وليد كبير: نظام العسكر غاضب على ولد الغزواني بعدما رفض الانخراط في مخطط لعزل المغرب عن دول الجوار    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا.. توجيه اتهامات بالقتل للمشتبه به في هجوم سوق عيد الميلاد    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة        مقاييس الأمطار بالمغرب في 24 ساعة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    رشاوى الكفاءة المهنية تدفع التنسيق النقابي الخماسي بجماعة الرباط إلى المطالبة بفتح تحقيق    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    العرائش: الأمين العام لحزب الاستقلال في زيارة عزاء لبيت "العتابي" عضو المجلس الوطني للحزب    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر الإسلامي "المقرئ الإدريسي أبو زيد لالتجديد":أمريكا انتقلت من دور الوسيط الخادع إلى دور الحليف السافر
نشر في التجديد يوم 16 - 12 - 2004

وصف المقرئ الإدريسي أبو زيد عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية وأحد أبرز المتتبعين للشأن الفلسطيني على مستوى الوطن العربي والإسلامي، المرحلة الراهنة للقضية الفلسطينية والتي اصطلح على تسميتها بمرحلة ما بعد عرفات، بالمنعطف الصعب، معتبرا أن هذه المرحلة تعد أخطر وأعقد مرحلة من مراحل التفاعلات السلبية للتآمر على أرض فلسطين والإجهاز على الشعب والقضية والرمز الذي هو المسجد الأقصى وبيت المقدس، ومؤكدا على أن لإسرائيل دورا ضالعا في تصفية رموز القضية الفلسطينية، سواء الرموز الإسلامية الجهادية كالشيخ الشهيد أحمد ياسين والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي، أو الرموز الوطنية السياسية كالرئيس الشهيد ياسر عرفات، وتوقع أبو زيد في الإنتخابات المقرر إجراؤها في التاسع من يناير المقبل أن يكون الفوز فيها بفارق كبير لمرشح فتح أبو مازن محمود عباس ذي التوجهات السلمية المهادنة منذ زمن طويل، ومهندس أوسلو التي أوصلت الفلسطينيين إلى النفق المسدود، حول هذه النقط وغيرها كان لنا مع المقرئ الإدريسي أبو زيد الحوار التالي (للإشارة فإن ذ. أبو زيد سيكون ضيفا على برنامج أكثر من رأي في قناة الجزيرة) :
رحل القائد/الرمز ياسر عرفات رحمه الله إلى دار البقاء، ومع رحيله تكون القضية الفلسطينية قد دخلت مرحلة جديدة، تغيب عنها رموز فلسطينية كبيرة، فإلى جانب غياب الرمز الوطني الشهيد ياسر عرفات، رحل من قبل الشيخ المجاهد الشهيد أحمد ياسين والشهيد الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي، انطلاقا من هذه المعطيات، ماهي القراءات الأولى لهذه المرحلة الجديدة؟
بسم الله الرحمن الرحيم، تمر القضية الفلسطينية عموما بمنعطف صعب، لعله أخطر وأعقد مرحلة من مراحل التفاعلات السلبية للتآمر على أرض فلسطين والإجهاز على الشعب والقضية والرمز الذي هو المسجد الأقصى وبيت المقدس، وبغض النظر عن الأشخاص الذين يرحلون أو يعتقلون أو يغتالون، فإن الاستكبار الأمريكي المفرط في استعمال القوة واللجوء إلى الضغط والإذلال للعالم العربي الرسمي والشعبي ثم التحالف المطلق مع القوة الصهيونية الذي لم يبق معه أي هامش ولو ضئيل من الفرق بين الموقف الإسرائيلي والأمريكي يقرع جرس إنذار ويعطي إشارة حمراء عن طبيعة المرحلة. تتكامل المعطيات بالنقطة التي أشرت إليها في سؤالك وهي قضية رحيل الرموز سواء الرموز الإسلامية الجهادية كالشيخ أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي، أو الرموز الوطنية السياسية كالرئيس ياسر عرفات، ولإسرائيل دور ظاهر في رحيل هؤلاء بعمليات الاغتيال المكشوفة للقيادات الإسلامية، أو دور ملتبس شك الكثيرون في وجوده، وكتبت أقلام وازنة مثل منير شفيق وياسر الزعاترة من أهل الميدان أن وراء رحيل الرئيس ياسر عرفات عملية تسميم، مما يدل على أن المشهد يتكامل بيد إسرائيلية مباشرة وبمباركة
