هناك أشياء تقع في المغرب اليوم لا تجد تفسيرا، إلا أن يكون وراءها مغامرون يقامرون بمستقبل هذا البلد ضدا على قيمه وثوابته وسمعته ورصيده التاريخي والحضاري. بالأمس القريب، حذرنا من أن يتحول المغرب إلى قبلة للقمار الدولي، ووقفنا على الخطورة التي يمثلها تنظيم مسابقات ل البوكير الدولي في مراكش، وما يرافقها من استقطاب للاعبي القمار الدوليين والحملة الإعلامية الدعائية التي تصاحب مثل هذه التظاهرات، وأثر ذلك كله على سمعة المغرب البلد الإسلامي . طبعا، لا السلطة عبرت عن موقفها، ولا الذين يتكلمون أحيانا نيابة عنها، حددوا موقفهم مما يجري. فقط ما يتم الدفع به في الموضوع، كون هذه التظاهرات تندرج ضمن تنشيط السياحة في المغرب، كما لو كان المسلك الوحيد لتنشيط هذه السياحة يمر بالضروررة من طريق نسف القيم ومعاكستها والإتيان على ما تبقى من سمعة المغرب ورصيده الحضاري. اليوم، تأخذ القضية بعدا آخر، إذ لم يعد الأمر مقتصرا فقط على تنظيم التظاهرات الدولية للبوكير وغيره من أنواع القمار، ولكنه تعداه إلى تأثيت فضاء القمار بجلب ممثلتين من ألمع نجوم البورنوغرافيا، ويتعلق الأمر ب فربجين كابريس، وجونيفير فافيي، وإغراء الناس بالمشاركة في ست بطولات تقام في مراكش ما بين 30 شتنبر و30 أكتوبر، مع ضمان النقل من باريس إلى مراكش بالإضافة إلى توفير فندق من خمس نجوم للمشاركين، على أن يحظى الفائز بمصاحبة إحدى الممثلتين في ليال ساخنة أو مجالسة على جنبات المسبح!! القضية اليوم أصبحت خطيرة بكل الأبعاد، إذ أن أبسط ما يوحي به هذا الحدث إن تحقق، هو أن المغرب -البلد الإسلامي- ليست لديه أي مشكلة في استقطاب ممثلات للبورنوغرافيا، أو أنه لم تعد له أي سلطة على منظمي هذه الظاهرات، الذين لا يستحضرون ثقافة هذا البلد ولا هويته ولا مرجعيته ولا خصويته الدينية. وفي الحالتين معا، فإن الأمر يتعلق بوجود جهات لا تهمها قيم المغرب ولا رصيده الحضاري والتاريخي ولا تهمها عقيدة هذا الشعب ولا ثوابته الدينية، ما دام أن مصلحتها تقتضي أن يتحول المغرب إلى هذه الوجهة الخطيرة، إذ ما كان لفندق السعديين أن يتمادى في تنظيم مثل هذه التظاهرات، وما كان له أن يقدم في خطوة جريئة على استقطاب ممثلات البورنوغرافيا، لو لم يجد من يسنده ويدعمه في ذلك. من المؤكد أن هناك ضغوطا للوبيات القمار الدولي، ومن المؤكد أيضا أن هناك ضغوطا دولية أخرى تريد من المغرب -البلد الإسلامي- أن يمثل نموذجا ل الانفتاح في العالم العربي والإسلامي، بما يجعله بوابة ومعبرا للتغيير الثقافي والقيمي في بقية البلدان العربية والإسلامية، لكن ذلك كله، لا يمكن أن يتم من غير وجود جهات داخل السلطة تساير هذه الضغوط وتعمل على التمكين لهذا المسار المدمر، ولو كان ذلك ضدا على كل الجهود الرسمية التي بذلت على مستوى تحصين عقيدة المسلم وثوابته وقيمه الدينية. إن التناقض الذي نشهده بين سياسات رسمية، تعلن الحرص على تحصين الثوابت والقيم الإسلامية، وبين سياسات تجري على الأرض تفتح المجال لأن يتحول المغرب، ليس فقط إلى قبلة للقمار الدولي، ولكن هذه المرة إلى قبلة ممثلات البورنوغرافيا، إن هذا التناقض يدفع لطرح سؤال: إلى أين يسير المغرب؟ ومن يريد أن يشوه سمعته؟ إن مثل هذه الوقائع تؤشر على وجود تحديات حقيقية تواجه الوضع القيمي في المغرب، وأنها في ظل غياب رد فعل قوي من قبل العلماء والدعاة والمثقفين والسياسيين والمربين والفاعلين المدنيين، فإن الوضع سيزداد تفاقما وسيصير المغرب غير قادر على مواجهة تداعيات مثل هذه الظواهر. إن حالة الصمت اتجاه هذه الوقائع لا تعني أن العلماء والدعاة والمثقفين والمربين والسياسيين والفاعلين المدنيين يقبلون بهذا الوضع ويتمنون أن يسير المغرب قدما فيه، حتى يصبح نموذجا لالحداثة، بقدر ما يعني أن هناك حالة من الالتباس لدى كثير من الفاعلين حول موقع البعد القيمي والبعد السياسي والبعد الاقتصادي في الصراع، ويوم ينزاح هذا الالتباس، ويتضح بأن كثيرا من بؤر الصراع تمارس أولا في المجال القيمي، حينها سيحرر كثير من هؤلاء الفاعلين المعنى الحقيقي للحداثة، وسيصير لديهم النضال من أجل الانتقال الديمقراطي غير منفك عن النضال من أجل تحصين القيم والحفاظ على الثوابت. مؤكد أن المضي في هذا المسار المدمر سيدفع بالكثير من هؤلاء الفاعلين إلى الوصول إلى هذه الحقيقة، لكن الخوف من أن يكون توقيت هذا الوعي متأخرا، إذ أن أي تأخير من شأنه أن يدفع بمسار القيم إلى مزيد من الانحطاط، وهو الأمر الذي سيكون في مصلحة المفسدين الذين يتخذون من إفساد القيم طريقا إلى الانتفاع الاقتصادي وتحسين مواقعم في مربع السلطة.