دعا عبد الصمد بلكبير، الأستاذ الباحث بجامعة القاضي عياض والعضو في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى تشكيل لجنة أخرى مهمتها استدراك الزمن الضائع في قضايا الانتقال الديمقراطي. أي أن دور تلك اللجنة هو استدراك الثغرات التي أخرت الانتقال الديمقراطي. من جهة أخرى شدد بلكبير على أن المطلوب هو أن تتجه أية كتلة يتم تأسيسها لحماية المرتكزات السبعة التي أعلنها الملك، وبالتالي الدفع باللجنة المشكلة لتعديل الدستور أن تحترم تلك المبادئ. بعد خطاب جلالة الملك ل9 مارس وبعد عدد من الأحداث المواكبة لوقفات طرحت مسألة الضمانات، أي ما هي الضمانات التي يمتلكها المجتمع لكي يسير ورش الإصلاح الدستوري ضمن الأهداف المرسومة؟ أولا، الخطاب الملكي ل 9 مارس يحمل عند النظر فيه من الوهلة الأولى إشارتين متناقضتين. فالخطاب من جهة أولى وروحه ونصه ايجابي جدا. ولكن من وجهة ثانية فإن ما أسفر عنه الغد من أسماء أعضاء لجنة تعديل الدستور(التي قيل أنها ستكون شاملة وعميقة) متناقضة من حيث سير بعض أعضائها مع الأهداف المعلنة في الخطاب. وبالطبع الأفكار والقرارات والتوجهات لا تنفذ نفسها بنفسها. بل تنفذ عن طريق الأشخاص. ولذلك فبعض الأعضاء المعين عضويتهم في اللجنة يثيرون بعض الأسئلة بالنسبة للمواطن المناضل والعادي. لهذا يمكن القول بأن هناك تشويش. ومن تم ليس هناك اطمئنان كامل على مسار الورش. ذلك أن بعض من أوكلت إليهم مهمة النظر في التعديلات الدستورية ليسوا فوق مضان الثقة في حسهم الديمقراطي. بل إن بعضهم سجل عليهم أنهم من الذين كانوا داعمين للمسار الذي كان يخطه إدريس البصري في عهد سابق. ولكن كيف يمكن إنتاج ضمانات من قبل المجتمع لكي لا ينحرف المسار؟ إن مسألة الإصلاح والتغيير والانتقال الديمقراطي لا تتصل فقط بقضية الدستور. بل إنها لها علاقة أيضا بقضايا أخرى لا تقل أهمية عن المسألة الدستورية. وأشير مثلا إلى ملف الإصلاح الإداري، أيضا محاربة ومحاصرة الفاسدين والمفسدين. والأهم من ذلك ضمان أن تجرى الاستحقاقات الانتخابية في نزاهة وحرية تامة ودون تدخلات مسبقة. وهنا أقول لو كانت الانتخابات السابقة مثلا حرة ونزيهة لما احتجنا أصلا لكي نتحدث عن تعديل الدستور عبر لجنة معينة يثير بعض أعضائها شكوكا. ذلك أن البرلمان المنتخب ديمقراطيا كفيل بأن يتولى الملف بكل الضمانات التي تستوجب أن يكون دستورا ديمقراطيا يستجيب لمتطلبات المرحلة التاريخية الراهنة. في تقديري الآن ، وهو بمثابة استدراك ودعم ما أنجز حتى الآن هو تشكيل لجنة أخرى( وسيكون مفيدا أن تتشكل من رموز محترمة ومعتبرة حزبية ومستقلة والتي للشعب ثقة في مسارها مثل الأستاذ امحمد بوستة والأستاذ عبد الرحمان اليوسفي). في هذا السياق يجب أن تكون المهمة المركزية لهاته اللجنة هو استدراك الثغرات التي أخرت الانتقال الديمقراطي. كما يجب أن يتم تأطير النقاش استنادا إلى روح التوافق والتدرج في رمنطق وضع المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار. لتدارك عثرات البداية ألا يمكن للمجتمع السياسي الحزبي والمدني أن يشكل إطارات جامعة للضغط من أجل ضمان فتح ورش حقيقي للإصلاح الدستوري والسياسي؟ هذه دعوة كنت أدعو إليها منذ مدة وهي ضرورة لأي انتقال ديمقراطي حقيقي. وأعتقد أن القضايا المطروحة على أجندة المغرب وكذا طبيعة الأزمات التي يعيشها تقتضي تكتل كل الوطنيين والديمقراطيين لتسريع وتعميق وتيرة الإصلاح. بالنسبة إلي ليست هذه دعوة جديدة. والسؤال هو عن نضج الإحساس بتحدي التكتل. دائما كانت الدعوة ملحة إلى توسيع الكتلة الديمقراطية وإلى تعميق برنامجها الإصلاحي. ولذلك إذا كانت الشروط ناضجة ومتوفرة في الهيئات الديمقراطية الحزبية والنقابية والمدنية فهذا شيء سيكون رائعا وتاريخيا لمطلب تحقيق الديمقراطية الحقة في بلادنا. وسيبقى المطلوب هو أن تتجه أية كتلة لحماية المرتكزات السبعة التي أعلنها الملك، وبالتالي الدفع باللجنة المشكلة لتعديل الدستور أن تحترم تلك المبادئ. من جهة أخرى وكما قلت، ضرورة تشكيل لجنة أخرى مهمتها استدراك الزمن الضائع في قضايا الانتقال الديمقراطي، وأهم شيئ في ذلك،( وهو ما سيضمن تحقيق شروط الانتقال) هو أن تهتم بوضع هيئة مستقلة وطنية ونزيهة وذات وسائط للعمل لكي تشرف وتنظم وتضمن انتخابات نزيهة وحرة. ألا يدل أن ماجرى بعد خطاب 9 مارس على أن هناك لوبيات وسط السلطة هي ضد الإصلاح؟ ثم ماهي الملفات التي يجب فتحها بالموازاة مع ورش الإصلاح الدستوري؟ طبعا من المفروض أن الخطاب الملكي قد طوى صفحة من الماضي وفتح صفحة المستقبل. والتي من أهم شروطها أن تصبح على الأقل الوقفات السلمية أكثر من مقبولة. لكن ماجرى بعد الخطاب يثير تساؤلات. ولعل من أبرز الملفات التي يجب أن تواكب زمن الإصلاح الدستوري أشير إلى ضرورة إطلاق جميع المعتقلين السياسيين( والذي تبث من خلال الجمعيات الحقوقية أن اعتقالهم كان ظالما وكان استجابة لإملاءات خارجية) . كذلك يجب إلغاء قانون الإرهاب الذي فرض من الخارج على المغرب فرضا. وقبل أن نصل إلى مرحلة إقرار دستور جديد ينبغي اتخاذ كذلك عدد من الإجراءات ، من أجل انتقال نحو الديمقراطية الحقة، منها توسيع هوامش الحريات وحرية التعبير. في الأخير أرجو أن تتوفر في مضامين الدستور المقبل شروط الإجماع. لأن القوانين الأساسية السامية للشعوب يفترض أن يحصل حولها إجماع. وهذا لن يتأتى إلا بالقطيعة مع مثل تلك الأساليب التي استعملت في الماضي، وتلك التي تستعمل ضد الوقفات الشعبية السلمية المطالبة ببعض من الحقوق.