تواترت في الآونة الأخيرة الدراسات التي تقارب ظاهرة القمار، وتبحث في أسبابها وآثارها النفسية والاجتماعية وعلاقتها بالصحة العمومية، وظهرت دراسات أخرى، تبحث قضية الإدمان على القمار ومحدداته ووتيرته والآثار النفسية والاجتماعية له، وتحاول أن تحدد العوامل التي تفسره وتغذيه والكلفة النفسية والاجتماعية التي يتسبب فيها، كما ظهرت دراسات أخرى، تتناول دور مؤسسات القمار، وبشكل خاص آلات اللعب والكازينوهات، في توسيع خارطة الاستهداف ونقل المقامرين المؤقتين إلى مقامرين منتظمين، ونقل المنتظمين منهم إلى مدمنين. ولئن كانت هذه الدراسات كثيرة ومتعددة الزوايا في المراكز البحثية في الغرب (أمريكا وإنجلترا وألمانيا...) فإن الدراسات في المغرب في هذا الموضوع قليلة جدا. وسنقتصر في هذا الملف على عرض خلاصات دراستين مهمتين واحدة مغربية تدرس ظاهرة الإدمان على القمار ووتيرته والعوامل التي تفسره، والثانية غربية تتناول بالتحديد الآثار الاجتماعية للقمار ومسؤولية مؤسسات القمار في توسيع شريحة المقامرين. الدراسة الأولى: 53 في المائة من عينة 243 من المقامرين مصابة بالإدمان على القمار وهي دراسة أصدرها ثلة من الدكاترة المتخصصين في المركز الجامعي للطب النفسي ابن رشد الدارالبيضاء(الدكتورة سمية برادة وكل من الدكتور الرشيدي والدكتور الكناوي والدكتور أكوب والدكتور إدريس الموساوي والدكتور بتاس) عن وتيرة الإدمان على القمار، وخطورة العوامل المؤدية إليه في عينة من المقامرين بالدارالبيضاء المغرب نشر ملخص عنها على الانترنت باللغة الإنجليزية في شهر دجنبر .2009 وقد انطلقت الدراسة من تحديد مفهوم الإدمان على القمار معتبرة إياه يمثل اضطرابا نفسيا كبيرا ومشكلة تواجه الصحة العمومية في المغرب، حيث اعتبرت أن هذا الموضوع استأثر باهتمام كبير في السنوات القليلة الأخيرة، وأن المشاكل الناجمة عن الإدمان على القمار خطيرة وتتزايد بشكل جدي. وقد تم إنجازه الدراسة في الدارالبيضاء على عينة من المقامرين من مختلف المستويات وذلك لقياس وتيرة مرض القمار في المغرب وتحديد عوامل الخطر وكذلك العوامل السوسيوثقافية المرتبطة بهذه الظاهرة. وقد تم تجميع المعطيات الإحصائية من خلال عينة من المقامرين بالدارالبيضاء واعتماد استمارة تتضمن العديد من الأسئلة التي تتيح جمع المعطيات المتعلقة بالخصائص السوسيوديموغرافية، وكذا ما يتعلق بإدمان المخدرات، وما يتعلق بتاريخ المرض النفسي والوضعية القانونية. ولقد اعتمدت الدراسة في الكشف والتشخيص المرضي للمقامرين عبر استعمال الاستمارة المعروفة باسم (سُُِّّو دفًَّ افٍقٌىَه سكْممَ (سدس) والتي تم ترجمتها إلى اللغة العربية وذلك للاستجابة لحاجيات الدراسة. وتضم هذه الاستمارة 16 سؤالا، عن نوع القمار الذي يمارسه المستجوب في حياته، ومقدار المال الذي قامر به والمشاكل التي تحدث بسبب القمار مع أفراد الأسرة أو العائلة أو الجوار،هذا فضلا عن أسئلة أخرى تمكن من معرفة وتيرة الإدمان وأسبابه ومحدداته، وتيرة الإدمان وآثاره النفسية والمجتمعية. وقد تم الانطلاق أولا من عينة تضم 243 مستجوب، ثم بعد ذلك تم الإبقاء على 200 مستجوب (التي تشكل 82 في المائة من العينة) تضم مستويات مختلفة من حيث الدخل والمستوى تعليمي، حيث عبر 36 في المائة ممن تمت مقابلتهم أن دخلهم الشهري أقل من 2000 درهم. وقد كشفت الدراسة أن وتيرة الإدمان بالقمار هي 53 في المائة من مجموع المقامرين، أي أن أكثر من نصف العينة مصاب بمرض الإدمان على القمار، كما انتهت إلى أن القمار من نوع سباق الخيل وسباق الكلاب تشكل أكثر أنواع القمار استعمالا من قبل هذه العينة بنسبة 91 في المائة بالنسبة إلى مسابقات الخيول، و 60 في المائة بالنسبة إلى مسابقات الكلاب.