ثمة رسالة كامنة في الممانعة الدموية للاستبداد المصري، يوجهها إلى مختلف التوجهات السلطوية في المنطقة العربية، وخاصة منها المرتكزة على نظام الحزب الوحيد الحاكم والفعلي، من أن هذه الممانعة هي ممانعة خط الدفاع الأخير عن السلطويات الحزبية الجاثمة في العالم العربي وليس فقط في مصر، وأن إصراره على البقاء هو اختبار لحقيقة الدعم الغربي لهذه السلطويات المستبدة، ومدى وفاء الغرب بالتزامات المساندة والحماية في ساعات الحسم، ودعوة غير مباشرة لمراجعة ''شروط'' الحماية السرية مع عرابيهم في الغرب، إلا أن الذي غاب عن صناع هذه الممانعة الدموية هو عمق المقاومة الشعبية لمؤامرة إجهاض الانتفاضة الديموقراطية، وأن استمرار هذه المقاومة الباسلة تجعل من الممانعة الدموية عنصر تسريع لانتقال زخم الاحتجاج الديموقراطي إلى باقي الدول العربية المشتركة مع مصر في نفس شروط الاستبداد السياسي الحزبي والفساد الاقتصادي والظلم الاجتماعي، وهو ما بدأنا نشهد آثاره في اليمن والأردن والجزائر. ما يقع حاليا يشبه مقدمات سياسة الاستئصال الدموي لجنرالات الجزائر أثناء الانقلاب على الانتخابات الديموقراطية في دجنبر 1991 ويكشف عن الانحدار الذي بلغه الاستبداد السلطوي في مصر، رغم الدروس المرة للجزائر من هذا الاستئصال وما أفضى إليه من تصفية ما لا يقل عن 150 ألف شخص وخلف أزيد من 100 ألف أرملة ويتيم كحصيلة لحرب أهلية استمرت عشر سنوات، وما تزال الجزائر تعاني منها لغاية اليوم، لكن نظام مبارك يرفض الإنصات لدرس التاريخ، وهدد الشعب المصري بالفوضى في حال ذهابه، وهو ما شهدنا بداياته في اليومين الماضيين. إن مقاومة الشعب المصري تكشف عمق التحول السياسي والاجتماعي والثقافي عند شعوب المنطقة العربية، وأن مراهنة البعض على سطحية إيمانها بالديموقرطية بما هي احترام لإرادة الشعوب ورفض للاستبداد، هي مراهنة خاسرة، وأن قمع هذه الإرادة كما حصل في جزائر التسعينيات أو سوريا- حماة الثمانينيات لن يمكن من تمديد عمر التسلط بل سيزيد من قوة الثورة عليه ويسرع من الحسم معه ونبذ رجالاته ولفظهم. لقد وضع الكثيرون أيديهم على قلوبهم وهم يتابعون أطوار الكر والفر في ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر، وعاشوا حالات توتر وترقب وتوجس من أن ينجح مشروع الإجهاض والمؤامرة على الانتفاضة الديموقراطية المصرية، لكن ظهر أن قيادة هذه الانتفاضة نجحت في صد المؤامرة واستخلاص دروسها السياسية مما انعكس على مجموع مواقفها في اليوم الثاني من المواجهات، ولم تتراجع أو تتنازل بل وشكلت مواقفها ضغطا قويا على الموقف الدولي الذي تحول نحو القبول بالأمر الديموقراطي الواقع والتخلي عن توجيه رسائل الإذن بالتصفية الميدانية للانتفاضة. إن المغرب مطالب بأن له موقع في المشهد الديموقراطي الجديد في المنطقة..