أمام مائدة الطعام؛ يتحدث محمد مع أبنائه عن الأرقام التي من شأنها أن تنقلهم مما أسماه عالم الفقر؛ إلى عالم الغنى والمتعة، الكل يقدم مقترحاته، حتى الزوجة، وبالرغم من انشغالها في إعداد المائدة ، قدمت أرقاما من جانبها؛ مشترطة أن يكون لها نصيب وافر في حالة الربح. عائلة محمد مثل العديد من الأسر المغربية التي اخترق القمار بيوتهم بدون إذن؛ عبر وسائل الإعلام المرئية، فكم يحتاج المرء من الوقت حتى يؤكد لهؤلاء أن هذه الألعاب تدخل في خانة القمار، وأن الشريعة الإسلامية حرمتها بشكل مباشر. سلبية المقاهي صارت المقاهي مرتعا للعب القمار أو اليانصيب، ففيها يجتمع الأصدقاء كل مساء لاحتساء القهوى، والجدال عن الأرقام الرابحة، وكم تغمر الفرحة بعضهم حين يربح بعض الآلاف، قد لا تتعدى في معظم الأحيان 2000 درهم ، بعد سنوات من الدفع في أوراق اليانصيب. عادل، شاب في مقتبل العمر، كان يرتاد المقهى المتواجد بجانب بيته في المساء؛ رفقة بعض من أبناء حيه، إلا أنه ما لبت أن أدمن القمار ورفاقه؛ بسبب تعاطي فرد منهم لذلك، واعتبر ذلك سبيلا لتحقيق أحلامه، ووسيلة لاقتناص فرصة الربح؛ من أجل تحقيق ما لم يتحقق بالعمل في الوظيفة العمومية. بدأت القصة بالتجربة، ثم التحدي، لتنتهي به إلى إدمان يصعب التراجع عنه، حيث يجد في القمار متعة تحدي الواقع المزري الذي يعيشه، لينتقل إلى العالم الآخر حيث الفيلا و السيارة.. إلا أنه وبعد مرور سنتين على اللعب المتواصل؛ لم يحالفه الحظ ولو مرة، بل لم يحالف الحظ أيا من رفاقه، فكر أن يوجه هذا المال الضائع إلى طبيب نفساني؛ عسى أن يقلع عن هذه العادة السلبية. حياة لا تطاق تحولت حياة نزهة إلى جحيم بعد اكتشافها أن زوجها يتعاطى للقمار، فأصبحت بين خيارين، بين أن تطلب الطلاق وترتاح من زوج لم تجن من عيشها معه سوى الآلام، وبين العيش مع زوج من أجل الحفاظ على نفسية أبنائها الذين يحبون أباهم رغم كل عيوبه، تقول هذه الزوجة بأسى لا يمكن أن تتصوروا الحالة التي أعيش فيها مع زوج مقامر همه الوحيد هو المال من أجل أن يغدقه على لعبة الحظ التي لا تسمن ولا تغني من جوع، لم تفده كل نصائحي بالابتعاد عن هذه اللعبة المشؤومة التي ليست من ديننا ولا أخلاقنا، تصمت نزهة، لتضيف بانفعال شديد نحلم باليوم الذي تغلق فيه كل المحلات التي تروج للقمار، وأتساءل هل نحن في دولة إسلامية؟ ولماذا يتم الترخيص للقمار؟ بل يتم الإشهار له في التلفزيون، ألم ينتبه المسؤولون إلى هذه الآفة التي تهدد استقرار الأسر فكيف للمرأة أن تنعم بالراحة وتنال حقوقها من رجل مقامر. دوافع اقتصادية يعتبر لعبةالمليونير آخر صيحة في عالم الرهان ذي المستوى العالي، التي طرحتها الشركة المغربية للألعاب و الرياضات المتخصصة في الرهانات الرياضية، والتي أسهمت عام 2006 حسب نشرتها السنوية، في تقديم 7 مليارات سنتيم مغربي؛ كدعم للصندوق الوطني لتنمية الرياضة، ومن المرتقب أن يصل هذا الدعم إلى 100 مليون درهم في أفق موسم ( 2008/ 2009). وإلى جانب هذه الشركة العالية المستوى؛ توجد العديد من شركات اليانصيب المغربي، التي تقتات بشكل يومي من عرق الموظفين الذين لهم دخل محدود؛ ومبتلون بضغف النفس، هؤلاء الذين يبحثون عن الثروة والغنى بطرق سهلة ومحرمة، متناسين أنهم يعيشون في الوهم، الذي قد يؤثر سلبا على استقرار أسرهم التي تصير مهددة بالطلاق و التفكك وتشرد الأبناء، وعلى المجتمع، حيث يصير المدمن على القمار مستعدا لبيع كل شيء في بيته، وارتكاب أي حماقة للخروج من الفقر. الرغبة في الربح يرى الأستاذ محمد بودودو، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، أن ظاهرة القمار ككل الظواهر التي تثير حساسية كبيرة داخل المجتمع، وجدت منذ زمن بعيد، بشكل من الأشكال، بسبب الرغبة في الربح السهل الذي يحرك الجميع؛ إلا من