وأظهرت الدراسة أن الأكثر تعرضا لخطر الإصابة بمرض الإدمان عل القمار هم الفئات التالية: الأشخاص الذين لهم مستوى تعليمي ابتدائي أو أقل، والأشخاص الدين لهم دخل أقل من 5000 درهم، والأشخاص الذين لهم سجل في المرض النفسي، ثم الأشخاص المدمنين على المخدرات. وقد أوصت الدراسة ضمن خلاصاتها بضرورة إجراء دراسات أخرى حول استهداف القمار للمجتمع والاستفسار عن مدى انتشاره ، وعوامل الخطر الناتجة عنه وخصائصه وكذلك الأمراض النفسية التي يتسبب فيها. الدراسة الثانية: الكازيونهاتتتسبب في نشر القمار ومضاعفة مشاكله في محيط 50 كيلومتر وهي دراسة في البحث عن الآثار الاجتماعية للقمار أنجزها الدكتور جيردا ريث في جامعة كلاسغو بشراكة مع المركز السكوتلاندي للأبحاث الاجتماعية سنة 2006 وهي دراسة حول ظاهرة القمار في بريطانيا عموما وسكوتلاندا خاصة، قد انطلقت الدراسة من تحديد المشكلة باعتبارها سلوكا خارج نطاق السيطرة ، واعتبرت أن من بين أهم الآثار الاجتماعية للقمار تعطيل الشخصية والتسبب في المشاكل العائلية والمالية وعلاقات العمل هذا فضلا عن والطلاق،وفقدان الإنتاجية ، والجريمة مثل السرقة والغش. وأشارت الدراسة إلى أن من بين الآثار الاجتماعية للقمار بروز بعض المشاكل النفسية من قبيل الاكتئاب والنزوع نحو الانتحار. واعتبرت أن سبب هذه الآثار يرجع أساسا إلى المشاكل المالية مثل الديون والإفلاس . وقد انتهت الدراسة التي اعتمدت تقنية الإحصاء والمقابلة والبحث الميداني (حول الكازينوهات) وتجميع المعطيات وتحليلها وفقا للاستبيانات العلمية المعمول بها في الدراسات الاجتماعية إلى الخلاصات التالية: - أن 6,0 إلى 8,0 من السكان البالغين في بريطانيا يتعرضون لمشكلة الإدمان على القمار، أي ما بين 275000 إلى 370000 نسمة، وأن سكوتلاندا تعرف نفس النسبة المائوية . - أن الفئات الاجتماعية المحرومة والتي تعاني من الفقر والبطالة وغياب الراعية الاجتماعية وانخفاض مستويات التعليم، وضعف الدخل هي الأكثر تعرضا للمعاناة السلبية للقمار. وأن الذكور من الفئة العمرية أقل من 35 سنة من الذين ينتمون إلى البلدان النامية هم الأكثر عرضة للإدمان على القمار، وأن المدمنين على القمار هم الأكثر عرضة للإدمان على المخدرات والكحول والسجائر. - رغم أن أفراد هذه المجموعات لا تنفق مزيدا من الأموال على أنواع من القمار، إلا أنها تنفق أكثر مما ينفقه اللاعبون الأثرياء. - إن نشر آلات القمار في كل أنحاء المجتمع يسبب في تنامي ظاهرة القمار وانتشاره وتوسيع دائرة المدمنين عليه. - أن حوالي 3 في المائة من السكان البالغين في بريطانيا يمارسون القمار في الكازينوهات أي أن ربع واحد في المائة من البريطانيين مصاب بالإدمان على القمار، وأن هذه النسبة مرشحة للارتفاع إلى ما بين 5 إلى 8 في المائة بسبب التشريعات الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ. - رغم أن الكازينوهات هي الشكل الأكثر شعبية لممارسة القمار إلا أن أفراد الطبقة الاجتماعية العليا هم الطين يترردون بشكل أكبر عليها. فيما لا يتردد كثيرا الأفراد ذوي الدخل المنخفض أو ذوي مستويات تعليمية منخفضة على الكازينوهات، ومع ذلك فإن هذهخ الفئة تعامي من مشاكل الإدمان على القمار. - في بريطانيا هناك مجموعتان متميزتان ممن يعاني من مشاكل الإدمان على القمار في الكازينوهات: المتقاعدين الذكور الذين تزيد أعمارهم عن الأربعين خاصة من أصل صيني، والذكور