بعد غسل اليدين إلى الكوعين تسن المضمضة والاستنشاق والاستنثار، ويقصد بالمضمضة إدخال الماء في الفم، وإدارته فيه، أي خضخضته وتحريكه من شدق إلى شدق ومجه وإخراجه، وأما الاستنشاق وهو إدخال الماء إلى الأنف يجذبه بالنفس إلى داخله. والاستنثار هو دفع الماء بالنفس، مع وضع سبابة وإبهام اليسرى على الأنف. وأصل المضمضة والاستنشاق متضمن في طلب غسل الوجه لأن محلهما منه، وهو لون من الإحسان أتاه النبي صلى الله عليه وسلم تطبيقا لقول ربه جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ}. فلم يكتف عليه السلام بظاهر الوجه الذي منه ظاهر الأنف والفم، وإنما أدخل الماء إليهما، فأمر صلى الله عليه وسلم بذلك وفعله، وأما عن أمره، فقد روى أبو داود في سننه وصححه الألباني عن لقيط بن صبرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:إذا توضأت فمضمض وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر. ونقل الصحابة رضي الله عنهم فعله، روى النسائي بسنده وصححه الألباني عن الحسين بن علي قال دعاني أبي علي بوضوء فقربته له فبدأ فغسل كفيه ثلاث مرات قبل أن يدخلهما في وضوئه، ثم مضمض ثلاثا واستنثر ثلاثا ...إلى أن قال: فإني رأيت أباك النبي صلى الله عليه وسلم يصنع مثل ما رأيتني صنعت. وما يتبادر إلى الذهن من النص أن المضمضة والاستنشاق يستقل كل منهما بغرفة ثلاثا للأولى وثلاثا للثاني، غير أنه ثبت في عدد كبير من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلهما من كف واحدة، يأخذ غرفة فيضع شيئا منها في فمه ويستنشق الباقي ثم يستنثره، روى مسلم بسنده عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري وكانت له صحبة قال: قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بإناء فأكفأ منها على يديه فغسلهما ثلاثا، ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا ...إلى أن قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي معلقا على حديث مشابه أورده في سننه: قال بعض أهل العلم المضمضة والاستنشاق من كف واحد يجزئ، وقال بعضهم تفريقهما أحب إلينا. و قال الشافعي إن جمعهما في كف واحد فهو جائز، وإن فرقهما فهو أحب إلينا . قال القاضي عياض من المالكية كما في شرح ميارة الصغير على المرشد المعين، بحاشية الشيخ الطالب 1/,,.163 الاستنشاق والاستنثار عندنا سنتان، وعدهما بعض شيوخنا سنة واحدة ومن مستحبات المضمضة الاستياك وأقله إمرار الاصبع داخل الفم على الأسنان أو على موضعها، كما يفعل عامة الناس في الوضوء اليوم وهم يتمضمضون، حيث لا يكتفون بتحريك الماء في الفم ومجه. روى أحمد في مسنده بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء. ومن مستحبات الاستنشاق المبالغة فيه بجذب الماء ما لم يكن المتوضئ صائما، روى أحمد في مسنده بسنده عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :إذا توضأت فأبلغ في الاستنشاق ما لم تكن صائما. نذرت صيام شهرين ولم أفعل؟ قبل زواجي نذرت إلى الله عز وجل أن أصوم شهرين إذا تزوجت بالشخص الذي أتمناه دون أن أكون على علم بأحكام ترك النذر وعدم الوفاء به، والآن بعد أن تزوجت بالشخص الذي كنت أتمناه شعرت بفتور لصوم هذين الشهرين، والسؤال هل هناك عقوبة إن لم أصم هذين الشهرين؟ وإذا قررت أن أصوم الشهرين هل يلزم علي أن أصومها متتالية أم متقطعة؟ النذر هو ما أوجبه المكلف على نفسه من الطاعات، وقد عدَّ الله تعالى الوفاء به من صفات الأبرار. قال تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُون يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} سورة الإنسان/ ,7 وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نذر أن يطيع اللّه فليطعه، ومن نذر أن يعصي اللّه فلا يعصه. لذلك، على الأخت الكريمة أن تعزم على الوفاء بنذرها وصيام شهرين لله تعالى. وما دامت لم تنو من قبل في نذرها صيامها متتابعة فليست ملزمة بذلك، فلها أن تصومها متفرقة وحسب استطاعتها. أما إذا شق عليها ذلك وعجزت عن الوفاء بنذرها كاملا فلها أن تأتي منه ما استطاعت لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} سورة التغابن/ .16 وفي صحيح البخاري عن أنسٍ قال: مَرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بشيْخٍ كبيرٍ يتهَادى بينَ ابْنَيْهِ، فقال: ما بَالُ هذا؟ قالوا: يَا رسولَ الله نَذَرَ أنْ يَمْشِي، قالَ: إنّ الله عز وجل لَغَنِيّ عن تَعْذِيبِ هذا نَفْسَهُ، قال: فَأَمَرَهُ أنْ يَرْكَبَ. وفي سنن أبي داود عن ابنِ عَبّاسٍ قال: بَيْنَمَا النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ إذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ في الشّمْسِ، فَسَألَ عَنْهُ، فَقَالُوا: هَذَا أبُو إسْرَائِيلَ، نَذَرَ أنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ وَلاَ يَسْتَظِلّ وَلاَ يَتَكَلّمَ وَيَصُومَ، قالَ: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلّمْ وَلْيَسْتَظِلّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمّ صَوْمَهُ. قال شمس الحق آبادي في عون المعبود: قال القرطبي في قصة أبى إسرائيل: هذا أعظم حجة للجمهور في عدم وجوب الكفارة على من نذر معصية أو ما لا طاقة فيه. قال مالك: لم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بكفارة والله أعلم.