افترق المشاركون في المائدة الحوارية حول "المستقبل السياسي للمغرب" وهم مجمعون على أن هناك أسئلة عديدة ما تزال تحتاج للحوار والبحث والتواصل، وكشفت الندوة التي نظمتها الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان يوم الجمعة الماضية (2002/1/30) على أن وجود اتفاق على تشخيص اختلالات الراهن السياسي يقابله تباين في مداخل معالجة هذه الاختلالات، على الرغم من نقط التلاقي التي برزت بين هذه المداخل، وخصوصا التأكيد على أهمية المراهنة على الإنسان وإعادة الاعتبار للمجتمع في التحديث السياسي. عمر امكاساو:قديم وفي تقديمه لأرضية المائدة الحوارية، أكد ذ. عمر امكاسو، عضو مجلس الإرشاد بجماعة العدل والإحسان على أن الحوار مطلب قرآني ومدخل حضاري للتغيير وضرورة واقعية معتبرا أن الموضوع المقترح لهذه الندوة لا يستدعي كثيرا من الجهد لتبرير أهميته، فالمستقبل السياسي للمغرب مسألة مصيرية في ظل واقع يتسم باستنزاف ثروات البلاد ولجوء أجيال لرمي نفسها في البحر طمعا في الهجرة، وعزوف عن المشاركة ليخلص إلى التساؤل عن المدخل السليم لتناول هذا المستقبل. محمد يتيم:الإصلاح قضية مركبة وأخذ الكلمة بعده ذ. محمد يتيم عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، والذي أعلن في البداية على أنه يحب الحديث كباحث وكدارس أكثر من كونه يعبر عن وجهة نظر معينة، وركز على عدد من الملاحظات، منها أن دراسة المستقبل هي علم قائم، تستحضر المعطيات بطريقة علمية ويتم توقع المسارات المستقبلية تبعا لذلك، خصوصا وأن الظاهرة السياسية ظاهرة معقدة ومتشابكة، وأن مشكلة القرار السياسي عندنا هي الافتقاد لدوائر ومراكز تنضج عملية صناعة القرار وفق مناهج علمية، ولافتا الانتباه إلى أن الحكم على الشيء، فرع عن مخالطته ومعاينته، ثم توقف لنقد عملية التنميط لمداخل الإصلاح، فقضية التغيير قضية معقدة، ولا يوجد من يراهن على المدخل الانتخابي لإحداث التغيير، ليخلص إلى أن قضية الإصلاح هي قضية مركبة ومداخلها ينبغي أن تتعدد. مصطفى المعتصم:مستقبلنا رهين بالتوافق من جهته اعتبر ذ مصطفى المعتصم، رئيس حركة البديل الحضاري، إلى أن المدخل السليم في تحليل المستقبل هو الانطلاق من الحاضر عبر تفكيك الواقع وأيضا النظام السياسي، وهو ما قام به الحداثيون العلمانيون، وبعض الإسلاميين الذين رجعوا إلى الموروث الفقهي دون طرح السؤال عن مدى إسلامية هذا الموروث، وقد أبرز أن مستقبل المغرب رهين بما ستعده النخب للإجابة عن أسئلة محددة، و"هذا رهين بتدبيرنا للاختلاف والتنوع والصراع، فمستقبلنا رهين بالتوافق"، وضمن الإشكالات الأساسية المطروحة في هذا السياق إشكالية التداول على السلطة، فهناك "نخب تتطلع إلى السلطة، فكيف تنظم ذلك بما لا يهدد الكيان"، معتبرا أن الإشكال في البلاد هو إشكال حضاري لكن جوهره سياسي. عمر أحرشان:مراجعة النسق الدستوري وانطلق ذ عمر أحرشان، الكاتب العام لشباب العدل والإحسان، من اعتبار أن التساؤل عن المستقبل هو سؤال مجتمعي، وأن هناك إجماع على أننا لا نسير في الاتجاه الصحيح وأن كل المبادرات