد الفلسطيني استقالته، أول أمس، احتجاجًا على موقف السلطة من تقرير غولدستون. وذكر مصدر مقرَّب منه لوكالة الصحافة الفرنسية أن الوزير باسم خوري قدَّم استقالته من منصبه. ونقل عن المصدر قوله: إن استقالة خوري تأتي احتجاجًا على موافقة السلطة الفلسطينية على عدم مناقشة تقرير لجنة غولدستون في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. من جهتها، اعتبرت الحركة الإسلامية الأردنية أن طلب السلطة الفلسطينية تأجيل مناقشة تقرير الحرب على غزة إلى الدورة القادمة؛ خدمةٌ للعدو وتساوقٌا معه وتغطيةٌ على جرائمه في ظل المحاولات الصهيونية المتواصلة لتدنيس المسجد الأقصى المبارك، وتقويض بنيانه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه. وطالبت في اعتصام جماهيري نظَّمته نصرةً للأقصى أمام المقر الرئيسي لحزب جبهة العمل الإسلامي في منطقة العبدلي إحدى ضواحي عمان بعد ظهر أول أمس، الحكومات العربية والإسلامية بحماية الأقصى والقيام بواجبها بصد العدوان الهمجي الصهيوني. وشارك في الاعتصام قيادات من الحركة الإسلامية وجبهة العمل الإسلامي، أمثال: همام سعيد، وسالم الفلاحات، وحمزة منصور، وسعود أبو محفوظ، وزكي بني أرشيد، وأحمد الزرقان، كما شاركت شخصيات وطنية ونقابية وحزبية وعلماء شريعة، أمثال الوزير السابق: هاني الخصاونة، والعالم الدكتور علي الصوا، والدكتور ذيب عقل المحارمة. ودعا حمزة منصور الأمتين العربية والإسلامية إلى التضامن مع الأهل في القدس وفلسطين بكل الوسائل المشروعة. ورفع مشاركون لافتات الحركة الإسلامية وأعلامها وصور الأقصى، كما ردَّدوا هتافاتٍ كان أبرزها: بالروح بالدم نفديك يا أقصى.. يا حكام المسلمين ضيَّعتونا سنين وسنين.. تحية لكتائب عز الدين.. لا سفارة يهودية على أرض عربية على أرض أردنية. وفي كلمة جامعة له نيابةً عن الحركة الإسلامية والمشاركين، حيَّا النائب الشيخ حمزة منصور المدافعين عن المسجد الأقصى بصدورهم العارية إلا من الإيمان وبأيديهم الخالية إلا من حجارتهم المقدسة. وحذَّر النائب منصور من خطر محدق بالأقصى قائلاً: إنه منذ عام 1967 واليهود يواصلون اعتداءاتهم على الأقصى وحفر الأنفاق واقتحام المسجد وحرقه، وما زالت الاعتداءات والتهديدات المستمرة والتقارير تحذِّر من انهيار المسجد بفعل فاعل أو بهزة أرضية. وانتقد منصور النظام الرسمي العربي قائلاً: إنه لم يكتفِ بالانسحاب من القضية الفلسطينية بعد مسرحية منظمة التحرير الفلسطينية، واعتبارها الممثل الشرعي والوحيد، بل إنه عقد اتفاقيات مع العدو أنهت حالة العداء معه، وأسبغت عليه الشرعية، وأقامت المشاريع المشتركة معه. كما انتقد منصور الرأي العام العالمي الذي وصفه بأنه تهوَّد في معظمه ولم تعد تهزُّه الجرائم ضد الإنسانية التي يتعرَّض لها الشعب الفلسطيني. واستنكر صمت العالم الذي وصفه بأنه يتبجَّح بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي مقدمته أمريكا، التي تمد الكيان الصهيوني بالأسلحة المدمرة والدعم الاقتصادي وتوفر له الحماية في مجلس الأمن. وأكد منصور أن معركة الأقصى والقدس هي معركة الأمة، ولا يخذلهما إلا مارق من الدين مفارق للجماعة، مطالبًا الأمة بدعمه ودعم أهله الصامدين فيه، وتوفير أبسط مقومات الحياة لأسر الشهداء والأسرى، ودعم سياسي يكشف مؤامرات المتآمرين وتفريط المفرطين. ولفت منصور إلى أن المقاومة التي تستند إلى شعب أبيٍّ وإلى عمق عربي وإسلامي، وتتبنَّى قضيةً هي الأعدل في العالم بأسره؛ هي وحدها المؤهلة لوضع حدٍّ لغطرسة العدو، واستمرار تدفق المهاجرين، والتوسع في المستوطنات. ووصف منصور المفاوضات بالفخ الذي تورطت فيه أطراف فلسطينية، وما زالت تتورط ليتم إيجاد واقع جديد لا يبقي قدساً ولا عودة ولا دولة وليشتت الشعب الفلسطيني. كما أدان منصور محاصرة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من أطراف عربية وصهيونية معتبرا أنها جريمة حرب لأن الحصار يعادل الموت. وقال منصور: إن تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني الذي احتل قلب العالم العربي والإسلامي تنكر لمبادئ الأمة وثوابتها وانحياز إلى معسكر الأعداء. وفي ختام الكلمة قال منصور: إننا على يقين أن المستقبل لأمتنا لأن أمة يرفض دينها الخضوع