أمريكية. ومعنى هذا أن الذين يرتبون للمرحلة القادمة يسعون إلى توفير جو مريح لتمرير مشروع تسليم أرض فلسطين والهيمنة على بيت المقدس، وفق أجندة أمريكية واضحة تتعلق بالرغبة في توفير شروط مواتية لما يزعمونه في المرحلة القادمة والتي يفسرونها دينيا ويعتقدونها إيمانيا وهي مرحلة نزول المسيح وبداية الألفية السعيدة. وهذا يرتبط بعقيدة البيوريتانيين وهم اليمين المسيحي المتطرف والمتصهين الذي وصل مع جورج بوش إلى ذروة الإعلان الصريح والوقح عن سيطرته على الإدارة الأمريكية ورغبته في السيطرة على العالم، وفي هذا الإطار لا مجال - في نظر هؤلاء الصقور كما يسمونهم- لأي دور عربي أو فلسطيني يوازن أو يخفف من حدة الطموحات والأطماع الصهيونية لبناء دولة يهودية خالصة وتخليص أرض فلسطين من سكانها الأصليين كما يزعمون والانطلاق إلى تأسيس إسرائيل الكبرى بفتح علاقات مع الدول العربية لا يكون نهائيا قوام النظر إلى مدى فاعليتها أو امتدادها هووضع الشعب الفلسطيني أو رعاية حقوقه. وهو ما يراد تتويجه فيما سمي مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يهدف من جهة إلى التطبيع الكامل للعلاقات العربية والإسلامية مع الكيان الصهيوني على خلفية
المصالح الضيقة التي لا تأخذ بعين الإعتبار نهائيا حقوق الفلسطينيين ولا مصيرهم ولا أرضهم ولا عائديهم ولا مقدساتهم ولا عاصمتهم، ومن جهة أخرى تسعى إلى تأبيد الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة، بل وتحويلها بالكامل إلى تابع لرائد يقودها هو الكيان الصهيوني محليا. وأمريكا دوليا. بالمقابل تتضاعف فرص وإمكانات بل وأحيانا إشارات المقاومة والرفض والصمود لا لدى الأنظمة فحسب وإنما لدى الشعوب والنخب من الجهة الأخرى وكأن المنطقة دخلت في حالة استسلام لولا الاستثناء المتمثل في المقاومة العراقية وما تيسر من المقاومة الفلسطينية التي تزداد الأوضاع شراسة ضدها بفعل الجدار العازل وسياسات شارون الهيمنية وزيادة التصلب في الجهاز العسكري والإداري الذي يسيطر عليه اليمين الإسرائيلي المتطرف.
أشرتم -أستاذ أبو زيد- على أن الرئيس ياسر عرفات قتل مسموما وأكد ذلك أيضا مسؤولون فلسطينيون أبرزهم خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وفي هذا الإطار قال محللون سياسيون ومتتبعون للشأن الفلسطيني على أن السيد ياسر عرفات صفي سياسيا قبل أن يصفى جسديا ما رأيكم ؟
الزعيم ياسر عرفات ساهم بنفسه في تحديد المصير المؤلم لنضاله التاريخي عندما قبل بغزة - أريحا ودخل مغامرة غير مأمونة العواقب مع أطراف يعرفها جيدا ويعرف قدرتها على التنصل من عهودها المعسولة والانقلاب مائة وثمانين درجة على أخلاقيات التفاوض السياسي. ومنذ ذلك الوقت بدأت محنته عندما أريد له أن يصبح جلاد شعبه وأن يصبح جزار الحركة الإسلامية المقاومة ومجهض الانتفاضة. وإذ أراد الرجل أن يوازن ما بين دوره التاريخي كزعيم يمكنه من تحصيل بعض المكاسب ولو جزئية لقضيته الأولى فلسطين، وبين إرضاء الإملاءات والرغبات الصهيونية الأمريكية في تحجيم دور الشعب الفلسطيني والحركة الإسلامية، دون أن يتخلى عن الثوابت الكبرى التي هي بالنسبة إليه وبالنسبة لباقي الأمة القدس والمسجد الأقصى وجزء من الأرض و العائدون، فإنه آنذاك بدأ مشروع تصفيته المعنوية والتي انتهت بتصفيته المادية عندما حوصر في مقره برام الله، ومنع من التنقل وأهين وهو رئيس دولة اعترف به من قبل أكثر من مائة دولة، أي أن الدول التي اعترفت به أكثر من الدول التي اعترفت بإسرائيل نفسها طيلة مدة وجودها طوال نصف قرن، وبلغ الأمر أنه كان أحيانا يمنع حتى من الماء
النظيف وأحيانا يحرم من الأدوية، وأصبح عاجزا حتى أن يتواصل مع أسرته الصغيرة، فكيف أن يتواصل مع العالم. وفي نهاية المطاف عندما صمد وأطال الله في عمره وقاوم المرض والضغوط، فإن الأمر انتهى هذه النهاية الغامضة التي لا أدل على أن هناك شيئا ما وراءها من كون أن الملف الطبي لحد الآن لم يسمح لا بنشره ولا بنشر ملخص نتائجه ولا بتداولها على الملأ ووقع التستر وراء القوانين المدعاة أنها قوانين طبية وأخلاقية فرنسية محضة.