التي قدمت عاجزة، وأضاف أن الأصل هو أن يقع هناك تداول على الحكم، إلا أنه علق على مدخل الإصلاح الدستوري كمدخل لمعالجة الوضع، بأنه "طرح محتشم" ما دام يركز على تعديل فصل، وتفعيل آخر، فالمطلوب هو "أن تتجه المراجعة الدستورية إلى النسق الدستوري". عبد العالي مستور:الإصلاح الدستوري ليس هوالقضية ذ. عبد العالي مستور، مسؤول منتدى المواطنة، أكد على أن الحوار هو إقرار بأن الأزمة متعددة والمقاربة متعددة وأنه بعد 40 سنة عرف خلالها المغرب سيرورة صراع بين المجتمع والحكم، هناك إمكانية لإعادة ترتيب هذه السيرورة، هذه الإمكانية التي تدل عليها عدة إيجابيات، منها وجود إقرار "بضرورة إعادة النظر في أهداف وأساليب تدبير الشأن العام والمحلي"، الإقرار أيضا بملحاحيته" إعادة تنظيم العلاقات الوطنيةو بين الدولة والمجتمع، بين المغرب ومحيطه، بين النخب"، واعتبر أن "الإصلاح الدستوري موالية وليس هو القضية" والمدخل الأساسي للتغيير ينطلق من تحديد "جدول الأعمال الوطني" فما يعطي الشرعية لطرف ما هو "مدى إجابته على احتياجات المجتمع". مشيرا إلى ضرورة القيام بالنقد المزدوج رغم اتفاقه على أن المسؤولية الكبرى على ما حصل بالمغرب هو المخزن. المختارالعبدلاوي:إعادة الاعتبار للمجتمع المدني أما ذ المختار العبدلاوي ناشط بمنتدى المواطنة، فقد وقف عند مسألة غياب المشروع عند المجتمع السياسي، دولة وأحزابا مقدما على ذلك عدة مؤشرات، كعدم المبادرة إلى القيام بتعديلات دستورية، الارتباك في مراجعة مدونة مراجعة الانتخابات الخ، ليتساءل بعد ذلك، عن الخلفية التي توجه صناعة القرار السياسي بالبلاد في غياب مشروع سياسي؟ واعتبارها تتمثل في حماية مصالح المنتفعين، وهذا يتخذ إما لهاجس أمني مفتعل أو لإملاءات خارجية، وحتى المجتمع المدني الذي كنا نراهن عليه أصبح مخترقا بتمويلات خارجية ووفق جدول أعمال محدد عن الخارج. واعتبر أن هناك مدخلين أساسيين، أولهما، إعادة الاعتبار للمجتمع في اتخاذ القرار والتوقف عن اعتبار القضايا الكبرى تدخل ضمن النطاق الخاص، وثانيهما إعادة التوازن للعلاقة مع الخارج وإعادة الاعتبار للداخل الوطني في مواجهة الخارج. تنبيه تنظيمي وبعد أن نبه ذ. عيسى أشرفي (أحد مسؤولي الجماعة) من الوقوع في بعض المنزلقات أثناء التعاطي مع هذا الموضوع من قبيل أن يكون لنا "توجه أكاديمي"، عبر عن اعتقاده من أن هناك دولة خفية بالمغرب هي التي تتحكم جليا إن لم يكن كليا في الأحزاب والقرارات، كما اعتبر أنه "قبل الكلام عن ما هو موضوعي لا بد من التركيز عما هو ذاتي (..) فلابد من التوفر على مشروع واضح (..) وإلا ستكون المواقف مبثورة إن لم نقل ضعيفة. وبسط بعد ذلك مجموعة مسائل منها أنه لابد من الوعي بما يسميه القرآن باليوم الأول، فنحن لسنا قاصرين بأن ننظر إلى العهد الجديد بوفاة الحسن الثاني، بل لابد من العودة إلى البداية التاريخية والولادة التأسيسية لهذا لانظام. ولفت الانتباه إلى أنه لابد من ضبط توظبف مالمصطلحات، وأنه لابد من تجاوز النظرة التسطيحية والبحث في القوانين المتحكمة في الظواهر، ودعا