استنزفوا مياه خزاناتهم وخيرات أشجارهم، زحفوا ودمروا الشجر والغرس والنبات بجحافل الإبل والماعز والضأن، شكت الساكنة إلى بعض المسؤولين فوعدوها خيرا، فتمهل الأهالي شهورا لكنهم لم يعودوا يطيقوا صبرا، وشاع في أوساط الساكنة أن الأمر يتجاوز السلطات المحلية وأن مالكي القطعان ينتمون إلى جهات نافذة...! وأن لا أحد يستطيع أن يوقف مد هؤلاء. يقع هذا كله بجماعتي ''تيدسي نيسندالن'' و''أصادص'' بإقليم تارودانت، دون أن يكلف المسؤولون أنفسهم للتدخل لفض النزاع، وكأن مهمتهم مرهونة بنشوب المعارك بين الرحل والأهالي . قبيلة سندالة... تقع قبيلة سندالة بالسفوح الشمالية للأطلس الصغير، وتنتمي إداريا إلى قيادة أولاد محلة بدائرة أولاد تايمة بإقليم تارودانت، وتضم مجموعة من الدواوير، ويزاول أهاليها فلاحة جلها بورية في معظمها، لكن توجد فلاحة معاشية تعتمد على السقي التقليدي. وتعيش ساكنة قبيلة سندالة على الرعي وزراعة الحبوب من شعير وذرة وقمح، ويعتمد معظم الأهالي أساسا على مياه الأمطار يدخرونها في صهاريج مائية تسمى بالأمازيغية ''تينوطفاي'' مفردها ''تنوطفي''. تحيط ب ''إسندالن'' غابات من شجر ''الأركان'' يحميها الأهالي بنظام عرفي موروث ومعروف لدى المغاربة ب ''أكدال'' كباقي مناطق شريط أركان الممتد نحو الجنوب من قببيلة حاحا إلى تارودانت شرقا، ومنطقة الاخصاص بتيزنيت جنوبا، وعلى امتداد هذا الشريط توارثت القبائل تخصيص فترة تقدر بثلاثة أشهر قبل الجني يمنع فيها رعي الماشية بالغابة حماية للغلال وتنظيما لعملية جني ثمار ''أركان'' من قبل كافة أبناء الدواوير، وحفاظا كذلك على براعم ثمار السنة المقبلة التي تبرز خلال فترة المنع (أكدال). استغلال مفرط تعرضت غابات ''الأركان'' بالعديد من مناطقه على مر السنين لاستغلال مفرط وخطير سواء من قبل رعاة الماشية، أو من قبل منتجي حطب الوقود والفحم الخشبي، واليوم تعرف هذه الشجرة تعاقبا خطيرا لقوافل الرعاة بمناطق السفوح الشمالية لجبال الأطلس الصغير خاصة بجماعتي ''تيدسي ن إسندالن'' وأصادص، حيث تتعاقب القوافل واحدة تلو الأخرى، قادمة من بعض المناطق الصحراوية، تخترق أملاك العباد بماشيتها وتستنزف خيراتها، وقد عاينت ''التجديد'' التي انتقلت إلى دوار'' أموسلك'' بعض خيم الرحل التي نصبت بغابة أركان هناك، كما التقت مع العديد من أبناء المنطقة، وصرح أحدهم بأن هؤلاء الرعاة يهجمون على غلات الزرع واللوز والأركان بجمالهم وماعزهم، ويفرغون الخزانات المائية الخاصة بالساكنة، حيث يعمدون إلى إهراق مياهها على سطح الأرض بعد إيراد بهائمهم الكثيرة، وقبل مغادرتهم البلدة يتصلون بقوافل أخرى لتلتحق بالمنطقة، ثم يرحلون منها مخلفين وراءهم أزمات خانقة في المياه والزرع وهكتارات من غابات ''أركان'' مجتثة الأشجار وملقاة على الأرض. ويعتبر دوار ''أموسلك'' من بين الدواوير الأكثر تضررا من هذا الزحف، ويحكي أحد الشبان بذات الدوار أن هؤلاء الرحل يتقنون قذف الأحجار من بعيد بالمقلاع، ويهددون الساكنة باستهداف كل من وقف في طريقهم، فيما يحاول بعض هؤلاء الرعاة إرشاء بعض أبناء البلدة مقابل السماح لهم بنهب خيراتهم. وصرح أعضاء جمعية ''تمونت'' بدوار ''أمسدكت''ل''التجديد''، أن حجم الأضرار