في هذا السياق وانطلاقا من جوابكم، ماذا تعني لكم وفاة الرئيس ياسر عرفات ؟
تعني نهاية محزنة لكل من قبل التعامل مع العدو من موقع ضعف وراهن على حلم التوافق السياسي في زمن اختلال الموازين حتى ولو كان عرفات البطل الأسطوري. فالبراغماتية وأحيانا الماكيافيلية تفقد الضعاف مركز القوة الوحيد الذي عندهم وهو مبدئيتهم وثوريتهم وتصلبهم تجاه الثوابت. وهو درس لجميع من اختاروا طريق المفاوضات والعمل من خلال طاولات الحوار لبيان أن لا حوار بين الضعيف والقوي، إلا إذا توفرت الحدود الدنيا من التوازن. وهذا لم يعد ممكنا منذ نهاية العالم القديم المسمى بالنظام الدولي القديم، منذ نهاية الحرب الباردة، بحيث لم يعد أي قوة دولية بحجم الإتحاد السوفياتي يمكنها أن تدعم أو أن توازن الضغط المتطرف والمنفلت للقوة الأمريكية، وفي هذا الإطار لابد لنا من المقارنة بين نهايتين، بين نهاية عرفات وبين نهاية رجل مثل أحمد ياسين، صحيح أن عرفات انتهى إلى حد ما صامدا وشريفا ونرجو أن يكون قد انتهى شهيدا عند ربه، شهيد قضيته التي أبى التفريط في ثوابتها الكبرى ورسم لنفسه خطا أحمر ولو أنه كان خطا واطئا، لكنه ثبت عنده ولم يجرجر إلى ما دونه، خصوصا عند محطة خطيرة هي محطة كامب ديفيد الثانية التي حاول فيها كل من باراك
وكلينتون الضغط عليه في أمريكا ولكنه صمد وعاد بطلا استعاد بعض شعبيته في الاستقبال التاريخي الذي أجري له في غزة وفي الضفة الغربية، ولكن نهاية رجل مثل أحمد ياسين كانت نهاية شامخة، نهاية واضحة، نهاية ليس فيها من اللون الرمادي شيء. نهاية شهيد حقا ضرب بصاروخ وتشتت أشلاؤه عائدا وهو المشلول الشيخ الفاني من صلاة الفجر، رفض أن يجرجر في منطق الاستدراج المفاوضاتي الخادع وبقي ثابتا عند السقف الأعلى للخطوط الحمراء، وليس عند السقف الأدنى وانتهى إلى ما انتهى إليه. نرجو لكليهما عند الله عز وجل مقاما محمودا، ونرجو أن تكون نهاية كليهما درسا لمن يريد أن ينتهي إحدى النهايتين القصوى أو الدنيا، ولكننا نرجو أن لا تنتهي أية قيادة فلسطينية إلى ما دون ذلك، أن تنتهي نهاية خيانة أو تفريط أو تواطؤ ضد مصالح الشعب الفلسطيني والأمة ومقدساتها، مما يمكن أن يدخل بسهولة المغامر بهذه المعاملة في خانة الخيانة التاريخية التي تلعنها الأمة، وتلعن صاحبها إلى يوم الدين.