في ختام كلمته إلى تشجيع جميع المثقفين والنخب على "اقتحام العقبة" فيما يخص العلاقات القائمة بين الحاكم والمحكومين، الملكية والعدل، الملكية والإسلام، الملكية والتعددية. محمد المرواني:جبهة الإصلاح الدستوري أما ذ. محمد مبارك المرواني، رئيس الحركة من أجل الأمة، فقد ركز على موضوع الدولة والمجتمع معتبرا أن هناك أزمة في الشرعية السياسية وليس نقص في الشرعية، وأن المدخل هو العمل لتصحيح العلاقة بين الدولة والمجتمع وما يقتضيه من حوار بين المكونات لبناء جبهة عريضة للإصلاح الدستوري، كما تساءل عن معنى أن نؤسس حزبا سياسيا في المغرب ومعنى امتلاك برنامج سياسي إذا لم نستطع تنفيذه. محمد ظريف:بناء موازين قوى جديدة وقد كان ختام الجولة الحوارية الأولي مع د. محمد ظريف، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بالمحمدية، والذي انطلق من الإشارة إلى حصول تحول في وضعية المثقف تجاه المقرر، حيث انتقل من المثقف الملتزم إلى المثقف الخبير مرورا بالمثقف المبرز. واعتبر أن تاريخ الخطاب السياسي بالمغرب هو تاريخ الحديث عن المستقبل السياسي، وأنه يجب أن نسائل جميع المداخل التي طرحت من طرف الفاعلين السياسيين، هذه المداخل التي حصرها في ثلاث، المدخل القانوني المعياري والمتمثل في المراهنة على تعديلات دستورية، واعتبر أن التجربة أثبتت فشل هذا المدخل فيجب أن "نكون مثاليين حتى نراهن على الوثيقة الدستورية". أما المدخل الثاني، فهو الرهان التنموي والذي تمثله المؤسسة الملكية ويندرج في إطار إنتاج مشروعية جديدة بعد أن تآكلت المشروعية التاريخية مما استلزم العمل على بناء مشروعية شعبية يؤطرها مفهوم العهد الجديد. والرهان الثالث هو الرهان الانتخابي والذي يؤطره مفهوم الانتقال الديمقراطي وتنخرط فيه الحكومة، والرهانان الثاني والثالث هما رهانان متنافسان وأعطى نموذج الرسالة الملكية حول التدبير اللامتمركز للاستثمار في 2002/1/9 للتدليل على ذلك. وخلص في الختام إلى أن المدخل هو العمل على إعادة بناء موازين قوى جديدة. جولة ثانية في الندوة أدت هذه الجولة من الحوار إلى إعطاء نفس جديد للقاء، بسبب ما استشعره غالبية المتحاورين من ضرورة التوضيح أكثر لاختياراتهم وتوجهاتهم، وهو ما ساد بشكل كبير في مداخلات الجولة الثانية، والتي كانت بدايتها مع ذ. مصطفى معتصم (البديل الحضاري)، حيث توقف عند تحديد طبيعة النظام المغربي معتبرا إياه نموذجا للدولة السلطانية والتي هي نتاج تلاقح بين عقيدة الإسلام ومجموعة من طقوس الدولة الفارسية، كما أثار مسألة النقاش حول المرجعية وحذر من أن تكون مدخلا لمنزلق خطير داعيا للقبول بوجود تعدد واختلاف في المرجعيات، واعتبر أن المدخل للإصلاح هو إصلاح سياسي ودستوري حقيقي يعالج إشكالية توزيع السلطة بين النخب، وإذا كان النظام مستعدا للإصلاح، فالشروط معروضة. وتلاه بعد ذلك عبد العالي مستور (منتدى المواطنة) والذي نبه إلى أن هناك مبالغة في الحديث عن دور الحكم والخارج وإغفال لدور المجتمع، ومعيدا التساؤل عن الإيجابيات الموجودة والتي ينبغي أن تستثمر، فأن يتجه