إن ظاهرة انتقال التدين من جيل إلى آخر شكل محور اهتمام السوسيولوجيا الدينية، إنها تجعل من إمكانية فهم الإستمراريات والقطائع في التدين عند الأفراد أمرا ممكنا، سواء تعلق الأمر بالمعتقدات أو العبادات أو التمثلات الخاصة ببعض القضايا الدينية أو الممارسات الاجتماعية المختلفة، وترسم تطوره عبر الزمن، وقد اهتم الباحثون في علم الاجتماع الديني في الغرب بتأثير الزمن والأجيال على انتقال التدين من جيل لآخر ومن فئة اجتماعية إلى أخرى، وأشارت عدد من الدراسات السوسيولوجيا في الغرب إلى وجود '' أزمة على مستوى نقل القيم الدينية من فئة عمرية إلى آخرى أو بالأحرى من جيل إلى آخر '' (1)، إلا أن الأمر يختلف بالنسبة للمجتمعات الإسلامية وخصوصا المغرب، بالنظر إلى الاختلاف على مستوى السياق التاريخي والحضاري والتجربة التاريخية للمجتمعات الإسلامية في علاقة المجتمع بالدين عن المجتمعات الغربية، وهي علاقة عرفت استمرارية عكس المجتمعات الغربية التي عرفت قطائع، كانت بعض الأحيان حادة في موقع الدين في كل من المجتمع والدولة، وبالتالي لا يمكن إسقاط التجارب الغربية على المجتمعات الإسلامية، وضمنها المغرب.فقد عرف المغرب منذ سنوات السبعينات حركية دالة على مستوى التدين في المغرب، ارتبطت بسياق معقد من التحولات ذات العوامل الداخلية والخارجية، أثر في علاقة المغاربة بالتدين، بحيث تبرز عدد من العوامل الفاعلة، وهي أولا: تصاعد تأثير الحركات الإسلامية، التي برزت في الوسط الحضري كتعبير عن التحدي الناتج عن تفكك البنى التقليدية للمجتمع، وكاستجابة لتصاعد تاثير التيار اليساري في فترة السبعينات والثمانينات، الذي كان يحمل مشروعا علمانيا يصل في بعض الأحيان لدى بعض المغالين في هذا التيار إلى معاداة القيم الإسلامية، الأمر الذي دفع ببعض النخب الإسلامية إلى الاستجابة لهذين التحديين: العلمنة وتفكك البنى التقليدية، ثم على المستوى الخارجي مع الأحداث التي عرفها العالم الإسلامي، خصوصا فشل التيار القومي، ثم بروز الثورة الإيرانية، ثانيا: تعميم التمدرس مكنت فئات عريضة من اكتساب المعارف الدينية، وقد استفاد منه بشكل خاص العنصر النسوي، مقارنة بسنوات المنع التي كانت تطال تعليم المرأة في المجتمع المغربي التقليدي، وثالثا: دخول العولمة على الخط، وانفتاح المغرب بحكم موقعه الجغرافي على العالم، وتطور الوسائل التكنولوجية واكتساحها أدى إلى ولوج أسهل إلى المعارف والمعلومات والمرجعيات المختلفة وتأثير ذلك على أنماط السلوك والتدين. ومن جهة أخرى، تفيد بعض التمثلات الاجتماعية السائدة التي تدخل في باب الفهم العامي َّمََّ كٍٍَُِّ بأن تدين المغاربة أقل من تدين الجيل السابق، كما أنه يفيد بأن تدين الشباب أقل بكثير من الفئات العمرية الكبيرة، وبأن تدين النساء أقل من تدين الرجال، في حين أن مثل هذه المقولات ليست مبرهنة من الناحية النظرية والواقعية، بحيث إن الدراسات السوسيولوجية التي أنجزت في المغرب خلال السنوات الأخيرة تبرز نتائج ومعطيات مختلفة عن تلك التي يعطيها الفهم العامي، والتي تكون في أغلب الأحيان عبارة عن انطباعات غير مؤسسة من الناحية العلمية والواقعية. ولهذا فلا غنى عن الدراسات الميدانية، الكمية والكيفية لدراسة التدين في المجتمع المغربي، بغض النظر عن الملاحظات النقدية التي يمكن توجيهها إلى هذه الدراسات. تركيزنا في هذه الورقة سيكون بالأساس على قياس أثر كل من السن والجنس على تدين المغاربة، وذلك بالاعتماد على الدراسات السوسيولوجية التي أنجزت خلال الخمس سنوات الأخيرة، وقياس مدى تأثير متغير السن والجنس على التدين باعتباره متغيرا تفسيريا، وهو ما سيسمح بالخروج باستنتاجات وخلاصات على إمكانية وجود فروق على مستوى التمثلات والسلوكات الدينية للمغاربة في علاقتهم بالتدين. سيتم عرض نتائج ثلاثة دراسات سوسيولوجية ميدانية حديثة (البحث الوطني حول القيم ,2005 الإسلام اليومي، ,2007 تقرير غالوب 2010)، والتي تعتبر من أفضل الدراسات التي تعرض لأهم المؤشرات الكمية الخاصة بالتدين في المغرب خلال السنوات الأخيرة، وسنكتفي فقط بالتركيز على مؤشرين أساسيين، (العبادات واداء الشعائر الدينية وموقع المرجعية الإسلامية ضمن الهوية الفردية والإجتماعية، ومؤشر مصادر المعلومة الدينية). للإطلاع على الملف اضغط هنا