الخط : إستمع للمقال في عملية أمنية نوعية، تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية، بتنسيق وثيق مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ودعم من الفرقة الجوية التابعة للدرك الملكي، من إحباط مخطط إرهابي وشيك في منطقة حد السوالم بإقليم برشيد. العملية التي جرت فجر الأحد 26 يناير، تُبرز مرة أخرى الكفاءة العالية واليقظة الأمنية التي أصبحت علامة فارقة للمملكة المغربية في مواجهة التهديدات الإرهابية، وذلك بفضل استراتيجية استباقية يقودها عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني. في تفاصيل العملية، تمكنت الأجهزة الأمنية من توقيف أربعة عناصر متطرفة موالية لتنظيم "داعش"، كانت في مرحلة متقدمة من الإعداد لتنفيذ هجمات إرهابية باستخدام مواد كيميائية وأسلحة بدائية. التحريات كشفت عن تسجيلات فيديو توثق ولاءهم للتنظيم، ورسومات تخطيطية للأهداف المستهدفة. من بين المحجوزات، وُجدت أنشودة مكتوبة بخط خاصة بالجهاد والتحريض على دحر اليهود، تعود في الأصل لقيادي سابق في تنظيم "القاعدة" الإرهابي، بايع تنظيم "داعش" الإرهابي بعد ذلك، مما يكشف حجم التشبع الفكري لهؤلاء العناصر بأيديولوجيات دموية عابرة للحدود. هذا إلى جانب مواد خطيرة لصنع المتفجرات ورسومات للمواقع المستهدفة والمسارات التي كانوا يعزمون سلكها لتنفيذ عمليات التفجير. الأنشودة الإرهابية بعنوان "سلكت طريقي ولا لن احيد" تعود ل "غالب باقعيطي" المعروف بلقب "أبو هاجر الحضرمي"، الذي قُتل في إحدى الغارات التي شنتها الطائرات الأمريكية بدون طيار في اليمن سنة 2015 والذي رثاه تنظيم "داعش" الإرهابية معلنا أن الحضرمي بايع التنظيم وغنى له. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: كيف تنشأ مثل هذه الخلايا في ظل مجتمع يسعى جاهدا لتحقيق الاستقرار والتنمية؟ الإجابة، للأسف، ترتبط ببيئة فكرية مسمومة تغذيها خطابات تحريضية من شخصيات سياسية ودينية وإعلامية تتجاهل مسؤولياتها تجاه أمن الوطن. فبعيدا عن التهديد المباشر الذي تمثله هذه الخلايا، يبرز خطر آخر لا يقل شأنا وهو الخطاب التحريضي. تصريحات مثل تلك التي أطلقها عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في الآونة الأخيرة، والتي دعا فيها إلى "تربية الأبناء على الجهاد"، تعكس ذهنية تستغل الدين لبث الخوف وتأجيج الانقسام. عندما يصبح الجهاد شعارا سياسيا، فإننا نفتح الباب على مصراعيه أمام تفسير خاطئ يبرر العنف. هدا التطبيع مع الارهاب لا يقتصر على التيارات الإسلامية فحسب، بل وصل الأمر الي اليسار أيضا، فالكل يتذكر تصريح خطير لليسارية "الداعشية" نبيلة منيب الذي طالبت فيه ومن داخل مؤسسة البرلمان، أن يقوم الأئمة بتجنيد وتحريض المغاربة على "الجهاد" في فلسطين... بنفس الطريقة التي تم بها تجنيد الإرهابيين للذهاب إلى أفغانستان في المقابل، لا يقتصر الخطر على التحريض فقط، بل يتجاوزه إلى خطاب التشكيك الذي يصف العمليات الأمنية ب"المسرحيات"، كما يروج له بعض الأصوات التي تسعى لضرب الثقة بين المواطن ومؤسساته. هذا النوع من الخطاب يُضعف الجبهة الداخلية ويُتيح بيئة مواتية للتطرف. ضمن هذا السياق، يبرز مثال حميد المهداوي، الذي تجاوز دور "الصحفي" المزعوم إلى بوق لقوى الظلام والدم لتبرير الإرهاب. ففي إحدى خرجاته الأخيرة، برر المهداوي الدعوة إلى ذبح المفكر أحمد عصيد، محملا هذا الأخير مسؤولية "استفزاز الناس". هذا الخطاب لا يكتفي بإيجاد الأعذار للمجرمين، بل يشرعن العنف ويوفر غطاء فكريا للأفعال الإرهابية. الأخطر أن المهداوي، الذي يدعي رفض التطرف، لم يكتف بالسعي إلى إيجاد مبررات للجاني ولجريمته، وإنما سعى بشكل ضمني إلى شرعنة كل ردود الأفعال الجرمية المماثلة التي قد تصدر في المستقبل في حق أشخاص يعتبرهم المسؤولين عن هذه الجرائم لمجرد أنهم عبروا عن آراء. في المقابل عندما يتعرض هو فقط للانتقاد وليس حتى للتحريض، يشهر ورقة الضحية ويدعو السلطات إلى اعتقال من ينتقدونه بدعوى أنهم يشهرون به. التناقض في مواقفه يعكس خطرا مضاعفا: خطابا يضفي الشرعية على الإرهاب من جهة، ويستهدف مصداقية المؤسسات الأمنية من جهة أخرى. هذا النهج يساهم في تأجيج بيئة التطرف التي تُنتج أجيالا جديدة من الإرهابيين المحتملين. الأدهى من ذلك هو الإشادة العلنية بعمليات إرهابية، كما فعل قياديون في جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية عندما باركوا عملية الطعن في تل أبيب. حسن بناجح، القيادي بجماعة العدل والإحسان، وعادل الصغير، الكاتب الوطني لشبيبة "البيجيدي"، وغيرهم، تجاوزوا كل الخطوط الحمراء بتحويل العنف إلى فعل بطولي. هذه التصريحات ليست مجرد كلمات؛ بل وقود يشعل التطرف ويُغذي أجيالا جديدة تعتقد أن الإرهاب وسيلة مشروعة. إن الإرهاب لا ينشأ من فراغ. البيئة التي تُنتج متطرفين تبدأ بخطاب تحريضي، تمرر الكراهية عبر وسائل الإعلام والمنصات الاجتماعية، وتنتهي بخلايا إرهابية جاهزة للتنفيذ. عملية حد السوالم كشفت عن هذا الترابط العميق بين الفكر المتطرف والخطر الأمني. لذلك، فإن مواجهة الإرهاب لا تقتصر على تفكيك الخلايا؛ بل تمتد إلى محاربة الأفكار التي تدفع الشباب إلى أحضان التطرف. يبقى الدور الأمني في المغرب مثالا يُحتذى به، لكن النجاح الحقيقي لا يتحقق إلا بتعاون المجتمع. التصدي لخطابات التحريض والتشكيك يتطلب وعيا جماعيا، وإدراكا بأن الأمن ليس مهمة الدولة فقط؛ بل واجب وطني يتحمله الجميع. إذا أردنا حماية وطننا من خطر الإرهاب، يجب أن نواجه البيئة الفكرية التي تُنتجه بشجاعة، وأن نحاسب كل من يُشيد بالعنف أو يُقلل من أهمية الجهود الأمنية. فالإرهاب ليس مجرد فعل فردي؛ بل منظومة تبدأ بالكلمة ولا تنتهي عند القنبلة. الوسوم إرهاب العدل والإحسان بن كيران بوغطاط المغربي حد سوالم