في الشهور الأخيرة ارتفعت عدد حالات الإصابات المؤكدة بأنفلونزا الخنازير، خاصة في أوساط التلاميذ والأطر التربوية، ووصل عدد الحالات المسجلة والمؤكدة لأنفلونزا الخنازير إلى 592 إلى غاية خامس نونبر الجاري، حسب الإحصائيات الرسمية لوزارة الصحة. و مع ارتفاع عدد الحالات المعلن عنها، ارتفع هوس شراء الأقنعة الواقية من أنفلونزا الخنازير. كما برز تجار جدد، إضافة إلى أصحاب الشركات المصنعة أو المستوردة للأقنعة، أو أشخاص جعلوا من بيع الأقنعة في الأسواق الشعبية وأمام أبواب المدارس سلعة مثل بقية السلع الأخرى. أمام باب الإعدادية التأهيلية بن تومرت بزنقة الجزائربالبيضاء، يتجمع عدد من التلاميذ، بعضهم يغطي فمه وأنفه بقناع واق من أنفلونزا الخنازير. في الشهور الأخيرة ارتفع عدد حالات الإصابات بأنفلونزا الخنازير، خاصة في أوساط التلاميذ والأطر التربوية، ووصل عدد الحالات المسجلة والمؤكدة لأنفلونزا الخنازير إلى 929 حالة إلى غاية يوم الثلاثاء 17 نونبر الجاري، ويوجد أكثر من 500 تلميذ ضمن المصابين بهذا الوباء. غير أن الجديد هو حصول أول حالة وفاة بسبب أنفلونزا الخنازير، ويتعلق الأمر بحالة شاب في العشرينات من العمر ينحدر من مدينة وجدة، وكان قد أدخل يوم 11 نونبر الجاري إلى قسم الطوارئ بمركز الفارابي الطبي في وجدة، إذ كان يعاني من الحمى ومن سمنة مفرطة ومن داء السكري الذي تم اكتشافه لدى إدخاله إلى المستشفى. غير أن الشاب غادر المستشفى بطلب ملح من والده في نفس اليوم ليعود إليه يوم 13 من الشهر نفسه حوالي الساعة الواحدة والنصف صباحا وهو يعاني من صعوبة في التنفس وحمى.. وكشفت التحاليل أنه مصاب بالفيروس، حسب رواية وزارة الصحة. مع تسجيل أول حالة وفاة، ومع ارتفاع عدد الحالات المعلن عنها، ارتفع هوس شراء الأقنعة الواقية من أنفلونزا الخنازير. وكما لكل بلية تجارها، فقد سارع البعض إلى استغلال الفرصة من أجل بيع هذه الأقنعة، خاصة أمام أبواب المدارس. «لقد اشتريت من الشارع مؤخرا 3 أقنعة بخمسة دراهم. ولكن لست مختصا لكي أحكم ما إذا كانت بالفعل مثل تلك التي تباع في الصيدليات». لا يهم الإدريسي القاطن بالرباط أن يقتني هذه الأقنعة من الصيدلية أو من الشارع، المهم بالنسبة له هو أن يضع قناعا يقيه من جائحة أنفلونزا الخنازير. و قد أصبحت الأقنعة تباع أمام المدارس كما تباع مختلف أنواع الحلويات مثلما حصل أمام مدرسة أبي ذر الغفاري بالرباط. «ما يجعل الناس يقبلون على الأقنعة الواقية هو الهلع الذي استبد بهم، وهو الأمر الذي يدفعهم إلى اقتناء هذه الأقنعة بأي شكل من الأشكال» يقول الدكتور خالد الزوين رئيس هيئة الصيادلة بمكناس. منتجات غير دوائية يقيم الظهير الشريف الصادر بتاريخ 22 نونبر 2006، المعتبر بمثابة مدونة للأدوية والصيدلة، فرقا بين الدواء والمنتجات غير الدوائية، فالمادة الأولى من هذا الظهير تنص على أنه «يدخل في خانة الدواء كل مادة أو مركب يقدم على أن له خاصيات علاجية أو وقائية إزاء الأمراض البشرية أو الحيوانية، وكذا كل منتوج يمكن وصفه للإنسان أو للحيوان بهدف إجراء تشخيص طبي أو استيراد الوظائف العضوية أو تقويمها أو تغييرها»، في حين أن المادة الرابعة من نفس الظهير تعتبر أن المنتجات الصيدلية غير الدوائية تندرج في إطارها كل مواد التضميد والمنتجات والمواد المعدة لأغراض طبية والمقدمة في شكل معقم. ويعتقد الدكتور خالد الزوين أن سبب الفوضى الموجودة في السوق يعود إلى هذا الفارق، فالمواد والمنتجات غير الصيدلية مثل الأقنعة الواقية من أنفلونزا الخنازير يمكن أن يشتريها أي شخص من الصيدليات أو أي مستوصف يبيع تلك المنتجات، ويقوم ببيعها كأي سلعة أخرى أمام المدارس والأسواق الشعبية وغيرها. «يجب أن تقنن هذه الأمور، ولكن للأسف نرى مواد تباع خارج الصيدليات مثل الحقن والأقنعة. المشكل أن لا أحد يراقب تلك المواد، وإن كانت صالحة للاستعمال أم لا». أنواع الأقنعة «خاصية الأقنعة الواقية بسيطة جدا، فهي تمنع الفيروسات من أن تنتقل إلى شخص آخر»، هكذا يعرف الدكتور بناني الناصري بكل بساطة القناع الذي يستعمله الشخص من أجل الوقاية من مرض أنفلونزا الخنازير. غير أنه يرى أن الطريقة التي تمت بها معالجة هذا المرض على الصعيد الإعلامي أدت إلى إحداث هذه الفوبيا لدى شرائح واسعة من الشعب، وإلى التهافت على اقتناء تلك الأقنعة أحيانا بشكل غير عقلاني. وكل هذه الفوبيا كانت لصالح الشركات المصنعة لتلك الأقنعة. يقول الناصري: «أنا لم أفهم طريقة تعامل الإعلام مع هذه الأنفلونزا، فعوض أن يعمل على تهدئة الناس وطمأنتهم، عمل على تشكيل سوق تجارية واسعة للشركات متعددة الجنسيات والمتخصصة في صناعة الأدوية والأقنعة الواقية، وأصبحت وسائل الإعلام تقوم بحملة دعائية لهذه الشركات بالمجان». أي نوع من الأقنعة يمكن أن يحمي من أنفلونزا الخنازير؟ وأيهما يصلح لهذا الوباء؟ عموما هناك نوعان من الأقنعة الطبية الواقية: القناع التشريحي (Masque chirurgical) والقناع «Anti-projection» الذي يحول دون استنشاق الفيروسات. فالأقنعة التشريحية تهدف بالأساس إلى حماية جسم المريض من الجزئيات التي قد يطلقها الطبيب الجراح خلال العمليات الجراحية، كما أن نفس الأقنعة يمكن أن تحمي الطبيب نفسه من الروائح والجزئيات التي قد تنتقل إليه من المريض. وبالرغم من ذلك، فإن الخبراء يعتقدون أن هذه الأقنعة لا تحمي بما فيه الكفاية من فيروس أنفلونزا الخنازير، في حين أن النوع الثاني يمكن أن يقي من هذا الفيروس، باعتباره يحول دون تسرب الجزئيات التي يطلقها شخص ما في الهواء، ويحول أيضا دون استنشاقها من قبل شخص آخر. ففي حالة الزفير، تخرج الجزئيات من الفم أو الأنف بسرعة فائقة و تصطدم بالقناع. أما في حالة الاستنشاق، فإن سرعة الهواء تكون أقل، لأنه يتوزع على القناع ويمكن أن يتسرب الهواء من أحد جوانب القناع، وبالتالي فإن الأقنعة التشريحية تكون ذات فعالية في حالة الزفير بالأساس وليس في حالة الاستنشاق، ومن ثم يعتقد الخبراء في المجال الصحي أنها لا تصلح لكي تحمي من أنفلونزا الخنازير خلافا للنوع الثاني من الأقنعة. إذن ليس هناك