في رأيكم لماذا فشلت كل المفاوضات التي أجراها الرئيس ياسر عرفات مع المسؤولين الإسرائيليين فآخر شركائه في عملية السلام إيهود باراك وصفه ب زعيم الإرهاب ؟
كان المناضل ياسر عرفات رجل مناورة من الطراز الأكبر، وكان يتقن اللعب على كثير من الحبال، وكان يمارس السياسة الماكيافيلية المعروفة دوليا. وكان يتعامل بهذا مع المقربين إليه ومع محيطه ومع خصومه ومنافسيه ومع أعدائه من الصهاينة ومع الفرقاء جميعا. ولكن أي شخص مهما كان إبداعه وذكاؤه وخبرته وتمرسه وشجاعته بل وأسطوريته، لا يمكنه وحده بدون أن يكون وراءه أمة قوية متماسكة وأن يكون أيضا هو متسلحا برؤية عقدية واضحة، أن يمضي إلى ما لا نهاية في اللعب على الحبال وفي المناورة. بدأ الصهاينة المتطرفون مع وصول اليمين المتعصب منذ نتانياهو مرورا ب باراك وانتهاء بشارون إلى التضييق الكامل لهذه الهوامش، ووجد عرفات نفسه يناور على خلفية إمكان وجود فجوة ما بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي، ويناور مراهنا على حد أدنى من التماسك العربي، ومن الصمود في الموقف الرسمي العربي، لكن هذه المستمسكات كلها انهارت في يديه، وانتهى أسيرا في مقره برام الله عاجزا عن أن يصرف أي موقف، إلا تصريف موقف الرفض المبدئي فيما يتعلق بالخطوط الحمراء الدنيا والثوابت الكبرى المقدسة التي قال عنها وهو يساوم عليها في كامب ديفيد الثانية هناك في
الولايات المتحدة الأمريكية إن الشعب سيشنقني إذا فرطت فيها قالها باللهجة الشامية المحببة دول حيشنقوني إشارة إلى شعبه وإلى أمته، أما لماذا فشلت كل هذه المفاوضات؟، فلأن الأمريكان والإسرائيليين أساسا لجأوا إلى هذه المفاوضات ومارسوها وهم ينوون إفشالها، وما كان هناك عندهم من غاية في سلام ولا في حل مشكل ولا في إنهاء صراع ولو بإعطاء الفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم أو بناء كيان قزم. كان الغرض هو تكسير الانتفاضة الأولى التي طالت ست سنوات وإخراج إسرائيل من عزلتها، ونقل مهام الإحتلال إلى فلسطينيين، بحيث يصبح كما قيل: احتلالا نظيفا مدفوع الأجر، ورفع مسؤولية الإحتلال التي تلزم بها القوانين في العالم كله ومنها اتفاقية جنيف عن كاهل العدو، وإلصاقها بسلطة وطنية مشلولة وعاجزة، مهمتها ليس أن تحمي الشعب الفلسطيني ولكن أن ترفع الحرج عن الإحتلال الصهيوني. وكان دائما هذا ديدن العدو الصهيوني، ففي سنة 1978 وقعت إسرائيل مع السادات اتفاقية سلام لم تكن الغاية منها هي السلام، وإنما كانت الغاية منها التفرغ لغزو لبنان، أمنت إسرائيل بموجب هذه الإتفاقية حدودها الجنوبية، وانطلقت إلى حدودها الشمالية لكي تقوم بعملية
غزو لبنان واحتلاله لمدة 22 سنة، بجيش قوامه 165ألف جندي ما كان له أن يتجرأ على مغادرة الكيان الصهيوني الغاصب في اتجاه أقصى الشمال دون أن يكون الجنوب قد أمن عبر اتفاقية خادعة، وكان على عرفات - سامحه الله وغفر له-، أن يفقه الدرس الذي تكشفه حادثة كامب ديفيد سنة ،1978 وهو أن إسرائيل لا توقع السلام إلا من أجل الحرب، لكي لا يكرر التجربة بعد ذلك بسنوات في غزة - أريحا والتي أخذت مسارا مسدودا في نفق مظلم، لأنها كانت مسارا انفراديا فاجأ العالم كله بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، والدول العربية التي أحبطت وخاب أملها ونفض كثير منها يده من القضية الفلسطينية، وبدأ يناور في حدود مصلحته الضيقة وحاجته الخاصة.
مباشرة بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات تم تكليف روحي فتوح ليكون رئيسا للسلطة الفلسطينية حسب القانون الذي يقضي بتولي رئيس المجلس التشريعي مهمام الرئاسة لمدة ستين يوما، تتم بعدها إجراء انتخابات للحصول على رئيس جديد للسلطة الفلسطينية، من تتوقعون فوزه بهذا المنصب؟
واضح أن الفائز الوحيد وبأصوات فارقة سيكون مرشح منظمة فتح، الجسم الوازن في منظمة التحرير الفلسطينية، والمتنفذ بزعامة عرفات التاريخية وبرصيد هذه المنظمة الجهادي، والذي استعاد بعض عافيته مع تنظيم كتائب شهداء الأقصى التي قامت بعمليات استشهادية في الفترة الأخيرة، وساهمت بإنهاض الإنتفاضة الثانية بقيادة مروان البرغوثي وإخوانه أطلق الله سراحه، واضح أن الجهات الدولية توافق على مرشح فتح أبومازن محمود عباس ذي التوجهات السلمية المهادنة منذ زمن طويل، ومهندس أوسلو التي أوصلت الفلسطينيين إلى نفق مسدود. وواضح جدا أن بقية المرشحين ليس لهم أدنى حظ في أن ينافسوا هذا الرجل سواء أكانت الإنتخابات حرة ديمقراطية أم كانت الإنتخابات موجهة. احتمال أن يفوز غيره، وارد لو أن الحركة الإسلامية دخلت على الخط ورشحت مرشحا لها. ولكن الحاصل أن كلا من حماس والجهاد، أعلنت جميعها أنها لن تشارك ولن تدعم أي مرشح من المرشحين وأنها ستبقى خارج اللعبة، وهذا يعطي كافة الحظوظ لمرشح فتح ومرشح السلطة الوطنية الفلسطينية في نفس الوقت محمود عباس أبو مازن رئيس الوزراء السابق للسلطة الوطنية الفلسطينية.
ولكن.. رغم الاتفاق على مرشح واحد، هناك خلافات وصفت بالحادة تعصف بحركة فتح وخاصة ما بين اللجنة المركزية للحركة والتي تمثل الجيل القديم، وما بين اللجنة الحركية العليا لفتح بزعامة أمين سرها مروان البرغوثي المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي الذي ترشح بصفة مستقلة وبدعم من قبل مجموعة من أعضاء وكوادر فتح ليكون المنافس القوي لمحمود عباس ويشهد لهذا الصراع أيضا ما حدث في خيمة العزاء، ما هي في رأيكم خلفيات هذا الصراع ؟
الخلفيات واضحة وصريحة ومعلن عنها عند الغاضبين والثوار من داخل فتح رغم أن المساحات الإعلامية التي تتاح لهم على جميع الأصعدة ضيقة جدا. هؤلاء يمثلون قواعد فتح من الوطنيين الفلسطينيين المناضلين المتشبعين بتاريخ فتح وخطها ونضالها، وهم أناس شرفاء لم يقبلوا مهادنة العدو ولم يسقطوا في مستنقع الفساد والاختلاس، وهؤلاء بقدر حبهم لعرفات فهم غاضبون وساخطون عليه، خصوصا في الفترة الأخيرة لتعاملاته الأمنية الغامضة مع أطراف دولية، ولاختياره لأشخاص فاسدين في الملفات الأمنية والمالية، وهؤلاء طبعا وإن كانوا يحتفظون بالحد الأدنى من الاحترام لعرفات ( فجعلهم لا يثورون في وجهه إلا قليلا ). فهم الآن يملكون كامل الجرأة وكل الغضب في نفس الوقت للثورة في وجه رموز بقيت الآن تدير دواليب السلطة الفلسطينية من بعد عرفات، جلها ليس حسن السمعة في مجال لا المعاملات المالية ولا التشابكات الأمنية الغامضة مع العدو الصهيوني. ولكن هذا الصراع كله لن يؤثر في رأيي على حظوظ أبي مازن في أن يكون رئيس السلطة الفلسطينية المقبل، إلا إذا تجمع هؤلاء الغاضبون كلهم في محور واحد ونظموا أنفسهم بشكل منسق تمام التنسيق، ولم تتدخل جهات الأمن ولا
العدو الصهيوني في حركتهم، واختاروا دعم مرشح واحد اتفقوا عليه ضمن المرشحين المنافسين لأبي مازن، لكن احتمال وقوع ذلك ضئيل نظرا لاستحالة توفر تلك الشروط التي ذكرناها، فما أحسب الغاضبين سيتفقون على مرشح واحد، أو سيقومون بتنسيق عملهم في خطة واحدة، أو أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية ستقف مكتوفة الأيدي أمامهم، أو أن إسرائيل ستفسح لهم طريقا مفروشا بالورود للوصول إلى ما يرغبون فيه.
