يأتي في علاقة بغسل الرجلين، المسحُ على الخفَّين، باعتبار المسح بدلا عن غسلهما في حال لبسهما، ورخصة نبوية، وعلامة مميزة وفارقة بين أهل السنة وأهل البدعة وخصوصا منهم الشيعة والخوارج الذين لا يقولون بالمسح عليهما، والخف ما يلبس في الرجل من الجلود. وقد ثبتت مشروعية المسح على الخفين بالسنة الصحيحة، وهناك من ذهب إلى ثبوت مسحهما بالقرآن أيضا، أخذا بقراءة الجر لحرف اللام في أرجلكم من قول تعالى: وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ، فقالوا إن قراءة الجر تدل على المسح، وذلك بتنزيل كل قراءة على حال، فقراءة النصب تنزل على حالة القدم المكشوفة فيجب فيها الغسل .وقراءة الجر تنزل على حالة القدم المستورة بالخف فيكون فرضها المسح . وأما السنة فقد تواترت في جواز المسح على الخفين، ونقل ابن قدامة في الشرح الكبير 1 / 148 قول الإمام أحمد رحمه الله: ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلّم وقول الحسنحدثني سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم أنه عليه الصلاة والسلام مسح على الخفين. واتفق على ذلك الأئمة الأربعة وأكثر أهل العلم، وقال الباجي:أن مالكا منعه أولا على وجه الكراهة لما لم ير أهل المدينة يمسحون، ثم رأى الآثار فأباح المسح على الإطلاق. ومن بعض ما ورد في السنة من ذلك: ما رواه البخاري وغيره بسنده عن عروة بن المغيرة عن أبيه رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في سفر، فقال: أمعك ماء ؟ قلت: نعم، فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى عني في سواد الليل، ثم جاء فأفرغت عليه الإداوة، فغسل وجهه ويديه، وعليه جبة من صوف فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة فغسل ذراعيه، ثم مسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما وروى مسلم عن همام قال: بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل: تفعل هذا؟ فقال: نعم، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه قال الأعمش قال إبراهيم كان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة . بمعنى اطمأنوا إلى أن المسح على الخفين غير منسوخ بآية غسل الرجلين الموجودة في سورة المائدة وبأن السنة بيان لجواز المسح في حال لبس الخف. قال النووي في شرحه على مسلم تعليقا على الحديث فَلَوْ كَانَ إِسْلَام جَرِير مُتَقَدِّمًا عَلَى نُزُول الْمَائِدَة لَاحْتَمَلَ كَوْن حَدِيثه فِي مَسْح الْخُفّ مَنْسُوخًا بِآيَةِ الْمَائِدَة ، فَلَمَّا كَانَ إِسْلَامه مُتَأَخِّرًا عَلِمْنَا أَنَّ حَدِيثه يُعْمَل بِهِ ، وَهُوَ مُبَيِّن أَنَّ الْمُرَاد بِآيَةِ الْمَائِدَة غَيْر صَاحِب الْخُفّ فَتَكُون السُّنَّة مُخَصِّصَة لِلْآيَةِ . ومن أحكام الأخذ برخصة المسح على الخفين: - أن يلبسهما المكلف على طهارة. لحديث المغيرة المذكور أعلاه.(وعند المالكية أن تكون طهارة مائية لا ترابية) - أن يكون الخفان طاهرين، إذ لو كانت بهما نجاسة لا تصح الصلاة. - أن يكونا ساترين للقدم حتى الكعبين، لأنه كذلك كان الخفان اللذان مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم. - واشترط المالكية أن يكون الخف من جلد، وأن يكون من جلد طاهر احترازا من جلد الميتة لأنه عندهم نجس وإن دبغ إلا جلد الحمار عندهم يطهره الدبغ. - أن يكون مخروزا وليس قطعة واحدة، ويستر الكعبين ولا يكون عليه حائل من شمع أو خرقة. - التزام المدة المحددة للمسح، والتي سنراها في الحلقة المقبلة.