نوع واحد من الأقنعة. وكل نوع له استعمالات خاصة ومدة صلاحية محددة لكونها مرتبطة بالأساس بنوعية المواد التي تدخل في تركيبة كل نوع منها. وحسب الدكتور خالد الزوين، فإن هناك ثلاثة أنواع أساسية من الأقنعة، فهناك نوع معروف لدى الأطباء بالقناع التشريحي، الذي يخصص بشكل خاص للأطباء الجراحين. هذا النوع قد يدوم ما يقرب من العامين، لأنه يتم تصنيعه من ثوب شبيه بالثوب الذي تصنع به وزرة الطبيب. ويكتفي الطبيب بغسله مباشرة بعد استعماله. وهناك نوع ثان يطلق عليه اسم «FFP2»، وهو النوع الذي يخصص للمواطنين و الأطر الطبية من ممرضين وأطباء من أجل الوقاية من المرض، في حين أن هناك نوعا ثالثا يطلق عليه اسم «Anti-projection»، وهذا النوع يستعمله المرضى المصابون بأنفلونزا الخنازير. ويترواح ثمن القناع بين 5 و8 دراهم، و تدوم مدة صلاحيته ما بين 4 و 6 ساعات، لأنه بعد ذلك يصبح غير صالح للاستعمال ومضرا بصحة الشخص، ويمكنه أن يسبب له المرض، وبالتالي ينصح الأطباء برميه بعد مرور تلك المدة. ولا توجد أي شركة مغربية متخصصة في صناعة مثل هذه الأقنعة، فكل ما يوجد في السوق المغربية مستورد من بلدان أخرى، خاصة فرنسا وأوربا بشكل عام وكذا الصين. من يستورد تلك الأقنعة؟ سؤال قد لا تجد له إجابة واضحة لدى كل الفاعلين في مجال الطب والصيدلة، و هناك بعض الأطباء يكتفي بعبارة «لا أعلم»، هل خوفا من الحديث عن أمر محرم، فيدخل اسم المؤسسة المستوردة في خانة الأمور المحظور ذكر اسمها؟ أم هو جهل بمثل هذه الأمور؟. «هناك شركة وحيدة توجد في الدارالبيضاء هي الوحيدة المخول لها استيراد مثل هذه الأنواع من الأقنعة، وهي التي حصلت على الصفقة لأنها قدمت أفضل عرض فيما يخص أرخص ثمن»، يقول أحد الأطر الطبية التي فضلت عدم الكشف عن هويتها. غير أن الثمن ليس المشكلة الحقيقية، بل المشكل يتعلق بجودة تلك الأقنعة، فأحيانا يتم التضحية بالجودة من أجل ثمن بخس. فعالية الإجراءات الوقائية يعتقد بعض الخبراء أن الأقنعة الواقية من أنفلونزا الخنازير يمكنها أن تحمي بشكل فعال ضد هذا الفيروس. وقد أجرى الدكتور بنيامين كولينغ، من كلية الصحة العامة في جامعة هونغ كونغ ورئيس الفريق، دراسة بشأن تأثير أو أهمية حمل القناع للوقاية من أنفلونزا الخنازير، نشرت خلاصاتها العديد من المواقع الإلكترونية. الدراسة لم تتخذ طابعا نظريا، بل اعتمدت على التجريب العلمي من خلال عينة من الأشخاص. وقد كان هدف الدكتور بنيامين كولينغ هو تفنيد الاعتقاد الراسخ لدى العامة، الذي مفاده أن «السعال ونزلات البرد أمراض لا يمكن إيقافها مهما حاولنا، لكن نتائج دراستنا أظهرت أن انتشار المرض يمكن إيقافه ببعض الاحتياطات البسيطة». واختار كولينغ عينة من 407 أشخاص ممن أصيبوا بالأنفلونزا الموسمية، وقسمهم إلى ثلاث مجموعات. اختار المجموعة الأولى كمرجع لدراسته، ونصح أعضاءها بتناول غذاء صحي سليم، واتباع عادة سليمة لمنع إصابتهم بالمرض، في حين طلب من أعضاء المجموعة الثانية أن يقوموا بغسل أيديهم بالماء والصابون باستمرار، خصوصاً