قبل خمسة أيام بالضبط من ترشحه دعا مروان البرغوثي أعضاء وكوادر فتح إلى دعم وتأييد أبي مازن ثم بعد ذلك عاد وأعلن نفسه مرشحا مستقلا لرئاسة السلطة الفلسطينية، بعدها ببضعة أيام سحب ملفه الترشيحي من دائرة المنافسة بصفة نهائية، هذا الارتباك الملحوظ في مواقف البرغوثي في نظركم ما مرده؟
أعتقد والله أعلم أن إنسانا سجينا وراء القضبان مقيد الحركة لا تصله معطيات كافية، ولا يملك حرية التحرك والاتصال، أظن أن إنسانا بهذه الظروف لا يمكن مع شعوره بالمسؤولية وحسه النضالي الثوري، وخوفه على وطنه وقضيته في هذه المحطة، إلا أن يرتبك و أن يتردد، وحق له أن ينفعل وأن يتناقض في مواقفه، وأن يقدم رجلا ويؤخر أخرى. واضح هذا التردد الذي يتم عبر متوالية إعلان دعمه لمرشح فتح، ثم إعلان ترشيح نفسه، ثم النكوص عن ترشيح نفسه، ثم الرجوع إلى دعم المرشح الأول، هذا إذا كانت الصورة الإعلامية التي تصلنا وهي منتقاة بعناية ومتحكم فيها من قبل دوائر معادية، صورة حقيقية. حق له أن يقع له ذلك، وتفسيره واضح فالرجل ممزق ما بين الوفاء والولاء لفتح وحرصه على أن تبقى موحدة متماسكة وراء مرشح واحد، وهي اللغة التي يكلمه بها المسؤولون الفلسطينيون عندما يزورونه، وبين حرصه على أن تبقى فتح وعلى رأسها رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية عموما، وفية لخط عرفات الذي يمثل في حس رجل مثل البرغوثي الحد الأدنى من عناصر الصمود وعدم التفريط. فإذا ما رجح عند مروان البرغوثي الوازع الأول تراجع عن الترشح، وإذا ما
رجح عنده الحافز الثاني رجح عنده الترشح ، خصوصا مع الرسائل التي كانت تصله والمناشدات التي كانت تنقل إليه عبر زوجته المناضلة، وبالتالي فهي معاناة مناضل سجين يريد أن يحفظ تماسك هيئته، وتماسك القوى السياسية الفلسطينية في وجه التغول الصهيوني، وفي نفس الوقت يريد أن يرفع سقف النضال والصمود والمواجهة، ويخاف من تفريط قيادات تسمي نفسها واقعية، ربما تستلم الملف الفلسطيني وهي في حالة من الإعياء والتهالك.
في مقابل هذا الإهتمام الكبير الذي تبديه بعض الفصائل الفلسطينية وخاصة حركة فتح تجاه انتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية المقرر إجراؤها في التاسع من يناير المقبل، أعلنت حماس والجهاد الإسلامي رفضهما المشاركة في هذه الانتخابات، إلى أي حد ينسجم هذا الموقف مع مقتضيات المرحلة الجديدة ؟
أبانت الحركة الإسلامية المجاهدة في أرض فلسطين منذ الانتفاضة الأولى عن وعي نوعي وعن حس نادر وعن قدرة فريدة على المزاوجة ما بين النفس الثوري وما بين الواقعية السياسية. وفي هذا الإطار بقدر ما قوت الحركة الإسلامية ساعدها في وجه العدو وصعدت من عملياتها الجهادية ضده، فإنه بالمقابل رفعت شعار لقد حرمنا الدم الفلسطيني ! وسعت إلى تجنب الاقتتال الداخلي الذي خطط له العدو الصهيوني عندما أقدم على مغامرة أوسلو، ورفضت أن تنجر إلى كل مستنقعات الدم التي أريد لها أن تنجر إليها، وفي هذا الإطار فإن اختيارها في الأخير عدم المشاركة هو عين الوفاء لهذا الخط وتمثل هذا الوعي، ذلك أن منافسة أي مرشح من حماس أو مرشح مدعوم من قبل حماس والجهاد، لمرشح فتح، سيخلق أبوابا من الاحتكاك والتصادم والصراع. وفي حالة ما إذا كان الحلم الانتخابي ورديا وتخيلنا جميعا ما لايمكن وقوعه وهو أن تترك السلطة الوطنية وأجهزتها الأمنية وإسرائيل وأجهزتها القمعية الانتخابات حرة نزيهة، ويفوز ممثل أو مرشح الحركة الإسلامية، فأية آفاق أمامه باعتباره رئيسا للسلطة الفلسطينية، لكي يواجه عبر ممارسة المفاوضات أو الضغوط السياسية التي لا يملك الحد
الأدنى من إمكاناتها الوضع الجديد؟ وفي أي أفق يمكنه أن يسعى بالملف الفلسطيني على مستوى الدهاليز السياسية؟ الحركة الإسلامية المجاهدة في فلسطين اختارت طريق الجهاد والمقاومة نظرا لما رجح عندها ورجحه الواقع من استحالة أي طريق آخر من طرق معالجة القضية الفلسطينية كطريق العمل السياسي أو الإدارة المحلية أو المفاوضات، خصوصا مع هذا الانسداد العام في الأفق العربي الرسمي والأمريكي المتسلط والصهيوني المتغطرس. ولهذا أفضل شئ ألا تدعم أي مرشح ولا تتحمل مسؤولية التنازلات التي سيضطر إليها لاحقا عندما يتسلم المسؤولية، أو الإحباط العام الذي سيقع فيه أو يحمل مسؤوليته في نفس الوقت، وهذا فخ أعتقد أن الحركة الإسلامية أذكى من أن تقع فيه، ولهذا فهي تريد أن تبقي باب المقاومة مفتوحا إلى أن يأذن الله بإحداث نوع من التوازن في العلاقات وفي القوى.
إذن واضح أن أبا مازن محمود عباس سيكون على رأس السلطة الوطنية الفلسطينية بعد أن فسحت له المجال الفصائل الإسلامية الفلسطينية من جهة، وعبدت له الطريق جهات دولية معروفة، في ظل هذه القيادة الجديدة. كيف ترون مستقبل القضية الفلسطينية ؟
مستقبل القضية الفلسطينية في المرحلة القريبة المقبلة، بغض النظر عن كل هذه التحولات والمعطيات الجديدة مستقبل مظلم، المنعطف كما قلت في الجواب على السؤال الأول، منعطف خطير ولعله أخطر المنعطفات، الفلسطينيون تركوا ليموتوا وحدهم وتخلى عنهم العالم كله، وانتقلت أمريكا من دور الوسيط الخادع إلى دور الحليف السافر، وبالتالي من الصعب أن نؤمل شيئا من وراء إدارة دفة الحكم الذاتي أو ممارسة قيادة السلطة الوطنية لا من قبل أبي مازن ولا من قبل غيره، وفي أحسن الأحوال، وإذا ما أحسن الظن بأبي مازن ووجد نفسه في موقعه الجديد ملزما بالوفاء لخط عرفات والثبات على الثوابت الأخيرة التي ثبت عليها ياسر عرفات، فإنه سيلقى نفس مصير عرفات، سيحاصر وهو الآن ابن السبعين في مقر القيادة برام الله أو أي مكان آخر وسيمنع من الحركة وسيهمش وسيتحول إلى الغول الإعلامي الذي يمارس من خلاله فعل شيطنة الاختيار الفلسطيني والتشنيع عليه تماما كما فعل بعرفات عندما أصبح شخصا غير مرغوب فيه وأصبحت إسرائيل تتجرأ على التصريح بأنها ستغتاله، وأمريكا تتوقح في القول بأنه ليس شريكا جادا وفاعلا في السلام، وفي هذا الإطار أتصور بأنه لن يراهن على الشعب
الفلسطيني ولا على الرأي العام العربي والإسلامي و لا الدولي على خلف ثالث، وستتوقف هذه المهزلة أو هذا المسلسل العدمي العبثي مسلسل أوسلو وستنهار السلطة الفلسطينية وستفتح أبواب القضية الفلسطينية من جديد على احتمالات أخرى غير احتمال نفق أوسلو وما جاوره.
يلاحظ أيضا أن هناك دعما كبيرا يلقاه مرشح فتح محمود عباس من قبل جهات دولية نافذة على رأسها أمريكا و إسرائيل، ويحظى كذلك بدعم الأنظمة العربية حتى قبل الانتخابات، ويوصف بأنه الشخصية المطلوبة دوليا، لماذا هذا الاهتمام؟
طبيعي أن يكون عند أبي مازن حالة من القبول العامة، لأنه مهندس أوسلو وهو من أقنع عرفات وأغراه بالذهاب في هذا النفق المسدود، وقد صرح بذلك بكل وضوح في مذكرته الضخمة مذكرات السلام، الرجل منذ حوالي عقدين من الزمن أصبح يتكلم لغة أخرى غير لغة النضال الشبابي، عندما كان في موسكو يكتب رسالته للدكتوراة عن طبيعة الشخصية الصهيونية. أو عندما كان يناضل في صفوف فتح : لغة جديدة قوامها مصطلحات الواقعية والبعد عن المزايدة والعدمية ومن أجل هذا عندما أرغم عرفات من قبل إسرائيل وأمريكا والأوروبيين على أن يتراجع قليلا عن بعض سلطاته وأن يعين رئيسا للوزراء يكون هو المفاوض ويكون هو المسؤول عن الجانب الأمني والمالي، وجزء من الجانب الديبلوماسي، فاختار عرفات لتطمين قوى المواجهة ضده وللتخذيل عن نفسه، أبا مازن كوجه مسوق دوليا لدى أمريكا وإسرائيل. ولكن أبا مازن عجز عن أن يحل معادلة التنافس من خلال مقعده ما بين عرفات الممسك بالخيوط وما بين إسرائيل المصرة على التسليم بكل شيء، هذا هو السبب الواضح لاختيار أبي مازن والتفاؤل به والتطبيل له، ولكن معروف عن البراغماتية الانتهازية الماكيافيلية الإعلامية الغربية، أنها ممكن أن
تقلب ظهر المجن لأي واحد في أية لحظة حتى ولو قدم من التنازلات ما لم يقدم سلفه، عندما يقف عند نقطة يتوقف فيها عن تقديم مزيد من التنازلات، ولهذا أتوقع سريعا أن يتم تسريع مسلسل التنازلات مع أبي مازن بنفس الطريقة الذي سرع مع عرفات، وينزل سقف المفاوضات، وسقف الصمود العربي الرسمي والشعبي والفلسطيني أيضا باستثناء الحركة الإسلامية، وعند نقطة معينة تستحيل على رجل له ماضي وله رصيد، وله رؤية مهما كان اختلافه عن عرفات في درجة الصلابة أوالدينامية، أتوقع أن يقول لا. وهناك ستبدأ شيطنته ويبدأ الحديث عنه، كعدو للسلام واتهامه بالإرهابي. الخوف إذن من استمرار هذا المسلسل، مسلسل أوسلو وما نتج عنه من سلطة وطنية فلسطينية عاجزة ومسؤولة في نفس الوقت دوليا عن مصير الشعب الفلسطيني، وتتحمل كل وزر الاحتلال. الخوف هو أن يستمر هذا المسلسل، في تجاه أن تصبح الأجهزة الأمنية أكثر تنمرا، وبالتالي تقوم بالإثخان في الشعب الفلسطيني وفي حركته الإسلامية المجاهدة أمنيا تشريدا وتقتيلا واعتقالا، حتى يرضى السيد الصهيوني، ثم لا يرضى بعد ذلك السيد الصهيوني إلا بمزيد من الدماء يعجز الحاكم أن يستمر في الإيغال فيها. وآنذاك يتم التخلص
منه على طريقة عرفات، أو طريقة أحمد ياسين. ويبدأ مسلسل جديد مع طريق جديد، وإني أرى الآن رأي العين بعد سنوات كيف يمكن أن يصبح لا قدر الله أبو مازن - إذا ما صمد- في مكان عرفات، وأن يصبح رجل مثل محمد دحلان في مكان أبي مازن اليوم مسوقا وموضوع إشهار وتزيين ومكياج حتى يحل بعده مرة أخرى باسم تشبيب القيادة، باسم إزالة الصقور القديمة، باسم تجديد دماء السلطة الوطنية الفلسطينية. ويراد لدحلان أن يصبح جلاد شعبه، فإما أن ينساق إلى ما يراد له ويفتح حربا أهلية فلسطينية، وإما أن يصمد ويصفى آنذاك بنفس الطريقة إياها تصفية مادية أو معنوية أو كليهما.
ككلمة أخيرة .. ما الحل ؟
كلمة أخيرة واضحة وصريحة، إن مآل مسلسل التفاوض مع العدو الصهيوني الذي ليس له أدنى رغبة في السلام، وليست عنده أدنى مصداقية في وعوده واتفاقياته منذ كامب ديفيد 1978 مع السادات إلى غزة أريحا مع عرفات، الناظر إلى هذا المسلسل يتبين له ويقتنع بمدى عبثيته ومدى مسلسل الخديعة الذي يجر له بقية الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية ويقتنع بأن الطريق الوحيد هو طريق المقاومة والصمود والجهاد في داخل فلسطين وطريق الدعم وحصار العدو الصهيوني، والتراجع عن التطبيع ومقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية. والدعم اللامشروط للشعب الفلسطيني حتى تستطيع الأمة رسميا وشعبيا، وأيضا حتى تستطيع نخب هذه الأمة، أن تقوم بدورها التاريخي الذي ستسأل عنه يوم القيامة، دور إحداث ولو حد أدنى من التوازن في ميزان القوة المختل اختلالا فظيعا، بما يمكن الشعب الفلسطيني من الاستمرار في الصمود، والاستمرار في المطالبة بالحد الأدنى من حقوقه المعروفة، وهي السيادة والمعابر والحدود والقدس واللاجئون. والله المستعان..
أجرى الحوار : عبدالرحمن الأشعري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.