كان لديه وازع أخلاقي قوي، فقط الفرق بين المقامر و الأشخاص العاديين؛ أن هذا الأخير يختار الطريق السريع لمحاولة الاغتناء، وبالتالي؛ فالظاهرة مرتبطة بظهور طابع النقد في العلاقات الاجتماعية والأخلاق، والاندماج في اقتصاد السوق، فقد صار النجاح الاجتماعي في مجتمعنا المعاصر نفسه، مرتبطا بمقياس الماديات، والبريستيج، ومن ثم؛ فمن الطبيعي أن تبرز ظاهرة الرغبة في الربح السريع و القمار وسيلة لذلك، مثلما هو الشأن في ظاهرة الغش.. ويصير الأمر عاديا بسبب انتشار الظاهرة، خاصة حين يتعاطى رب الأسرة للقمار أمام أسرته، فتعتاد هذه الأخيرة على الأمر وتعتبره حلالا، وقد يتعاطى الأبناء أيضا لذلك ، لكن بمستوى أقل، الكرة والطوطو فوت التي تقتات من مال الشباب، والتي يسهم فيها الإعلام بشكل كبير؛ من خلال الإشهار الذي تقدمه بمقابل مادي. وبالرغم من محاولات بعض الآباء اليائسة أحيانا؛ في التصدي لهذه الظاهرة التي صارت منتشرة بمستويات مختلفة، يلجأ الأطفال من خلال بعض الأنواع من اللعب إلى القمار، حيث يسهم المناخ المادي السائد في زمن الحداثة التي جاءت بإيجابياتها وسلبياتها . وتعتبر الحكومة القمار أمرا مشروعا، أوصناعة في إطار الاقتصاد الليبرالي الحر، تدخر لها الأموال الباهظة، لاسيما القمار العالي المستوى، في الكازينوهات والنوادي المتخصصة في ذلك. وللحيلولة دون زيادة انتشار الظاهرة؛ لابد من برامج مضادة لتلك البرامج المشجعة، لأن القمار صار فيروسا نستنشقه عبر وسائل شتى، ما العمل إذن؟ مأسسة لعبة القمار أكد الدكتور نبيل غزوان، أستاذ علم النفس بالمعهد الملكي لتكوين الأطر بالرباط، دكتور في علم النفس الاكلينيكي والاجتماعي، أن الإدمان هو التعود على شيء يكون المدمن على علم بأضراره، وفيما يخص الإدمان على القمار؛ فالأمر مرتبط بالربح وتحقيق النتيجة المادية. وهي لعبة ذات مخاطرة مع القدر، بمعنى أن المدمن على أنواع القمار يضع نصب عينه تحديا للقدر، ويراهن على التحكم فيه، فغرض الفقير من ذلك هو الحصول على الثروة التي هي أقصى مبتغاه من الحياة، وغرض الغني هو محاولة إثبات أن المال لا يشكل قوة بالنسبة له، بل له أن يصرفه أو يحرقه كما يشاء، ففي الأخير هو من يصنعه. من جهة أخرى، فالتعاطي للقمار، أو أي إدمان؛ كالتعاطي للمخدرات و التدخين..، يبدأ من حب الاستطلاع والمعرفة التي هي سمة أي إنسان، إلا أن الإكثار منه، وتسخير المال بشكل مبالغ فيه لذلك؛ يصبح إدمانا يصعب الحياد عنه؛ إلا بالعلاج النفسي، وذلك بتوفير محيط خاص به، خصوصا إذا كان المدمن مستعدا لذلك، إلا أن الصعب في التعاطي للقمار هو العود إليه بعد شهور أو حتى سنوات. من جهة أخرى، المقامر حين يستطيع أن يشعر أنه يقامر بمال من حق أبنائه، فهو يعي بذلك سوء ما يقترف، ويمكنه أن يتراجع، إلا أن الإدمان حالة استهتار يعيشها المعني بالأمر، دون أن يشعر بأي ذنب اتجاه أبنائه، ففي قرارة نفسه أنه يبحث عن الرفاهية لأسرته وأبنائه، حيث يصبح سلوكا مرضيا، ولا يجد المقامر راحته إلا في التعاطي لذلك كنوع من التحدي بهدف ربح الحياة . وتحكم المجتمع علاقات اقتصادية ونوع من التصور، فالقرآن الكريم نهى عن الربا؛ لأنها نوع من المقامرة، وبفتح كازينو للقمار يستطيع المؤسس أن يبرزه كمشروع حضاري، مؤسساتي، اجتماعي، لتوظيف هذا النوع المرضي بإنفاع المجتمع الذي لا يمثل طبعا إلا شريحة معينة، وبالتالي التخفيف من الذنب الذي قد يشعر به المقامر، وهي ما تعتبر خدعة اقتصادية أومؤسساتية، وتوطين الارتباطية المرضية، حيث يصير المقامر مرتبطا بذلك النظام، وهذا الأخير مرتبط بالشخص ذاته، بشكل تدبيري معين. وما نلاحظه أن المقامرين يصرون على إخراج الزكاة، لأن في داخله إحساسا بالذنب لما يفعله، بمعنى أن تلك الزكاة تكفير عن ذنوبه التي يقترفها؛ من خلال تعاطيه للقمار.