ثمة إجماع بين المحللين والباحثين على أن أحداث مدينة العيون ليوم 8 نونبر المنصرم، تشكل لحظة فارقة في مسار النزاع حول مغربية الصحراء. ذلك أن نتائج الأحداث كشفت بحسب البشير ادخيل، طبيب وأحد مؤسسي جبهة البوليساريو، عن فشل كلي للسياسة العامة في جهة الصحراء، وهي الخلاصة نفسها التي أكدها عبد الصمد بلكبير. صحيح أن المغرب- يقول ادخيل- حقق منجزات تنموية هامة، لأن اسبانيا لم تترك شيئا، إلا أنه فشل، أي المغرب، في كسب قلوب الناس. بدأ نصب خيام مخيم ''اكديم إزيك'' في بداية أكتوبر الماضي، واستمرت منصوبة حتى وقوع الأحداث الدامية يوم الاثنين الأسود. لكن عبد الله نجامي يقول إن محاولة أخرى لنصب الخيام حصلت في غشت الماضي، حيث أقام مواطنون صحراويون نحو 27 خيمة على الطريق الرابطة بين مدينتي العيون والسمارة، ثم تفككت بعد حصول المحتجين على وعود بالاستجابة لمطالبهم. هذه الرواية تؤكد أن خلفيات مخيم اكديم إزيك كانت اجتماعية صرفة، وهي ما تحرص رواية الدولة على تأكيدها، حيث أكد وزير الداخلية الطيب الشرقاوي في الندوة المشتركة بينه وبين وزير الخارجية يوم 15 نونبر على أن مطالب المحتجين في ''إكديم إزيك'' في بدايتها كانت اجتماعية. لكن ما الذي حصل حتى انتهى المخيم إلى ما انتهى إليه؟ بعض الجواب في كلمة نجامي الذي قال إن وراء لجنة الحوار التي كانت تحاور السلطات المحلية ومسؤولي وزارة الداخلية حول المطالب الاجتماعية للمحتجين في المخيم، كانت هناك لجنة أخرى هي ما يسمى ''تنسيقية المخيم'' أعضاءها وكيف تسيّر المخيم غير واضحة. وتفيد رواية وزارة الداخلية للأحداث أنه في لحظة ما حصل توجيه المخيم لخدمة أجندة خارجية، ذلك أنه عند كل اتفاق يتم التواصل فيه إلى الاستجابة إلى المطالب الاجتماعية كما تعبر عنها لجنة الحوار، تعود وتتنصل منها، وبإخلالها بالمسؤولية والالتزام مع السلطات في التوصل إلى حل، يكون تحوير ما هو اجتماعي إلى ما هو سياسي قد تأكد، لكنه ظل غير معلن، وتلك بداية ما حصل يوم الاثنين الأسود. لقد كشفت أحداث العيون عن خلاصات خطيرة، يبرز الدخيل ذلك بالقول إن ساكنة الصحراء عبارة عن ''موزاييك''، تشكل عبر عقود من صحراويين أصليين، ومن موريتانيين وافدين، وأيضا من مواطنيين جاؤوا من مختلف المدن المغربية، ومجهود الدولة اكتفى بتطوير البنيات والإعمار، دون أن يبذل جهدا في بناء ''المواطنة'' بين هؤلاء. ضعف المواطنة هذا هو ما تفجر يوم 8 نونبر، وشكل دليلا قاطعا على أن الدولة فشلت في سياستها العمومية التي وصفها الدخيل ب''سياسة الكارطية'' تجاه جهة الصحراء. وهو المنحى الذي ذهبت فيه مداخلة نجامي حول هذه النقطة، فهذا الأخير يؤكد أن سياسة الدولة في الصحراء تشجع القبلية والأعيان، وتضايق على الأحزاب والجمعيات، وما وقع يوم الاثنين الأسود بحسب تقديره يعني أنها سياسة قد فشلت، فالأعيان والشيوخ تأكد أن دورهم محدود جدا في الوصول إلى حل حاسم في المخيم، بل يؤكد أن حتى هيبتهم وتأثيرهم تراجع. بمعنى يقول نجامي إن سياسة ''شراء المواطنة'' التي هي ''أخطر شيء يقع في الصحراء'' انتهت إلى الفشل، وبذلك يكون العنف المتفجر في تلك الأحداث، قد أحدث شرخا بين ساكنة الصحراء وجب -حسب نجامي- التدخل بجدية ومن خلال نقاش وطني لتقوية الجبهة الداخلية. ويذهب مصطفى الخلفي أبعد من ذلك، حيث أبرز أن أحداث مخيم ''إكديم إزيك'' تداخلت فيها ثلاثة عناصر أدت إلى أحداث التخريب والقتل، بشكل لم يقع مثله من قبل، أولها نقل الصراع السياسي بين حزبين، هما الأصالة والمعاصرة والاستقلال، من مستواه المركزي إلى مستواه المحلي. وثانيها، أن المخيم الذي رفع في بدايته مطالب اجتماعية، تحول إلى فضاء لتفجير التناقضات القبلية في المنطقة، وهو ما تجلى في تحركات بعض أعيان قبيلة إزركّيين، هاته القبائل تشتكي من التهميش السياسي والتمثيلي. ثالثها استغلال ملف العائدين الذي وصل عددهم في سنة 2010 وحدها إلى أزيد من 1650 عائد، وكذا التدبير غير المتوازن لهذا الملف. لكن ماذا لو أن المخيم نجح؟ يقول الدخيل إن المخيم في حقيقته السياسية كان استفتاء على مغربية الصحراء، ولو أنه نجح في تحقيق الرهانات التي كانت تخطط لها الجهات الرسمية، لكان ذلك ضربة حقيقية وحاسمة للبوليساريو والجزائر، أما أنه قد فشل، وأدى ذلك إلى اندلاع العنف، فإن نتائجه تكون قد أرجعت المغرب 40 سنة إلى الوراء. أما عبد الصمد بلكبير فله وجهة نظر مغايرة، حول طريقة تدبير المخيم وطريقة تدبير نتائجه، خاصة وأن المغرب حرص على أن يواجه تلك الأحداث سلميا، ودون أن تطلق رصاصة واحدة، واعتبر أن التدبير التقني للمخيم من لدن السلطات تعبر عن دهاء أمني مخابراتي، لكن الاستراتيجية المنتهجة هي المشكل، وراءها أقلية تحتكر القرار كما تحتكر الثروة، ولا تأخذ قضية الصحراء كقضية وطنية، وتبين من خلال توصية البرلمان الأوربي، والسياسة الامبريالية تجاه المنطقة ككل، أن الحاجة أكيدة لتغيير الاستراتيجية وتغيير التحالفات.