العاطلين عن العمل ممن لا يتجاوز سنهم 31 سنة. - المدمنون على القمار هم الأكثر استهلاكا للخمور والتبغ بالمقارنة مع غير المدمنين. - القرب من الكازينوهات يتسبب في مضاعفة مشكلة الإدمان على القمار بالنسبة للسكان المجاورين للكازينو. - السكان الذين يسكنون بجوار الكازينو أو يقعون في مسافة أقل من 50 ميلا متر منه معرضون أكثر من غيرهم إلى أن يصبحوا مقامرين. - وبخصوص علاقة الكازينوهات بالجريمة، خلصت الدراسة أنه لم تظهر مؤشرات تثبت زيادة الجريمة بالنسبة إلى الأفراد داخل الكازينوهات، لكنها تظهر في المقابل زيادة الجريمة في محيطه، أي في الأحياء المجاورة، وترجع الدراسة ذلك إلى إمكانية أن يكون جلب الكازينوهات لعدد كبير من السكان قد يكون سببا في ارتكاب جرائم. - الكازينوهات تسبب في بروز أنواع معينة من الجرائم مثل السطو، وأن جرائم العنف والجرائم المعروفة في الشوارع لا تظهر في الكازيونهات ومحيطها بسبب تدابير الأمن والتنمية التي تعرفها المناطق المحيطة بالكازينو. خلاصات من الدراستين رغم اختلاف السياقين في الدراسة المغربية والدراسة البريطانية، إلا أنهما انتهتا إلى بعض الخلاصات المشتركة ومنها: 1 أن الأكثر تعرضا للإدمان على القمار هم الفئات الأقل دخلا والأقل تعليما. 2 أن نسبة كبيرة من المقامرين (اللاعبين)يصبحون بالضرورة مدمنين على القمار. 3 أن الإدمان على القمار يتسبب في جملة من الآثار النفسية والاجتماعية ذات الكلفة الكبيرة على الصحة العمومية وعلى الأمن الاجتماعي. 4 أن الإدمان على القمار يتسبب في التفكك الأسري (الطلاق) والمشاكل الأسرية والعائلية، كما يتسبب في بروز أنواع من الجرائم، هذا فضلا عن المشاكل النفسية (الاكتئاب، وبروز نفسية الانتحار). لكن المثير في الدراسة المغربية، هو ما يتعلق بأنواع القمار المستعملة عند العينة موضوع التشخيص، إذ أن الغالبية العظمى من المستجوبين 91 في المائة، أكدت أنها تمارس لعبة قمار من نوع مسابقة الخيل، فيما عبرت 60 في المائة أنها تمارس لعبة القمار من نوع مسابقة الكلاب، وهي نسبة جد مرتفعة بالمقارنة مع كل الأرقام التي ساقتها الدراسة البريطانية. وإذا كان من المتعذر حاليا في الحالة المغربية دراسة الآثار الاجتماعية التي تتسبب فيها الكازيونهات ودورها في نشر القمار في محيطها الجغرافي، فإن الطريقة التي تدار بها هذه المؤسسات القمارية في المغرب تؤشر على أن النتائج ستكون مختلفة تماما عن الحالة البريطانية فيما يخص الشريحة التي تتردد على الكازينوهات، والجرائم التي يمكن أن تتسبب فيها، لاسيما وأن سياسة هذه الكازيونهات تميل إلى توسيع دائرة الاستهداف وعدم الاقتصار على شريحة ذوي الدخل المرتفع أو المتوسط، فنموذج كازينو مازاكان يعطي صورة عن سياسة توسيع هذا الكازينو لخارطة المقامرين واستهداف الطبقة الوسطى والطبقات ذات الدخل المنخفض. فباستثناء لعبة البوكير التي تخصص في العادة للاعبين الأثرياء (حدد الكازينو مبلغ 1000 درهم للدخول إلى قاعة اللعبة والمشاركة فيها)، فإن الكازينو أتاح إمكانية واسعة لمشاركة الفئات ذات الدخل المتوسط والمنخفض، وذلك من خلال آلت القطع النقدية (يعرض كازينو مازاكان 410 آلة قمار تستعمل القطع النقدية تتراوح مبلغ المشاركة فيها من درهم واحد إلى 500 درهم) ولعب الطاولة ( يعرض الكازينو60 طاولة لعب تستعمل تذاكر وقطع نقدية تبتدئ كلفتها من 25 درهم فما فوق) كما يتيح للاعبين الذين يملكون بطاقة نادي فارس امتيازات تندرج كلها ليس فقط في إطار الدفع باللاعب إلى الإدمان، ولكن أيضا في جلب زبناء آخرين إلى ممارسة القمار، إذ تتيح هذه البطاقة جملة من الامتيازات من بينها (اصطحاب صديق، ومنح الاثنين معا وجبة مجانية). والمثير أكثر في الحالة المغربية، هو الرهان الاستراتيجي على توسيع دائرة اللاعبين في القمار بما يعني تحويل اللاعبين إلى منتظمين في لعب القمار، وتحويل المنتظمين إلى مدمنين، فالشركة المغربية للألعاب والرياضات مثلا تنوع في كل مرحلة من منتوجاتها وتدخل منتوجات جديدة (آخرها لعبة بٍف في سنة 2010)، وتظهر أرقام معاملاتها المالية حجم توسع هذه اللب واستهدافها كل الشرائح خاصة منها ذات الدخل المنخفض والمتوسط ف ما بين 2001 و 2008 لنخلص إلى أهدافها الاستراتيجية ، فقد تضاعفت من 110 مليون درهم قبل 2001 إلى 250 مليون درهم، ليتضاعف الرقم أكثر من ثلاث مرات ويصل إلى 360 مليون درهم سنة 2008 وقد أعلنت الشركة بعد ذلك نيتها في رفع هذا الرقم إلى 380 مليون درهم، بما يعني توسيع الشريحة المستهدفة من خلال: زيادة نسبة اللاعبين المنتظمين الذين وصل عددهم مليون لاعب منتظم حسب تقرير الشركة لسنة ,2008 وزيادة نسبة اللاعبين المؤقتين الذي وصل عددهم مليوني لاعب، وزيادة عدد المدمنين الذين ينفقون 15 إلى 20 ألف درهم سنويا في القمار، وقد ينفقون في بعض الأحيان 80 ألف درهم! فحسب الأرقام التي أعلن عنها المدير التنفيذي للشركة والتي تتحدث عن مشاركة عشر المغاربة في ألعاب القمار (6,3 مليون مغربي سنة 2008)، ستتضاعف في السنوات المقبلة ما دامت تتضاعف أصلا عند الإعلان عن الجائزة الكبرى، وما دامت الشركة أصلا تنوع من منتوجاتها وتجتهد لتقريب القمار إلى المواطنين وتيسير عملية الولوج إليه، فهي كل سنة تقيم المنتوجات السابقة وتقدم منتوجا جديدا يضم مشاركة أوسع شريحة اجتماعية لاسيما وأن المابلغ التي يصرفها المدمنون خ حسب نفس التقرير- تصل إلى 80 ألف درهم سنويا، إلى درجة أن المدير التنفيذي اضطر عند ذكرها أن يشير إلى محاولات الشركة إقناع هؤلاء بالعدول عن هذا المسار معترفا بالآثار الاجتماعية الكارثية للإدمان على القمار. ما يلاحظ على هذا التقرير أن المدير التنفيذي للشركة لم يورد أرقام هؤلاء المدمنين كما فعل بالنسبة إلى اللاعبين المنتظمين والمؤقتين، ولم يكشف عن طبيعة التحذيرات التي توجهها الشركة إلى هؤلاء المدمنين مع أن استراتيجيتها في توسيع معاملاتها المالية وتوسيع دائرة الاستهداف تسير في اتجاه معاكس . هذه الأرقام إن كانت صحيحة ولا تدخل في استراتيجية الدعاية للشركة- يمكن أن تعطي صورة عن أرقام المدمنين بالقمار في حالة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار خلاصات الدراسة المغربية التي تشير إلى أن 53 في المائة من المقامرين مصابون بالإدمان على القمار. وهو ما يعني أن مشكلة الإدمان على القمار تمثل خطرا حقيقيا على الصحة العمومية في المغرب، وأن ما تتسبب فيه من آثار اجتماعية (تفكك أسري- مشاكل في العلاقات الاجتماعية- ضعف الإنتاجية والعمل- الجريمة- الأمراض النفسية- الإهمال الأسري....) له كلفة باهظة تتسبب فيه مؤسسات القمار، وأن الكازينوهات سيكون لها على المدى المتوسط والبعيد آثار خطيرة تتمثل في الانتشار السريع للقمار في المحيط الجغرافي الذي تتموقع فيه وإصابة نسبة كبيرة من المقامرين بالإدمان. فإذا أخذنا بعين الاعتبار وجود خارطة للكازيونهات في المغرب تمتد شمالا (طنجة) وجنوبا (مراكش وأكادير) ووسطا (الجديدة) فإن دائرة الخطر تتسع، ودائرة الاستهداف تتضاعف، ونسبة الإصابة بالإدمان ستكثر بما يعنيه ذلك الكلفة النفسية والاجتماعية الباهضة وما تخلفه من آثار على الصحة العمومية بالمغرب.