اتجهت تداعيات أحداث العنف بالعيون لتكتسب معالم معركة دولية في طور التشكل، تفرض على بلادنا خوضها بالقوة المطلوبة، لما سيكون لها من آثار على مستقبل تسوية النزاع ككل، وهي معركة اتخذت ثلاث أبعاد متوازية، الأول أممي وتجلى في قبول طلب المكسيك بعقد اجتماع لمجلس الأمن لمعرفة ما حصل، وتكليف شعبة عمليات السلام في الأممالمتحدة بإعداد تقرير معلوماتي في الموضوع، رغم التصريح بأن ذلك ليس موجها لأي أحد، والثاني أوروبي ويسعى إلى تفكيك التحالف المساند للمغرب وإرباك علاقته بالاتحاد الأوروبي واستصدار قرارات من مؤسساته ضد المغرب وتوظيف مجموعة من البرلمانيين النشطين في دعم البوليساريو، والثالث حقوقي عبر تعبئة مجموع المنظمات الحقوقية الدولية والهيئات ذات الرصيد في مجال ما يسمى البحث في قضايا'' الإبادة الجماعية'' من أجل التركيز على المغرب وتكييف ما حصل ضمن هذه الخانة، واستغلال ذلك على الأقل في مجال الدعاية والتشهير بالمغرب وضرب مصداقية مشروع الحكم الذاتي. قد تبدو الصورة قاتمة وقد تشيع حالة من الانهزامية إذا لم يتم التفكير فيها بهدوء وثقة وبمقاربة استباقية. مما لاشك فيه أن شهر نونبر سيسجل، أحد الأشهر الأكثر صعوبة منذ أزيد من عقد في تاريخ قضية الصحراء المغربية، ليس فقط بسبب التطورات التي حصلت في مدينة العيون ولكن بالنظر لما قد يصدر أثناءه من مواقف دولية تضع بلادنا في موقع دفاعي ولاسيما وأن مجلس الأمن سيجتمع بعد الأسبوع القادم لمناقشة تقرير المبعوث الأممي للصحراء روس حول نتائج الجولة الثالثة للمفاوضات غير الرسمية وبحث آفاق الجولة القادمة المقرر عقدها الشهر القادم، مما سيجعل من اجتماع مجلس الأمن محطة تنذر بتطورات مستقبلية سلبية. المطلوب هو أن نجعل من هذه التطورات فرصة لكسب معركة جديدة ضد المخطط الانفصالي، وهو التحدي الذي نعتبر أن بلادنا مؤهلة لربحه، رغم التحديات القائمة، بشرط استثمار عناصر القوة الموجودة في الموقف المغربي. أولى هذه العناصر يتمثل في تركيبة مجلس الأمن الحالية، ففضلا عن الرفض المنهجي للحلفاء التقليديين للمغرب كفرنسا لأي انزلاق من قبل مجلس الأمن في الانحياز ضد المغرب تحت دعوى التدخل الحقوقي، فإن التركيبة تكشف انحسار القوى الحليفة للجزائر والبوليساريو في قوتين هما المكسيك التي اعترفت بجمهورية البوليساريو منذ نهاية السبعينيات ثم نيجيريا التي تشكل مع كل من الجزائر وجنوب إفريقيا محورا مناهضا للمغرب في القارة الإفريقية، وفي المقابل فإن المجلس يعرف وجود قوى رافضة لكل تدخل خارجي يؤدي إلى استهداف السيادة الوطنية وذلك لوجود أطروحة انفصالية محلية وعلى رأسها تركيا ثم وجود أعضاء من القوى الصديقة للمغرب وخاصة كل من الغابون والبوسنة والهرسك ولبنان والبرازيل. ثاني هذه العناصر يمر عبر الاستثمار الجيد لهذه التركيبة من أجل جعل المناقشة تنطلق من المعطيات والصور التي نقلتها العشرات من وسائل الإعلام حول عمليات التخريب التي تم القيام بها من قبل مجموعات ترفع شعارات جبهة البوليساريو وتعلن ولاءها لها، فضلا عن المعطيات المادية الملموسة والمرتبطة بالضحايا الذين سجلوا في صفوف الأمن وشبه غيابهم عند المحتجين، ونعتقد أن الخطوة التواصلية التي تمت مع غالبية الجمعيات الحقوقية المغربية خطوة تسير في الاتجاه الصحيح عبر تمكين هذه الجمعيات من الوصول إلى المعطيات والوقائع الكفيلة بتقديم صورة حقيقية عما جرى، مما سيؤدي إلى كشف الطابع التخريبي العنفي للطرح الانفصالي وأن الأمر لا يتعلق بالتعبير السلمي عن الرأي أو الموقف، مما سيشكل أكبر رد على مزاعم وأكاذيب الإبادة والقتل. ثالثا ومن العناصر المتوفرة والهامة قبول كل من جبهة البوليساريو والجزائر باستئناف الزيارات العائلية ومواصلة تحضيرات بناء الطريق البري بين تندوف ومدن الصحراء المغربية وذلك في جولة المفاوضات التي تمت في اليومين الماضيين، وهذا القبول في حد ذاته مؤشر على الوضع في العيون والصحراء، هو على خلاف ما يروج له من قبل وسائل الدعاية الانفصالية، والتي تعمل على تقديم صورة سوداوية قوامها قتلى ومئات الجرحى وعشرات المفقودين. ونعتبر أن أداء البوليساريو في جولة المباحثات غير الرسمية حمل دليلا على المأزق الدولي للجبهة وخاصة بعد قبولهم مناقشة المقترح المغربي رغم تعبيرهم عن رفضه، وذلك في ظرفية الأحداث التي عرفتها العيون والتي كانت تحمل توقعات بعدم انتظار أي تنازل من قبل الجبهة من الجولة.ما سبق مجرد عناصر أولية سيؤدي تعميقها إلى تأهيل بلادنا لكسب المعركة الدولية الجارية، والتي تقتضي منا عملا مكثفا على الواجهة البريطانية التي ترأس حاليا مجلس الأمن ولها رصيد في التعامل السياسي مع هذه القضايا من خلال التسوية السياسية لنزاع إيرلندا الشمالية التي كان يطالب الجيش الجمهوري الإيرلندي بانفصالها عن بريطانيا، لكن في المقابل تعرف وجود لوبي قوي مناصر للبوليساريو يدفع القرار السياسي البريطاني حول الصحراء عكس المسار الذي اعتمد لحل المشكلة الايرلندية. أما على المستوى الداخلي فإن المطلوب هو الانكباب على تعزيز مقتضيات دولة الحق والقانون وحل المشكلات الاجتماعية وبدء تقييم عميق لما حصل، إن أحداث العيون فرصة لبدء صفحة جديدة في السياسة المغربية تجاه الصحراء وعلينا أن لا نهدرها.