ذكرنا في الحلقة السابقة أن أهم ما في قضاء الحاجة التأكد من إزالة النجاسة من المخرجين من غير تنطع أو وسواس، ومن ذلك التنزه عن البول، روى ابن ماجة في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثر عذاب القبر من البول. والأفضل الاستنجاء بالماء، روى أحمد في مسنده عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به. وهؤلاء أهل قباء مدحوا لما كانوا عليه من الاجتهاد في التطهر، روى أحمد عن عويم بن ساعدة الأنصاري أنه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال: إن الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ قالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئا، إلا أنه كان لنا جيران من اليهود؛ فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا. وعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثناء الله عليهم؛ قوله تعالى في سورة التوبة: لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيه، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)، وفي سند الحديث شرحبيل بن سعد، وثقه ابن حبان، وضعفه مالك وابن معين وأبو زرعة. وفي مسند أحمد عن شداد أبي عمار عن عائشة رضي الله عنها، أن نسوة من أهل البصرة دخلن عليها؛ فأمرتهن أن يستنجين بالماء وقالت: مرن أزواجكن بذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وهو شفاء من الباسور (مرض البواسير) عائشة تقوله أو أبو عمار. والاستنجاء بالماء من الفطرة، روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عشر من الفطرة؛ قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم (عقد الأصابع ومفاصلها) ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء، قال زكرياء، قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة، وزاد قتيبة قال وكيع: انتقاص الماء يعني الاستنجاء. وإذا تعذر الماء يقوم مقامه ما يؤدي مقصود المسح الذي لا يبقي نجاسة كالورق المعد لذلك أو الأحجار وما في حكمها، ففي سنن أبي داود عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال قيل له لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة (أدب التخلي والقعود عند الحاجة ) قال أجل لقد نهانا صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أو بول وأن لا نستنجي باليمين وأن لا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار أو نستنجي برجيع (فضلات الحيوانات) أو عظم قال الباجي في المنتقى وجميع الفقهاء على أن الاستجمار يجزي مع وجود الماء، وقال ابن حبيب ليس الاستجمار يجزي إلا مع عدم الماء، ولعله أراد بذلك وجه الاستحباب وإلا فهو خلاف الإجماع فيما علمناه ومن الآداب الاستنجاء باليد اليسرى، روى البخاري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه أي لا يستنج بيده اليمنى. ومن باب دفع الوسواس رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء حتى إذا رأى بللا حسبه من ذلك الماء، روى أحمد عن مجاهد عن رجل من ثقيف هو الحكم بن سفيان أو سفيان بن الحكم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم يعني نضح فرجه أي رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء. وبعد الاستنجاء ينظف يديه بالصابون أو ما يقوم مقامه وإن لم يجد وكان في خلاء دلك يده بالأرض أو التراب، روى النسائي عن إبراهيم بن جرير عن أبيه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الخلاء فقضى الحاجة ثم قال يا جرير هات طهورا فأتيته بالماء فاستنجى بالماء وقال بيده فدلك بها الأرض وفي رواية ابن ماجة فقضى حاجته فأتاه جرير بإداوة من ماء فاستنجى منها ومسح يده بالتراب ثم خرج من مكان الاختلاء برجله اليمنى قائلا كما في حديث الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك