على بعد شهرين تقريبا من الانتخابات العامة ، المقرر إجراؤها في أبريل المقبل, تستعد الطبقة السياسية, في جو محموم, لخوض غمار هذه الاستحقاقات الأكثر حساسية في تاريخ إفريقيا الجنوبية ما بعد الأبارتيد, موزعة ما بين الشك في إمكانية الاحتفاظ بتاريخ الانتخابات, والمخاوف من سياق إجرائها أصلا. فقد بات من المؤكد ، منذ أن نشر الخبر في الجريدة الرسمية للبلاد, أن تاريخ إجراء الانتخابات العامة المقبلة ، سيكون يوم الأربعاء22 أبريل المقبل, مثلما أعلن عن ذلك الرئيس خاليما موتلانتي، يوم11 فبراير الجاري, أي بعد يومين من تقديم طعن قضائي إلى إحدى محاكم العاصمة بريتوريا يطالب بتأجيل موعد الانتخابات, بما يسمح للمواطنين الجنوب إفريقيين المقيمين بالخارج من التصويت. وقضت المحكمة العليا لبريتوريا ، بناءا على هذا الطعن, الذي قدمته إحدى الأحزاب الصغرى من المعارضة يضم في غالبيته بالأساس أعضاء من الأفريكانير, بحق هذه الفئة من المواطنين في التصويت ، وسلمت قرارها القضائي للمحكمة الدستورية من أجل المصادقة. وإذا كان رد المحكمة الدستورية في هذه النازلة, الذي سيعلن عنه ما بين4 و6 مارس المقبل, لا يتضمن ما يفيد بتغيير تاريخ إجراء الانتخابات أصلا, إلا أنه قد يطالب اللجنة المستقلة للانتخابات باتخاذ ما يلزمها من تدابير لتأمين حق ما يزيد عن مليون مغترب في ممارسة حقه في التصويت. وبصرف النظر عن الاعتبارات القضائية الملازمة لهذه الانتخابات العامة الرابعة في تاريخ جنوب إفريقيا الديمقراطية, من المؤكد أن الاستحقاقات القادمة ، والأكثر حساسية ، باتت تدور رحاها في جو مشحون بالتوترات, لاسيما بالنسبة ل«المؤتمر الوطني الإفريقي » (الحزب الحاكم ) منذ أولى الانتخابات المتعددة الأعراق سنة1994 , والذي أضحى مهددا, للمرة الأولى, بفقد سيطرته شبه المطلقة على المشهد السياسي منذ أن قرر, خلال شتنبر الماضي, إقالة الرئيس الأسبق ، طابو مبيكي ، من رئاسة البلاد على بعد تسعة أشهر بالكاد من نهاية ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة. فقد غدا إحداث «حزب مؤتمر الشعب», منتصف شهر دجنبر الماضي, من طرف وزراء ومسؤولين سامين ممن يشهدون بولائهم لطابو مبيكي, يستولي على اهتمام المراقبين الذين, وإن كانوا لا يعتقدون بقدرة الحزب الوليد على إحراز نصر كاسح ومكين خلال الانتخابات المقبلة, إلا أنهم واثقون من قدرته على إحداث شرخ عميق فيما يشبه نظام الحزب الوحيد بالبلاد منذ أن أصبح «المؤتمر الوطني الإفريقي» يهيمن على ثلثي مقاعد البرلمان. يذكر أن تسعة مناضلين من «المؤتمر الوطني الإفريقي» أصيبوا بجروح جراء أعمال عنف ، خلال لقاء انتخابي جرى مؤخرا ببلدة نونغوما ، بإقليم كوازولو ناطال (شرق), اضطرت على إثره عناصر الجيش إلى التدخل من أجل تفريق مناضلين من الحزب الحاكم ، وأنصار من«حزب الحرية ""إنكاطا"", ثاني أحزاب المعارضة الذي كان, إلى عهد غير بعيد, يهيمن على الحكم في هذا الإقليم. وشهد هذا الإقليم, الذي يعد أيضا موطن رئيس الحزب الحاكم ، جاكوب زوما ، المرشح الأوفر حظا للظفر برئاسة البلاد خلال الانتخابات المقبلة المزمع عقدها في أبريل المقبل, عددا من أعمال العنف المتفرقة خلال الأيام القلية الماضية. ويعود التوتر في العلاقة ما بين الحزبين إلى حقبة الأبارتيد ، حينما دخلا في مواجهات دامية من أجل السيطرة على إقليم كوازولو ناطال ، أدت خلالها أعمال العنف, التي تواصلت إلى غاية سقوط نظام الميز العنصري سنة1994 , إلى مقتل الآلاف من منتسبي كلا التنظيمين. وإذا صح أن تجدد أعمال عنف من هذا النوع ما عاد لها من مبرر, بعد مضي15 عاما على سقوط نظام الميز العنصري, فمن المهم التشديد في هذا السياق على أن الانتخابات العامة المقبلة تكتسي أهمية بالغة, علما بأن23 مليون ناخب باتوا مدعوين إلى الإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات.