من السنن التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء عند النوم ولو لمن كان جنبا، روى البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به. قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال لا ونبيك الذي أرسلت'' وعند ابن ماجة بسنده وغيره وصححه الألباني عن أبي سعيد الخدري ''أنه كان تصيبه الجنابة بالليل فيريد أن ينام فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ ثم ينام'' وفي موطأ مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول:'' إذا أصاب أحدكم المرأة ثم أراد أن ينام قبل أن يغتسل فلا ينم حتى يتوضأ وضوءه للصلاة'' ونقل عن المازري في تعليله لهذا الإرشاد بالوضوء بعد الجنابة فقال: ليبيت على إحدى الطهارتين خشية الموت في النوم، وقيل لعله ينشطه إلى الغسل إذا مس الماء أعضاءه، وأرى أفضل من هذا التوجيه الأخير أنه من بين المقاصد تجديد النشاط الجنسي لمن أراد أن يعاود الجماع، ففي صحيح مسلم وغيره بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ'' وعند مالك في موطئه بسنده عن عبد الله بن عمر أنه قال:'' ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يصيبه جنابة من الليل فقال له رسول الله توضأ واغسل ذكرك ثم نم'' وجاء في مسند أحمد عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يتوضأ إذا جامع وإذا أراد أن يرجع '' ومما توضأ له النبي صلى الله عليه وسلم: الدعاء، روى البخاري بسنده عن أبي موسى رضي الله عنه قال:'' لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين، بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه. قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر فرمي أبو عامر في ركبته، رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه، فقلت: يا عم، من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى، فقال: ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له فلحقته، فلما رآني ولى فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحيي، ألا تثبت، فكف. فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته. ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك. قال: فانزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء، قال يا ابن أخي أقرئ النبي صلى الله عليه وسلم السلام، وقل له: استغفر لي، واستخلفني أبو عامر على الناس. فمكث يسيرا ثم مات، فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مرمل وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقال: قل له استغفر لي فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ورأيت بياض إبطيه، ثم قال: اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس، فقلت: ولي فاستغفر. فقال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما. قال أبو بردة إحداهما لأبي عامر والأخرى لأبي موسى'' ويستحب الحفاظ على الوضوء في عامة الأحوال، روى ابن ماجة بسنده وصححه الألباني عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:'' استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن'' فيندب تجديد الوضوء إن صلى المتوضىء بالأول فرضا أو نفلا أو طاف به، روى أبو داود بسنده وصححه الألباني عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال: قلت أرأيت توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهرا وغير طاهر عم ذاك؟ فقال حدثتنيه أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمِر بالوضوء لكل صلاة طاهرا وغير طاهر فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة، فكان ابن عمر يرى أن به قوة فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة'' وروى النسائي في سننه بسنده وصححه الألباني عن ابن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: فعلت شيئا لم تكن تفعله، قال: عمدا فعلته يا عمر'' ولهذه الآثار وغيرها رأى العلماء استحباب الوضوء على الدوام لمن قدر عليه، وفسر مالك حديث الترغيب في إطالة الغرة والتحجيل بإدامة الوضوء، ونصوا على أحوال يندب لها الوضوء من مثل ما قاله الحبيب الطاهر(1/81):''عند زيارة ذي سلطان وبطش، إذ حضرته حضرة قهر أو رضا، والوضوء سلاح المومن وحصن من سطوته (...) وعند دخول السوق، لأنه محل لهو واشتغال بأمور الدنيا، ومحل للأيمان الكاذبة، فللشيطان فيه قوة تسلط على الإنسان والوضوء (...) درعه الحصين من كيده، وكيد أعوانه من الانس والجن.