تستعد الجزائر لخوض الانتخابات التشريعية في 30 ماي الجاري، وذلك على إيقاع أعمال العنف والقتل المتواصلة، والتي تزايدت حدتها في الفترة الأخيرة فيما يبدو أنه يستهدف تبليغ رسالة سياسية من أصحابها في مناسبة الانتخابات، فقد شهدت الأسبوع الماضي تناميا في وتيرة العنف والمواجهات، وحيث انفجرت قنبلة يوم الأربعاء قبل الماضية في سوق أسبوعي بتزمالت في منطقة بجاية شرق الجزائر العاصمة، مخلفة مقتل سبعة أشخاص وإصابة خمسة عشر آخرين، وقتل ثلاثة أفراد من الأمن الجزائري. في وقت لاحق بمنطقة براقيجنوب شرق العاصمة، لينضافوا إلى اثنين من جهاز الأمن لقوا حتفهم قبل ذلك بأربع وعشرين ساعة فقط، في دالي إبراهيم بالضاحية الجنوبيةالغربية العاصمة الجزائر، وكان شرطي جزائري قد لقي مصرعه قبل ذلك من طرف مجموعة مسلحة في مدينة برج الكيفان في الضاحية الشرقية للجزائر يوم 26 أبريل المنصرم، الأمر الذي جعل الصحافة الجزائرية تبدي مخاوفها من عودة موجة الاعتداءات ذات الأهداف المحددة التي تستهدف العاصمة. غليان في منطقة القبايل وقد جاءت هذه الأحداث الأخيرة التي تنذر بعودة مجددة لموجة العنف الدموي في الجزائر، في ظروف الغليان العام الذي تعيشه منطقة القبايل، حيث يتركز السكان البربر، والمتواصل منذ عدة أشهر، منذ أن اندلعت المواجهات الدامية في العام الماضي وخلفت قتلى وجرحى وسط سكان المنطقة في مواجهاتهم مع رجال الأمن الجزائري. هذا الغليان المتواصل في المنطقة ألقى بظلاله على التحضير الرسمي للانتخابات التشريعية المقبلة، إذ قررت "تنسيق العروش" التي تجمع مندوبي قرى ومناطق القبائل، مقاطعة هذه الانتخابات، وبالتالي مقاطعة النظام الجزائري الذي يحرص على إنجاحها، فتنسيقية العروض وضعت لائحة بمطالبها وجهتها إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، من ضمنها تقديم تعويضات لضحايا أحداث >ربيع 2001< واعطاؤهم صفة الشهداء، وإلغاء المتابعات القضائية ضد المتظاهرين المعتقلين في تلك الأحداث وإطلاق سراحهم، وإجبارية الاعتراف العلني من قبل الدولة بمسؤوليتها عن تلك الأحداث، ومحاكمة الفاعلين، والترحيل الفوري لكل رجال الأمن والدرك وأعوان وحدات الأمن الجمهوري من المنطقة، وحل لجان التحقيق المشكلة من طرف السلطة، وتكوين لجنة مستقلة تشكل من شخصيات مستقلة تتعاطف مع ضحايا المظاهرات، والاستجابة لكل مطالب الحركة الأمازيغية الجزائرية ومن جملتها الاعتراف بكونها لغة وطنية ورسمية دون اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي، والإقرار الدستوري والمؤسساتي بها، وإعطاء العناية للمنطقة لتحقيق التنمية والانتعاش الاقتصادي. غير أن النظام الجزائري لم يستجب لجل هذه المطالب لصعوبتها على أمنه وتوازناته الداخلية، السياسية على الخصوص، ومن تم دخلت العلاقة بين سكان المنطقة وبينه حدود القطعية لتصبح المنطقة اليوم شبه معزولة عن الحركية السياسية في البلاد. إذ لم تشهد مدن وقرى المنطقة أي نشاط انتخابي للمرشحين الذين يجوبون المدن والأقاليم والولايات الجزائرية للتعريف ببرامجهم، ولم يتجرأ أي مرشح على الاقتراب من المنطقة التي تشهد حالة من النفور من النظام والانتخابات، ودعا مندوبو العروش السكان إلى عدم التصويت لصالح أي من الأحزاب المتنافسة، وورغم أن بعض الأفراد المنحدرين من المنطقة قدموا ترشيحاتهم في قوائم الأحزاب التي ينتمون إليها في مدن القبايل، إلا أنهم سحبوا ترشيحاتهم تحت ضغوط السكان وتنسيقية العروش، وتوعدت هذه الأخيرة بمنع الانتخابات والأنشطة المواكبة لها في داخل المنطقة، وذلك >بكل الوسائل الممكنة<. ولم تؤد محاولات الرئيس الجزائري بوتفليقة لتهدئة الوضع إلى رفع حالة الغليان والعصيان ضد السلطة المركزية، رغم التنازلات التي قدمها لسكان المنطقة أبرزها سحب قوات الأمن والدرك والإعلان عن إجراء استفتاء شعبي حول الاعتراف الدستوري بالأمازيغية، غير أن ذلك لم يؤد إلى إزالة حالة الاحتقان في المنطقة، وربما يكون شعور بوتفليقة بصعوبة الوضع هو ما أدى به إلى التراجع عن قراره بإجراء استفتاء لدسترة الأمازيغية يوم 12 مارس الماضي، من جهة لأن تنسيقية العروض ترفض مثل هذا الاستفتاء بشأن قضية تعتبرها غير قابلة للتوظيف السياسي، ومن جهة ثانية لأن دسترة الأمازيغية إن هو إلا جزء من عشرات المطالب التي يرفض بوتفليقة التجاوب معها. انتخابات منقوصة وفي عملية غير مسبوقة في هذه المواجهات بين النظام ومنطقة القبايل، تعرض موكب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يوم السبت الماضي لوابل من الحجارة من قبل مجموعات من الطلبة المنحدرين من المنطقة والتابعين لحركة العروش، وذلك أثناء توجه بوتفليقة إلى إحدى الجامعات بالعاصمة لتدشين مكتبة وقاعة للمحاضرات، وأصيب عدد من المسؤولين في الحكومة الجزائرية، بينما حالت السيارة المصفحة دون إصابة بوتفليقة. وتدل حالة الاحتقان المستمرة بين منطقة القبايل والنظام الجزائري على أن الانتخابات التي توجب على مبعدة أقل من أسبوعين أن تضع حدا لها، فحركة العروش تقول بأن النظام مهتم فقط بنجاح العملية الانتخابية، وغير معني بأحوال المنطقة، ومن تم فإن الحركة تؤكد أن الانتخابات التي نزل فيها النظام بكل ثقله لا تعني سكان القبايل. وتشغل مقاطعة سكان المنطقة للانتخابات أول اختبار قوي من هذا الحجم لبوتفليقة خلال ولايته منذ 1999، تاريخ آخر انتخابات رئاسية حملته إلى الحكم على ظهر المؤسسة العسكرية السيطرة على دفة الأمور في البلاد، فالمقاطعة هي بمثابة التشكيك في مصداقية السلطة وشرعية الحكم، وهو ما يجعل هذه الانتخابات انتخابات منقوصة الشرعية وإن حاول النظام تلميع صورته. فقد أعلنت جبهة القوى الاشتراكية التي يقودها الحسين آيت أحمد، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي يرأسه العلماني البربري سعيد سعدي، على مقاطعتهما للانتخابات، باعتبارهما حزبين يستمدان قوتهما من منطقة القبايل، وأعلنا أن هذه الانتخابات لن تحمل الحل ولكنها ستعمل على تمديد عمر النظام، وهو ما ينذر بدخول الجزائر أزمة سياسية جديدة تضاف إلى الأزمات التي راكمها العهد الحالي. إدريس الكنبوري