عندما يسعلون، كما طلب منهم استخدام معقم للأيدي عند لمسهم أجساما غير نظيفة. وطلب من المجموعة الثالثة استخدام الأقنعة الواقية باستمرار وعدم إزالتها حتى وقت الطعام والنوم، وغسل الأيدي باستمرار. وبعد الدراسة والتجريب والمقارنة التي يفرضها المنهج العلمي، خلص الفريق الطبي إلى أن المرضى الذين التزموا بوضع تلك الأقنعة في الساعات ال 36 الأولى من المرض هم وعائلاتهم، والتزموا بغسل الأيدي باستمرار، كانوا أقل نشراً للعدوى بين عائلاتهم، من أولئك الذين بدؤوا بوضع الأقنعة بعد 36 ساعة من المرض، والذين لم يحققوا أي فائدة من ذلك. وبالرغم من أهمية هذه الدراسة، فإن الشك يبقى سيد الموقف بالنسبة للعديد من الباحثين والمحللين. نقص الوسائل الوقائية عندما أعلنت وزارة الصحة مخططها لمواجهة أنفلونزا الخنازير، قررت أن تزود المستشفيات والمدارس بكل ما يلزم من أدوية، خاصة دواء «تاميفلو» و الأقنعة. وخصصت لهذا المخطط ما يقرب من 850 مليون درهم. «لكن الواقع أن أغلب المستشفيات والمدارس لا تتوفر على الأقنعة، وحتى إذا وجدت، فإنها غير كافية لتغطية كافة الحاجيات. وهذا ما يجعل المواطنين يضطرون إلى شرائها من الصيدليات أو حتى خارجها». بعض المستشفيات العمومية لا يتوفر أطرها من أطباء وممرضين على مثل هذه الأقنعة مثل حالة مستشفى بمكناس. «أطر وزارة الصحة يتجولون في المستشفيات والمصحات بدون أقنعة واقية»، يقول عادل السموني الممرض بإحدى مستشفيات مكناس. غير أن كل ما يدور حاليا وكل ما يحدث والزوبعة التي أثيرت حول أنفلونزا الخنازير جعلت الكل يصل إلى خلاصة مفادها أن «ما هو تجاري يتقدم على ما هو واقعي». وهي نفس الخلاصة التي توصل إليها الطبيب الناصري بناني، مما جعله يفضل أن يعالج مرضاه بدون استعمال قناع واق. الاحتياط أهم من وضع القناع الواقي بالرغم من أن منظمة الصحة العالمية نصحت منذ أن انتشرت أنفلونزا الخنازير بشكل سريع ومخيف بحمل القناع الواقي في الأماكن العامة التي يكثر فيها الناس، فهي تعتقد أن الإجراءات والاحتياطات العامة التي يمكن أن يتخذها المرء في الأماكن العامة يمكن أن تكون أكثر أهمية من حمل القناع الواقي من أجل الحؤول دون انتشار أنفلونزا الخنازير. ومن النصائح التي تقدمها منظمة الصحة: - الحفاظ على مسافة لا تقل عن متر مع كل شخص يحمل أعراض الأنفلونزا. - تفادي لمس فم أو أنف المصاب. - الحفاظ على نظافة اليدين بغسلهما باستمرار بالماء والصابون أو أي منظف آخر، خاصة إذا تم لمس فم المصاب. - تقليص ما أمكن مدة التواصل مع الأشخاص المصابين أو المفترض أنهم مصابون. - تقليص ما أمكن مدة التواجد في الأماكن الممتلئة. - تهوية الأمكنة التي يعيش فيها المرء بفتح النوافذ. - البقاء في المنزل إذا أحس المرء بأنه ليس على ما يرام ويتبع توصيات الهيئات المكلفة بالصحة. - تغطية الأنف والفم بمنديل أو بأي واق آخر من أجل الحؤول دون انتشار الفيروس عندما يعطس المرء. ويتعين رمي المنديل بعد الاستعمال أو غسله. كما ينبغي غسل اليدين مباشرة بعد العطس.