من موجبات الاغتسال: انقطاع دم الحيض والنفاس، وقد سبق التفصيل في هذين في نواقض الوضوء ومعهما ما يتعلق بالاستحاضة، وسنركز هنا فقط على ما يتعلق بواجب الاغتسال وبعض خصوصياته وما يتعلق بالوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال، قال الله تعالى في سورة البقرة:'' وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) قال ابن العربي في أحكامه تعليقا على هذه الآية '' جُمْلَةُ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ الْحَيْضُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ خَمْسَةٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِهِ الطَّهَارَةُ. الثَّانِي: دُخُولُ الْمَسْجِدِ. الثَّالِثُ: الصَّوْمُ. الرَّابِعُ: الْوَطْءُ. الْخَامِسُ: إيقَاعُ الطَّلَاقِ.'' وقال بخصوص معنى اعتزال النساء في المحيض وما يجوز فعله أثناء فترة الحيض وما يباح من المباشرة والتمتع:'' وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ فَهُوَ الصَّحِيحُ، وَدَلِيلُهُ {قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَوَابِ السَّائِلِ عَمَّا يَحِلُّ مِنْ الْحَائِضِ. فَقَالَ: لِتَشُدَّ عَلَيْهَا إزَارَهَا ثُمَّ شَأْنُهُ بِأَعْلَاهَا}. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْفَرْجُ خَاصَّةً فَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ: {افْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ}.'' وقال:'' فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ، أَيْ فِي مَكَانِ الْحَيْضِ، وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ فِيهِ'' وقَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ}: ''حَتَّى بِمَعْنَى الْغَايَةِ، وَهُوَ انْتِهَاءُ الشَّيْءِ وَتَمَامُهُ (...) مَعْنَاهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهُنَّ (...) فَإِذَا تَطَهَّرْنَ، مَعْنَاهُ فَإِذَا اغْتَسَلْنَ بِالْمَاءِ (ف) تَعَلَّقَ الْحُكْمُ عَلَى شَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: انْقِطَاعُ الدَّمِ. الثَّانِي: الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ. '' ثم قال في قوله تعالى:'' {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} فَمَدَحَهُنَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِنَّ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ انْقِطَاعَ الدَّمِ مَا كَانَ فِيهِ مَدْحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِنَّ'' وأقول: يصدق أيضا على الرجال الذين يصبرون حتى تتطهر أزواجهم ولا يستعجلون إتيانهن بمجرد انقطاع الدم والله أعلم. وَقد سُئِلَ ابن تيمية رحمه الله تعالى عن امرأة نُفَسَاء لم تغتسل:هل يجوز وطؤها قبل الغسل أم لا؟ فأجاب: لا يجوز وطء الحائض والنفساء حتى يغتسلا، فإن عدمتا الماء أو خافتا الضرر باستعمالهما الماء لمرض أو برد شديد تتيمما، وتوطأ بعد ذلك، هذا مذهب جماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد. وقد دل على ذلك القرآن بقوله تعالى:{وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ} (البقرة: 222)، أي ينقطع الدم، فإذا تطهرن: أي اغتسلن بالماء. كما قال : {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} (المائدة: 6)، وقد روي ما يدل على ذلك عن أكابر الصحابة كعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي موسى وغيرهم ''وتجدر الإشارة إلى بعض خصوصيات غسل الحيض والنفاس عن غسل الجنابة، من ذلك ضرورة نقض المرأة لضفيرتها بخلاف الغسل من الجنابة، جاء في الموطأ: عن مالك أنه بلغه أن عائشة سئلت عن غسل المرأة من الجنابة فقالت لتحفن (تأخذ الماء بملء كفيها)على رأسها ثلاث حفنات من الماء ولتضغث (لتفرك ) رأسها بيديها'' قال الباجي في المنتقى:'' سُؤَالُهَا عَنْ غُسْلِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْجَنَابَةِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُتَكَرِّرٌ وَلَيْسَ عَلَيْهَا نَقْضُ رَأْسِهَا وَأَمَّا الْحَيْضُ فَقَلِيلٌ وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ نَقْضِ رَأْسِهَا (...) وَتَضْغَثَهَا بِيَدِهَا لِيُدَاخِلَهُ الْمَاءُ وَيَصِلُ إِلَى بَشَرَةِ الرَّأْسِ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي الْغُسْلِ اسْتِيعَابُ الْبَشَرَةِ بِالْغُسْلِ'' ويؤيد اختلاف غسل رأس المرأة بين الجنابة والحيض ما في صحيح مسلم بسنده عن أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله: إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة قال لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين'' وأما ما ورد من رواية فيها زيادة ''أفأنقضه للحيضة والجنابة'' فقال فيه ابن القيم والألباني:غير محفوظة، وذكر الحيضة شاذ لا يثبت. وأما بخصوص الحيض والتي يستحب فيه نقض الضفيرة، فقد جاء في صحيح البخاري بسنده عن عروة أن عائشة قالت: أهللت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فكنت ممن تمتع ولم يسق الهدي، فزعمت أنها حاضت ولم تطهر حتى دخلت ليلة عرفة، فقالت: يا رسول الله هذه ليلة عرفة، وإنما كنت تمتعت بعمرة. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم انقضي رأسك (حلي ضفره) وامتشطي وأمسكي عن عمرتك ففعلت..'' إلى آخر الحديث. ويقوى الاستحباب مع كثافة الشعر وعدم الاطمئنان إلى بلوغ الماء أصول الشعر، واستحضار أن المرأة في الحيض قد تلبث ليال ذوات العدد من غير اغتسال، بحيث لا يكون دافع الاغتسال من جنابة الجماع والذي قد يكون متتابعا. وأمر آخر يستحب في اغتسال الحائض والنفساء، وهو ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة ''أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال: خذي فرصة (القطعة من القطن أو الصوف) من مسك فتطهري بها، قالت: كيف أتطهر قال تطهري بها قالت كيف قال سبحان الله تطهري فاجتبذتها إلي فقلت تتبعي بها أثر الدم''