كما كان متوقعا، فإن الحوار بين حركتي ''حماس'' و''فتح'' وصل إلى نقطة حساسة افترق فيها الطرفان، وهذه النقطة هي عقدة الأمن التي تعاني منها حركة ''فتح''، والتي تعتبر بحسب تصريحات زعيمها محمود عباس أبو مازن وبعض قادتها في الصف الأول أن الأمن خط أحمر يجب أن لا يقترب منه أحد من خارجها، خاصة أن هناك تعليمات صدرت من قبل الحكومة المصرية عبر مدير مخابراتها عمر سليمان والجانب الأمريكي والصيوني بأن لا يكون أي من العناصر الفلسطينية من غير ''فتح'' يتولى ''قيادة'' الأجهزة الأمنية سواء في الضفة أو غزة مع إمكانية السماح لعناصر من الفصائل الفلسطينية، ومن بينها حماس، بالانضمام إلى هذه الأجهزة ك''مأمورين'' و''جنود'' لا غير، الأمر الذي أدى إلى عودة الطرفين إلى نقطة الصفر. وعزا متابعون للشأن الفلسطيني هذا الفشل إلى أن موضوع ''الأمن'' بالصيغة التي تطرحها ''حماس'' لم تكن وفق ''هوى'' فتح الذي جاء على قاعدة أن الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية هي أجهزة ليست بحاجة إلى إعادة تشكيل أو بناء لأنها كاملة ومكتملة (عقيدة وسلوكا وفق المنهجية الأمريكية الصهيونية كما هو معلوم)، ولكن الأجهزة الأمنية في غزة من وجهة نظر ''فتح'' هي أجهزة ''مغتصبة'' وبحاجة إلى ''حل'' و''إعادة تشكيل'' و''دمج'' (لأنها فلسطينية خالصة روحا وجسدا). وكشف مصدر فلسطيني رفيع المستوى في دمشق عن خفايا جديدة للقاء الأخير الذي جمع بين حركتي حماس وفتح الأربعاء الماضي، وما شهده من مباحثات صعبة بشأن الملف الأمني ولم يسفر عن شيء سوى الاتفاق على لقاء آخر يعقد بين الطرفين بعد عيد الأضحى. وقال ''المركز الفلسطيني للإعلام'' في تقرير نشر صباح، أول أمس، أن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس خالد مشعل التقى مساء الجمعة الفائت برئيس وفد حركة فتح للمصالحة عزام الأحمد، حيث جرى النقاش حول ما شهدته جولة المصالحة الثانية، حيث نفى المصدر للمركز أن يكون اللقاء مخصصا لتسليم ملاحظات حماس حول الملف الأمني كما صرح الأحمد في وقت سابق. وأضاف المركز في تقريره ''أن الملاحظات التي تسلمها الأحمد من مشعل هي رد حماس ورؤيتها للتعديلات التي حاول ماجد فرج رئيس مخابرات السلطة في رام الله إضافتها إلى البند الأمني في الورقة المصرية، وليست ملاحظات جديدة''. وفيما يتعلق باللقاء الأخير والخلاف الذي تفجّر بين الطرفين، أفاد المصدر المقرّب من أجواء الحوار أن النقطة التي عادت بالأمور إلى المربع الأول متعلقة بما يسمى ''اللجنة الأمنية العليا'' وآلية تشكيلها. وأفاد المصدر أن ماجد فرج هو من أصر على صيغة معينة حول هذه النقطة دفعت بالأمور إلى الخلاف، حيث رفض أن يتم تشكيلها بالتوافق، وحصرها برئيس السلطة محمود عباس، بخلاف ما اتفق عليه بين الحركتين في اللقاء الذي جمعهما في 24 من شهر شتنبر الماضي، ما يشكل تراجعا من قبل حركة فتح عن ما اتفق عليه. وعن إعادة بناء الأجهزة الأمنية أوضح المصدر ، أن ماجد فرج خلال اللقاء ''قدم تفسيرا مستغربا لمصطلح إعادة البناء وهي إعادة بناء المقرات التي هدمت سواء خلال الحسم العسكري أو الحرب الأخيرة على غزة''، مضيفا أن حركة فتح لا تريد إعادة بناء الأجهزة في الضفة الغربية. وأوضح بالقول: ''في الورقة التي بحوزة حماس وفيما يتعلق بالشأن الأمني كلمة (بناء) غير موجودة، بينما هي موجودة في ورقة فتح وقد وقعوا عليهما''. وقال الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة ''حماس'' إن حركة فتح ترفض إجراء أي تغيير على أجهزة الأمن بالضفة الغربيةالمحتلة وتشترط ذلك المطلب على الأجهزة الأمنية في قطاع غزة. وأكد أبو مرزوق، خلال برنامج تلفزيوني بثته قناة ''المنار'' اللبنانية مساء السبت الماضي وأعادته أول أمس صباحا، رفض حركته القبول بأن تكون أي أجهزة أمنية فلسطينية في المستقبل مرتبطة بالاحتلال بأي شكل من الأشكال، وإنما تكون تحت قيادة لجنة أمنية مشتركة بالتوافق. وأعرب عن استغرابه من طلب حركة فتح أن تشكل لوحدها ''اللجنة العليا للأجهزة'' بعيدا عن أي فصيل، وتحاول فرض نفسها على قطاع غزة ليعود الاحتلال بوجه جديد. وشدد أبو مرزوق على أن حماس ''ستحرث الأرض للوصول إلى تفاهمات فلسطينية داخلية تحقق المصالحة المرتقبة ''، حسب قوله. وأشار أبو مرزوق إلى أن ''فتح'' تريد الاستفراد بالقرار الفلسطيني وأن يكون الآخرون تابعين لها، وهو ما ترفضه الفصائل الفلسطينية الأخرى ومن بينها حركته. من جهته، استغرب القيادي في حركة حماس أيمن طه ما سماها ب''المغالطات'' التي حاول عزام الأحمد تضليل الرأي العام بها ب''ادعائه أن حماس لم تأتِ بأي ملاحظات لنقاشها خلال اللقاء الأخير الذي عقد لبحث الملف الأمني العالق''. وقال طه تعقيبا على تصريحات الأحمد في اتصال هاتفي مع قناة ''القدس'' مساء السبت الماضي ''إن لقاء دمشق لم يكن لدراسة أي ملاحظات وإنما كان مخصصا لدراسة تشكيل لجنة أمنية عليا مشتركة للإشراف على إعادة بناء الأجهزة الأمنية في الضفة والقطاع على أسس وطنية كما نصت عليها الورقة المصرية وليس كما يدعي الأحمد ''أن حماس لم تأت بملاحظات لمناقشتها''. واتهم القيادي الفلسطيني ''فتح'' بتعطيل الاتفاق بانقضاضها على الورقة المصرية للمصالحة برفضها كل ما جاء بها، خاصة فيما يتعلق بالملف الأمني، لافتا إلى أنها تريد مناقشة ملف الأجهزة الأمنية في غزة دون الضفة. وأكد أن فتح تريد أن تنقل نموذج أجهزة الضفة القائم على التنسيق الأمني وحماية الاحتلال إلى غزة وهو ما ترفضه حماس بشدة. وقال ''مع الأسف الشديد.. هناك نموذجان لأجهزة الأمن.. الأول في غزة لا تخضع لأي تأثير خارجي والآخر في الضفة يتحكم فيها الجنرال الأمريكي ''مولر'' و''أشكانزي'' رئيس أركان جيش الاحتلال الصهيوني''، مضيفا ''فتح تريد نقل التجربة من الضفة إلى غزة ونحن نريد العكس.. لا نريد أجهزة أمنية لها مرجعيات خارج الإطار الوطني وتنسق مع الاحتلال وتلاحق المقاومة''. إلى ذلك، أكدت مصادر فلسطينية مطلعة على مجريات الحوار الدائر بين حركتي حماس وفتح أن ضغوطا مصرية على الأخيرة حالت دون التوصل إلى اتفاق. وقالت المصادر إن ''ضغوطا مصرية جرت على فتح حتى لا يتحقق تقدم في ملف المصالحة في هذا الوقت لوجود مبادرة مصرية تستهدف دفع عملية التسوية يتم تسويقها وتمريرها عبر واشنطن. وأوضحت المصادر ل''الجزيرة نت'' أن وفد فتح طلب من حماس قبل بدء المحادثات أن تعرف أن هناك خطوطا حمرا لا تستطيع فتح ولا حماس ولا أي جهة الاقتراب منها. وأول هذه الخطوط حسب المصادر عدم موافقة سلطات الاحتلال على أن يكون لحماس أي سلطة على الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، واعتراض مصر راعي المصالحة على فكرة تقاسم الأمن. وأضافت أن المقترح الذي تريد فتح بحثه هو تشكيل الأجهزة الأمنية فقط في قطاع غزة الذي تديره حماس، وهو أمر ترفضه حماس جملة وتفصيلا وتطالب بأن يشمل البحث في تشكيل الأمن بغزة والضفة. وأوضحت أن ''فتح'' تمسكت بأن تكون المسؤولية الأمنية العليا بيد محمود عباس، لكن حماس تريد بأن تكون جماعية تشترك فيها هي وفتح وبقية الفصائل الفلسطينية المؤثرة. وفشل الاجتماع الأخير في إحداث اختراق في ملف الأمن أعقد ملفات المصالحة بسبب تعنت فتح ورفضها إشراك حماس في أجهزة الضفة وتريد حصر النقاش فقط في أجهزة فتح، وهو ما اعتبرته حماس تعميقا للانقسام من جانب فتح. وضم وفد حماس موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي للحركة ومحمد نصر، وسامي خاطر، وصالح عاروري، وعضو المجلس التشريعي إسماعيل الأشقر، فيما ضم وفد حركة فتح عضو لجنتها المركزية عزام الأحمد، والقيادي صخر بسيسو، وماجد فرج رئيس جهاز مخابرات فتح في الضفة، و سمير الرفاعي ممثل فتح لدى سوريا.