والخنوع والفرقة والركون إلى الأعداء ويأمرهم بالإعداد والجهاد ورصّ الصفوف ستنتفض على كل عوامل الضعف وستنتصر بإذن الله. وكانت سلطة رام الله قد سحبت إقرارَها لمشروع القرار في فضيحة جديدة تؤكد تواطؤ هذه السلطة في العدوان والتغطية على جرائم الاحتلال. وأكدت وسائل الإعلام أن سلطة رام الله برئاسة محمود عباس قرَّرت سحب مشروع قرار يدعم تقرير لجنة غولدستون الأممية فيما يتعلق بالحرب على قطاع غزة، والذي كان من المقرر التصويت عليه يوم الجمعة الماضي في مقر هيئة لجنة حقوق الإنسان في جنيف. وقالت صحيفة هاآرتس الصهيونية يوم الجمعة: إن قرار السلطة الفلسطينية بسحب تأييدها لاعتماد التقرير جاء بعد الضغوطات التي تعرَّضت لها من قِبَل ممثل الولاياتالمتحدةالأمريكية في جنيف، بالإضافة إلى تنسيق مباشر بين واشنطنورام الله. وكان ممثل الولاياتالمتحدة قد أوضح للسلطة الفلسطينية أن اعتماد تقرير غولدستون من شأنه أن يوقف جميع مساعي السلام ويؤثر سلبًا في استئناف مفاوضات التسوية السلمية. وبحسب الصحيفة الصهيونية، فإن الموقف الأمريكي كان بالتنسيق مع حكومة الاحتلال، التي اعتبر رئيسها بنيامين نتنياهو اعتماد تقرير لجنة غولدستون في المحكمة الدولية في لاهاي سيكون بمثابة ضربة قاتلة لكل جهود السلام. وقال مصدر صهيوني مسؤول للصحيفة: إن رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير خارجيته أفغيدور ليبرمان فعلا كل ما بوسعهما من أجل وقف اعتماد التقرير خلال الأيام الأخيرة؛ حيث عُقدت العديد من الاجتماعات مع مسؤولين من الاتحاد الأوروبي وروسيا؛ بغية إقناعهم بعرقلة اعتماد التقرير. واعتبر أن قرار السلطة الفلسطينية بسحب دعمها للتقرير؛ يُظهر أنها تفهَّمت أن اعتماد مثل هذا التقرير من شأنه أن يؤدي إلى نتائج سيئة للغاية، قائلاً: الخطوة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية تؤكد أن إسرائيل كانت على حقٍّ عندما قررت عدم التعاون مع لجنة غولدستون، بالإضافة إلى ذلك فإن هذا يُثبت أن تقرير غولدستون كان سياسيًّا ومدعومًا من قبل جهات دبلوماسية. وأكد الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة الفضائية نقلاً عن مصادر مقربة من رئيس السلطة منتهي الولاية محمود عباس نبأ قرار السلطة بسحب اعترافها وإقرارها بتقرير غولدستون. وقالت المصادر إن عباس تعرَّض لضغوط شديدة من رئيس حكومته سلام فياض؛ لدفعه للموافقة على سحب الإقرار الفلسطيني، الذي يعني اعتماد التقرير وبدء الإجراءات العملية لتنفيذ توصياته. وقالت المصادر التي طلبت عدم ذكر هويتها لالجزيرة نت إن الرئيس عباس تلقَّى خلال اليومين الأخيرين اتصالين من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي دعته إلى عدم الموافقة على ما جاء في التقرير؛ بدعوى أنه سيعمِّق الفجوة التي قلَّ اتساعها مؤخرًا مع الاحتلال الصهيوني. وكانت حكومة الاحتلال اشترطت قبل أيام سحب السلطة الفلسطينية موافقتها على التقرير الذي يدين الاحتلال بارتكاب جرائم حرب أثناء حربها بغزة؛ مقابل السماح لشركة اتصالات فلسطينية جديدة بالعمل وإعطائها الترددات اللازمة. وأوضحت ذات المصادر أن فياض تذرَّع بالوضع الاقتصادي وإمكانية عرقلة عمل الشركة الجديدة، واستغلال الاحتلال والإدارة الأمريكية للموافقة الفلسطينية على التقرير؛ بغية التراجع عن تعهداتٍ بالعمل على تسوية سلمية للصراع. وبيَّنت أن فياض اعتبر أن الموافقة على التقرير والعمل على ترويجه خطأ؛ لأننا لا نستطيع الوقوف بوجه أمريكا وإسرائيل، كما نقل المصدر عن فياض. ويعيد هذا القرار إلى الأذهان قيام مندوب منظمة التحرير الفلسطينية وسفيرها في مجلس الأمن رياض منصور؛ بإفشال مشروع قرار عربي إسلامي تقدمت به دولتا قطر وإندونيسيا إلى مجلس الأمن الدولي لرفع الحصار عن قطاع غزة، وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان الفلسطينيين مطلع شهر غشت 2007م. وفي حينه أوضح رئيس الوفد القطري في مجلس الأمن الدولي أنه لم يتوقع ما أقدم عليه رئيس الوفد الفلسطيني رياض منصور تجاه المشروع، من إجراء اتصالات بجميع أعضاء مجلس الأمن فردًا فردًا لمعارضة مشروع البيان، وطلبه من المجلس عدم اتخاذ أي إجراء بخصوص تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة.