هناك أحداث ومواقف مقلقة تجري في المغرب تستدعي تفعيل الحاسة النقدية السياسية بصددها لأجل فهم السنن الجديدة / القديمة التي تحكم الفعل السياسي في المغرب. وهي أحداث ليست عابرة ولا شاذة حتى يغفلها المراقب والراصد للمشهد السياسي بالمغرب. ولكنها مواقف تكاد تصل إلى حد التواتر من حيث اطرادها، بل من كثرة وقوعها أصبحت علامات دالة ومؤشرات ناطقة على تناقض الخطاب والممارسة في واقع السياسة في المغرب.فالخطاب السياسي الذي تحمله النخب اليوم، حاكمة أو متنفذة أو حزبية أو مدنية، يركز بشكل كبير على مقولات من قبيل العهد الجديد، والمشروع الديمقراطي الحداثي، والحكامة الجيدة، والتدبير الديمقراطي، وغيرها من المفردات التي تحيل على منظومة متكاملة في التدبير السياسي تتأسس قيمها ومسلكياتها على الديمقراطية. لكن، الممارسة من خلال الأحداث المقلقة التي تجري، والمواقف الغريبة التي تتخذ، لا تؤشر فقط على وجود ضبابية في المسار أو تردد في القرار والاختيار، ولكنها أصبحت اليوم من فرط اطرادها دليلا على عودة نفس العقلية التقليدية البائدة التي كانت تحكم السياسة في المغرب. عقلية السوبرمان التي تحكمها ثلاثة ثوابت جوهرية لا تتغير وهي: نيل وضعية الاستثناء القانوني، التمتع بوضعية فوق القانون ، والاستثمار للقانون من خارج القانون. وهي حين النظر ثوابت مترابطة بعضها يفضي إلى بعض، وتجتمع كلها في ثابت واحد، هو نيل وضعية السوبرمان الذي يفعل ما يريد، بما شاء وكيف شاء، بالقانون، وضد القانون، وفوق القانون، وهي الوضعية التي ارتبطت في المغرب بظاهرة الحزب الأغلبي الذي يختلق أصلا للفوز في الانتخابات والتحكم في الخريطة الانتخابية والسياسية وتأمين المصالح الحيوية للنخب المتنفذة، وهي الوضعية اليوم التي يتمتع بها حزب الأصالة والمعاصرة، وبعض الأحزاب التي تمارس السياسة من خلاله أو بتوجيه منه، أو بإسناد منه. ويمكن أن نقف على العديد من الأحداث والمواقف التي تندرج ضمن الثوابت الثلاثة التي أومأنا إليها وتؤشرعلى العطب الرئيس الذي ألم بالسياسة في المغرب: 1 وضعية الاستثناء القانوني والسياسي: ولعل أبرز مثال يمكن أن نسوقه على الاستثناء القانوني التعاطي مع المادة 5 من القانون الأحزاب المتعلقة بالرحل، إذ رغم الجدل الحاد في الموضوع، ورغم أن ظاهرة الرحل عرفت أوجها مع مجيء ''البام'' ، إلا أن وزارة الداخلية، بدلا من أن تنتظر أحكام القضاء من مختلف المحاكم الإدارية في المغرب، اعتمدت حكما لإحدى المحكام الإدارية، وأقفلت تحت الضغط السياسي الموضوع، كما ولو أن ظاهرة الرحل، مثلها مثل البلقنة، لا تهدد المشهد السياسي ولا تندرج ضمن الأمراض السياسية التي تعطب السياسة في المغرب. وقريب من الاستثناء القانوني، صنوه الاستثناء السياسي، إذ يتمن التعاطي مع ضغوط ''البام'' وحده بالجدية اللازمة، في حين توجه بلاغات نارية إلى أحزاب أخرى امتلكت الحد الأدنى من الجرأة للدفاع عن نفسها. ففي الضجة التي افتعلها ''البام'' ضد والي مراكش، تفاعلت الداخلية إيجابا مع مطالب ''البام'' ونفذتها على عجل، في حين تعاملت الداخلية بقسوة مع حزب العدالة والتنمية في العديد من الأحداث لمجر أنه أبدى رأيه، وفي بعض الأحيان، صدرت بلاغات تستند على قصاصات خبرية غير دقيقة دون أن تلزم الداخلية نفسها التحقق في الموضوع (مثال الدعم لإحدى الجمعيات لإقامة مهرجان بالقصر الكبير). 2 التمتع بوضعية فوق القانون: وهي الوضعية الاعتبارية الرمزية التي يوظفها بعض رموز ''البام'' من أجل التدخل ل''حل'' المشكلات السياسية والاجتماعية ( حل مشكلة اعتصام أصحاب الشواهد أمام البرلمان، إضراب قطاع النقل ) والإعلامية (تقوية موقع مسؤولة قسم الأخبار ودعمها والتدخل لحل مشاكلها وصارعاتها مع الصحافيين) وأحيانا يتتعدى هذه الوضعية مسألة التدخل لحل المشاكل، إلى الضغط السياسي على الإدارة والأحزاب من أجل منع سيناريوهات والتمكين لسيناريهات مقابلة (التحالفات لتشكيل مكاتب المجالس الجماعية ومجالس الأقاليم والعمالات والجهات). 3 الاستثمار للقانون من خارج القانون: ويمكن أن نستدل على ذلك بمؤشرين جديدين يؤشران على وجود عقلية السربرمان في تدبير الشأن السياسي: - جمعية تابعة ل''البام'' تحظى بأعلى نسبة دعم حكومي، ففي تقرير ميزانية 2010 لوزراة الشبيبة والرياضة، نالت الجمعية التابعة ل''البام'' أعلى دعم مالي من قبل الوزارة ضمن المنح التي أعطيت للمنظمات الشبابية والحزبية والنقابية ب 50 مليون درهم، في حين لم تنل بعض المنظمات النشطة خمس ما أعطي لهذه الجمعية مع العلم أن ''البام'' لحد الساعة لا يملك أي منظمة شبابية، ولم يعلن عن أي منظمة نقابية. - أن ''البام'' ضغط على الوزير الأول لكي يمكنه من دعم مالي من أجل أن يحضر شباب ''البام'' في الفدرالية العالمية للمنظمات الشبابية الديمقراطية التي تنظم مؤتمرها في جوهانسبورغ ما بين 2113 دجنبر الجاري، مع العلم أن البام لحد الساعة لم يعلن عن أي منظمة شبابية، وليس مشاركا بأي صفة من الصفات في هذه الفدرالية العالمية، لكن عقلية السوبرمان التي تحكم السياسة في المغرب جعلت الوزير الأول يوقع لهذا الحزب على دعم ل 20 شابا من ''البام'' يحضرون هذا المهرجان على نفقة الدولة، بل إن الوزير الأول سبق له أن رفض طلبا قدمه حزب التجتمع الوطني للأحرار، لكنه استجاب ومنح 10 مقاعد لهذا الحزب و10 للحركة الشعبية، ضدا على المساطر القانونية، لأن الأمر يتعلق بإسناد من ''البام''الذي يملك أن يتصرف ويأخذ ويعطي خارج القانون لنفسه ولكل من يريد أن يمارس السياسة من خلاله أو بإسناد وتوجيه منه. هذه بعض المؤشرات الظاهرة، ومؤكد أنه لو تم كشف حقائق بعض الأحداث الكبرى، وفي مقدمتها المسؤولية عن تفجير الصراع السياسي والحزبي في الأقاليم الجنوبية، والتضييق على الإعلام من أجل التحكم فيه، وغيرها من القضايا الأخرى، لتم تأكيد نفس النتيجة، وهو ما يجعل السياسة في المغرب مهددة بالسكتة القلبية ما لم تنهض الأحزاب السياسية لمواجهة هذا الوضع بكل جرأة والتحذير من مآلاته الخطيرة على مستقبل الديمقراطية والاستقرار السياسي والاجتماعي في المغرب، والضغط من أجل أن تعطى لمقولات الديمقراطية والعهد الجديد للسلطة والحكامة الجيدة مدلولها السياسي الحقيقي بعيدا عن ثقافة الهيمنة والاستفراد وعلقية السوبرمان.