تصاعدت وتيرة أعمال العنف من جديد في الجزائر خلال الأسابيع الماضية، مخلفة عشرات القتلى ومئات الجرحى في صفوف المدنيين ورجال الأمن وعناصر الميلشيات المسلحة. فيوم الثلاثاء الماضي قتل عشرة أشخاص في بلدة تسيميسيلت في ظروف وحشية، حيث تم ذبح الضحايا وكلهم من المدنيين، وتقطيع جثتهم، وهو ما يعيد إلى الذاكرة عمليات القتل الجماعية التي نشطت في السنة الماضية، وينذر بعودتها مجددا، رغم شعار المصالحة الوطنية الذي رفعه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بعد توليه الحكم في أبريل 1999، وإصداره قانون الوئام المدني. هذا التصعيد الخطير في الوضعية الأمنية يأتي شهرا بعد مقتل زعيم الجماعة الإسلامية المسلحة عنتر زوابري الذي قتل في فبراير المنصرم وخلف مقتله تساؤلات عديدة حول ظروف ودوافع مقتله، وعلاقة ذلك بالمؤسسة العسكرية الحاكم الفعلي في الجزائر، وما إذا كان زوابري قد دفع حياته ثمنا لصراع أجنحة الجيش، خصوصا وأنه قتل في ظروف كان يمكن فيها اعتقاله والاعتماد على اعترافاته في القضاء على جيوب العنف، الأمر الذي أكد أن قتل زوابري كان بدافع طمس حقائق الأوضاع الأمني ويظهر أن الجماعة الإسلامية المسلحة اتبعت تكتيكا جديدا بعد مقتل زعيمها الذي هو السابع في سلسلة زعمائها الذين لقوا مصرعهم منذ اندلاع أعمال العنف في 1992، فقد امتنعت حتى اليوم عن الإعلان عن اسم زعيمها الجديد، خلافا للمرات السابقة حيث كان يتم تسمية خليفة الزعيم المغتال عقب مقتله، وهو ما قد يوحي بأن الجماعة تسعى إلى تطوير بنيتها العسكرية وتصعيد عملياتها المسلحة. ثورة القبايل المستمرة موازاة مع عودة العمليات المسلحة في جميع أنحاء الجزائر، اتجهت منطقة شرق الجزائر نحو الاشتعال مجددا، خصوصا في تيزي وزو وبجاية معقل الحركات الأمازيغية المتشددة، حيث اندلعت في الأسبوع الماضي مواجهات بين شباب المنطقة ورجال الأمن خلفت مقتل وجرح عدد من الأشخاص من الجانبين، وقد رفع المتظاهرون شعارات مضادة للسطة المركزية في العاصمة وداعية إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة التي ينتظر إجراؤها في 30 ماي القادم، وهذا علي الرغم من إعلان بوتفليقة في 12 مارس الماضي في خطاب عام جعل الأمازيغية لغة وطنية وتعويض عائدات ضحايا المواجهات في المنطقة التي اندلعت في السنة الماضية. ومنذ دعوة منطقة القبايل ممثلة فيما يدعى ب>ممثلي العروش< المتشكل من مندوبي القرى والبلدات في شرق الجزائر إلى مقاطعة الانتخابات، أصبحت الجزائر أمام أزمتين مشتعلتين، وقد بذل النظام الجزائري جهودا للتهدئة لكن المواجهات في المنطقة استمرت في التصاعد، وتم منع رجال الأمن والدرك من دخولها، مما فتح جبهة جديدة أمام الجيش باعتباره رمزا للسيادة في الجزائر، الأمر الذي أقنع المؤسسة العسكرية في الأخير بضرورة التنازل اتجاه جزء من مطالب سكان المنطقة، ودفع بوتفليقة إلى القاء خطابه المذكور الذي اعترف فيه بوطنية اللهجة الأمازيغية. غير أن هذا الاعتراف لا يعتبر كافيا بالنسبة لممثلي العروش، فالمطلب الرئيسي لهؤلاء هو الاعتراف الدستوري بالأمازيغية، وتوزيع الثروات بما يجعل سكان المنطقة يستفيدون منها، والقضاء على سياسة المحاور القبلية داخل أروقة السلطة والجيش، إذ إن أغلب النافذين في الحكم ينحدرون من الغرب والوسط. وبالنظر إلى استمرار عدم تلبية هذه المطالب، تبقى الأوضاع في منطقة القبايل مرشحة للانفجار، خاصة إذا استمرت الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات خلال الشهرين المتبقيين عنها. انتخابات تحت القصف النظام الجزائري يحاول الآن تعبيد الطريق أمام الانتخابات المقبلة لتجرى في ظل وحدة وطنية وإجماع وطني على ثوابت السياسة التي أرساها بوتفليقة حتى اليوم، وأهمها المصالحة الوطنية والوئام المدني، وهما الثابتان اللذان ظلا بعد أربع سنوات من حكمه دونما سند واقعي يؤكدهما عمليا. فقد جدد بوتفليقة في ثامن مارس الجاري عزمه القضاء على "الإرهاب" أينما كان، لكن تجديد هذه الإشارة لم يكن وراءها سوى التأكيد على أن النظام لم يغيب هذه القضية من أولوياته، لأن السنوات الأربع المنقضية أثبتت فشله على هذا الصعيد، والشعب الجزائري الذي طحنته أعمال العنف والقتل والانفجارات والرعب اليومي لا يكفي لإقناعه بالأمن ترويج صورة جثة عنتر زاوبري أمام كاميرا التلفزة وعدسات التصوير في الصحف، فعشر سنوات من معايشة القتل وانعدام الأمن جعلت الجزائريين مقتنعين بأن أسباب العنف تتعدى شخصا كزوابري أو تنظيما مسلحا كالجبهة الإسلامية المسلحة. إدريس الكنبوري