في منتوج ''الأركان'' بلغ هذه السنة أزيد من 05 في المائة، وتقدمت الساكنة في أول الأمر بشكايات شفوية للمسؤولين لكن دون نتيجة تذكر، ليتبين للساكنة بعد ذلك حسب تصريحهم أن هذه الجحافل من الجمال والماعز في ملك جهات نافذة، مع العلم أن جمعية ''تمونت'' وجهت إلى كل من قائد أولاد محلة والمدير الإقليمي للمياه والغابات بتارودانت طلبا حصلت ''التجديد'' على نسخة منه - التمست فيه من الجهات مساعدتها السهر على منع الرعي وجمع غلة ''الأركان'' لمدة ثلاثة أشهر وذلك حفاظا على البيئة وتنظيم الرعي وحسن استغلال غلة الأركان من قبل كافة أفراد الساكنة، ورغم كل هذه الإجراءات يضيف عضو الجمعية فلا أحد يستطيع ردع هؤلاء الوافدين الذين اخترقوا كل أعراف القبيلة كأنهم بذلك فوق القانون . وحملت الساكنة كافة المسؤولية للسلطات المحلية ومصالح المياه والغابات بالمنطقة، كما دعتهم في السياق ذاته إلى استحضار العواقب المترتبة على مثل هذه السلوكات التي قد تدفع السكان الأصليين إلى التفكير في خوض كل الأشكال الاحتجاجية التي يضمنها القانون للحفاظ على هذه الشجرة التاريخية، واسترجاع قوت أبنائهم وماشيتهم. وصرح أحد المسنين الذين التقيناهم في رحلتنا عبر سندالة وبالذات في دوار ''أمشتوتل''، أن الجمال تدمر شجرة ''أركان'' بشكل خطير، حيث تعمد إلى اقتلاع أغصان كبيرة الحجم فتقضي بذلك على نموه، وتجدده على المدى البعيد قد يستغرق سبع سنوات، فيما تقل الأضرار التي يحدثها الماعز، إذ يصعد هذا الأخير إلى أعلى الشجر ويقتات فقط من ورقه دون أن يدمره، غير أنه يفسد الغلة المقبلة بحيث يقتلع براعمها التي هي الزهرة الأولى للشجرة. وللإشارة فأن هذه السنة تعتبر استثنائية بفعل حجم التساقطات، حيث أخرجت شجرة ''أركان'' زهرة ثانية في سنة واحدة. محنة''أركان'' حضرت ''التجديد'' لقاء تواصليا جمع ساكنة سندالة بأحد النواب البرلمانيين، وقد خصص هذا الأخير لقاءه للوقوف على حيثات مشكل ''أركان'' بالمنطقة لمتابعة طرحه على الجهات المختصة، وقد قدمت له الساكنة شكايات استنكر بعضها التناقض الحاصل بين تصريحات العديد من المسؤولين الحكوميين الذين شددوا في أكثر من مناسبة على ضرورة الحفاظ على شجرة الأركان كإرث تاريخي، وما يقع حاليا بغابات دواوير منطقة سندالة والمناطق المجاورة، وقد عبر أحد المسنين في اللقاء ذات عن خيبة أمله في بعض المسؤولين الذين لا يدركون، حسب تعبيره، أهمية هذه الشجرة المباركة التي أعالت الأسر والبهائم وبشكل منظم وعاشت مع الأهالي سنوات الجفاف جنبا إلى جنب. ويذكر هذا بصيحات أحد الشعراء الأمازيغ الذين تغنوا بشجرة ''أركان'' لما قال متحسرا: لكست آر سوس آرإكي ن سوس آر إحاحان، ؤهوي أركان إتوبويت نرات إ تاريخ، أسرس نسكار إ ويد اتن ؤر إطافن عيش إكا واركان أداك إروان غ تاساسين ليغ إرمي سيباب إس يوسي تاكاتين غاساد غ ءيعفا ربي ضرن فلاس إشوقاري نتو أجميل إ باب نس نتو ياس لخير وترجمة هذه الأبيات بالعربية هي: من سوس إلى أعلى سوس حتى ''إحاحان'' ، لا لتدمير أركان نريده للتاريخ، لنكابر به في وجه من لا يملكه، أركان يا شجرة المحن والشدائد، أعالت الأسر يوم قل الزاد، ولما عفا الله تقاطرت عليها الفؤوس، ونسينا خيرها وجميل صنيعها.