الملك إلى بناد مشروعية شعبية بالتنمية فهذا معطى إيجابي يجب أن يستثمر. واعتبر أن الأولوية هي لكل من الديمقراطية لتدبير العلاقات الوطنية، والتنمية لتلبية الحاجيات المجتمعية، ليختم بالتأكيد على ضرورة البحث على التوافق لإنجاز المشترك. وفي مداخلته عالج ذ. محمد يتيم (حركة التوحيد والإصلاح) عددا من النقط منها أنه في مواجهة الواقع الآسن المتفكك والفاسد على كل المستويات فمن حيثما بدأت فستنجز شيئا، وأن الكرة ينبغي أن توضع في ملعب الإنسان، فلابد من تأهيل له وهو ما تؤكده سيرورة الدعوات الإصلاحية في التاريخ، وأضاف أنه لابد من تنسيب السياسة، فهي من الممكن، كما أن تحليل القرار السياسي في المغرب ينبغي أن يستحضر فيه المحيط الجيوستراتيجي ودور اللوبي الصهيوني بالمغرب. وركز في الختام على أن الحوار يتطلب الاعتراف بالآخر، وأبرز ذ. أحرشان (شباب العدل والإحسان) أهمية التوفر على مشروع مجتمعي يضمن العيش المشترك والتنافس والاستمرار وأكد في نفس السياق على أن أولى الأولويات هي التوجه إلى الإنسان، كما اعتبر أن الواجهة للعمل بعد التوفر على مشروع مجتمعي هي أن تكون هناك ضمانات. ومن جهته سعى ذ. محمد المرواني (الحركة من أجل الأمة) إلى التفعيل أكثر في توجه حركته بخصوص الإصلاح الدستوري، حيث نبه إلى أن هناك من يتكلم عن الإصلاح الدستوري بمعنى التعديلات، وهناك من يتكلم عنه بمعنى التعاقد، أي بلورة نظام سياسي جديد يكون فيه الدستور إطارا تعاقديا بين الدولة والأمة وهذا هو المنظور الذي تحمله الحركة ممن أجل الأمة، ولهذا تساءل عن الفرق بين كلمة الميثاق وبين الإصلاح الدستوري بالمعنى الثاني، فالأمر لا يعدو مسألة مصطلحات، واعتبر أنهم يطرحون مسألة الإصلاح الدستوري مع حسم المرجعية، وذلك حتى ننظم الاختلاف على أساسها وإذا لم نحسمها سقطنا في العلمانية أي اللامرجعية. كما عبر عن رفضهم "لمنطق الثنائيات المتخاصمة" في عملية التغيير، (فوق/ تحت) محيلا على قول الله سبحانه وتعالى وختم بضرورة العمل على تكوين جبهة للإصلاح الدستوري والسياسي وإقرار الحريات. أما ذ. عيسى أشرفي (جماعة العدل والإحسان) فقد أكد على أن السياسة وسيلة وأننا كرجال دعوة نخاطب دائما فطرة الإنسان ونذكره بربه وبالغيب، واعتبر أن هناك عنصران في عملية التغيير، قيادة ترتكز على قوة أخلاقية محصنة، والتحام بالشعب. واختتمت الجولة الثانية، بمداخلة للدكتور محمد ضريف (جامعي) أبرز فيها أن الحل هو جماعي وأن الهدف من الحوار هو الوصول لأرضية مشتركة تسمى بالثوابت، وأكد على أن السؤال الأساسي هو سؤال الكيف. وتناول الكلمة بعد ذلك ذ. عمر أمكاسو ليعلن ختام اللقاء وواعدا بمواصلة الحوار في والمستقبل مادامت هناك أسئلة أخرى ما تزال معلقة ومطروحة. ويشار إلى أن المائدة الحوارية، تابعها حضور من المفكرين والصحفيين والمهتمين، نذكر منهم، ذ، إدريس الكتاني رئيس نادي الفكر الإسلامي، وذ. الحبيب الفرقاني القيادي السابق في الاتحاد الاشتراكي، كما اعتذر عن المشاركة كل من خالد السفياني، والفقيه البصري وعبد الصمد بلكبير. مصطفى الخلفي