في البداية لا بد من التأكيد وبسرعة أن الأمر لا يتعلق، لا بمشروع قانون يعتلج في رحم الحكومة الموقرة، ولا بمقترح قانون يستعد فريق من ممثلي الشعب طرحه للنضال البرلماني في دورته المقبلة. كل ما في الأمر أن بيوت الله تؤدي ضريبة مند أمد بعيد وقد أفرجت الحكومة، بعد تؤخر لأزيد من سنتين، عن قرار يروم فقط التخفيض من هذه الضريبة وليس إزالتها! بالطبع لا أحد من المصلين يطلب منه أداء ضريبة مباشرة عن الصلاة في تلك البيوت ولا عن تركها، رغم أن فكرة الضريبة عن الصلاة قد تغري بعض المتطرفين من العلمانيين حين تشح لديهم موارد الدولة المالية، وهم ينظرون إلى أماكن الصلاة على أنها مؤسسات غير منتجة! فعن أي ضريبة نتحدث إذن؟ كثير من الناس، سواء من رواد المساجد بشكل يومي أو ممن لا تطأ أقدامهم ساحتها إلا نادرا، يجهلون أن المساجد تؤدي الضريبة عن القيمة المضافة حين بنائها أو إصلاحها، مثلها مثل أي بناء خاص أو عام. وحدها لجان بناء تلك المساجد، التي تناضل ليل نهار لإيجاد مصادر تمويل شراء مواد البناء أو مستحقات مقاولات البناء أو التجهيزات بما فيها السجاد...، تعرف ماذا في المزود ... كما يقول المثل المغربي. وهي التي تجد نفسها، وهي تسعى لبناء بيت من بيوت الله، في مواجهة إكراه توفير مبالغ إضافية قد تصل إلى عشرات الملايين من السنتيمات لتغطية واجب الضريبة عن القيمة المضافة! ويطرح استخلاص أموال توجه لصندوق الدولة من ضريبة تفرض على بناء بيت من بيوت الله، مفارقة كبيرة، لا توازيها سوى مفارقة أكبر تتعلق باستخلاص أموال ضريبية، من صناعة وتجارة الخمور والتبغ وما شابههما. ولعل أكبر مساوئ فرض ضريبة على بناء المساجد التي هو ما تمثله تلك الضريبة من عرقلة مالية تشدد الخناق على عمليات بناء المساجد، مع العلم أن جل المساجد في المغرب يبنيها المحسنون، وأن البلد ما يزال في حاجة كبيرة إلى بناء المزيد منها كما تؤكده أرقام الوزارة الوصية، التي أبانت أن هناك فقط 7 مساجد لكل 5آلاف نسمة سنة ,2007 وأن عددها ارتفع إلى 8 مساجد لكل 5آلاف نسمة سنة .2008 وحسب نفس المصدر لإن الحاجة إلى مساجد جديدة تتلخص في مائتي مسجد جديد لمواكبة النمو الديموغرافي و سبعين مسجدا جديدا سنويا ولمدة عشر سنوات لمعالجة الاختلال الحاصل في شبكة المساجد الحالية! وإذا تجاوزنا هذا الجانب المالي والتقني، نجد أن تلك الضريبة تطرح إشكالا يحتاج إلى نظر شرعي، فالمساجد ، من حيث الملكية المعنوية، ليست لا في ملك الدولة ولا في ملك الخواص بل هي بيوت لله. ويطرح وجود ضريبة، مهما قلت، على بيت من بيوت الله في بلد إسلامي إشكالا يستعصي على الفهم. ويكون من مسؤوليات المجلس العلمي الأعلى رفع هذا اللبس والنظر في مدى صحة تطبيق الإجراءات الخاصة بالملكية العامة أو الخاصة على بيوت الله. ذلك أنه لو اقتصرت تلك الضريبة على الجزء المتعلق ببعض مرافق المسجد التي تكون لها طبيعة تجارية، لكان لتلك الضريبة بعض ما يبررها، رغم أن موارد هذه الأنشطة ترجع لتلك المساجد نفسها. إن رفع الخناق الضريبي عن بناء المساجد قد لا يحتاج إلى فتوى، بقدر ما يحتاج إلى وعي بوجود هذا الخنق أولا وإلى إرادة سياسية لرفعه. ذلك أن القانون المالي لسنة 2010 مثلا أعفى المنعشين العقاريين العاملين في السكن الاجتماعي، الذي تتراوح مساحته بين 50 و100 متر مربع، والذي يتجاوز سعره 250 ألف درهم، من أداء الضريبة على القيمة المضافة، والضريبة على الشركات، ورسوم التسجيل. كما أعفى المشتري من أداء الضريبة على القيمة المضافة بشروط. فما المانع من أن يعفي قانون المالية لسنة 2011 بناء المساجد من تلك الضريبة المجحفة؟ بالنسبة للحكومة نسجل أن مصادقة مجلس الحكومة، في السابع من الشهر الجاري، على مشروع مرسوم يتعلق بإعفاء بناء المساجد من الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 50 في المائة، جاءت متأخرا بسنتين. ذلك أن الملك محمد السادس كان قد اتخذ قرارا في الموضوع، وضمنه خطابه بمناسبة افتتاح دورة المجلس العلمي الأعلى في 26 رمضان 1429 الموافق ل 27 شتنبر .2008 وتأخير القرار لسنتين يعني بالنسبة لقطاع بناء المساجد معاناة كبيرة تمت فيها بدون شك عرقلة صيرورة بناء المساجد. فهل يمكن توقع دفعها بإعفاء كامل للمساجد من تلك الضريبة؟ تقاعس الحكومة لا يعف الأحزاب من الالتفات إلى هذا الموضوع خاصة أنها وبدون استثناء تقريبا اهتمت بالشأن الديني وخدمة المواطنين في هذا الباب في برامجها الانتخابية، فليكن موضوع رفع الخنق الضريبي على بناء المساجد من الموضوعات التي تجمع عليها الفرق البرلمانية تكريما لبيوت الله ودعما لسياسة الاهتمام بالشأن الديني كما هو تابت في سياسة الدولة وتقتضيه أصالة المغرب وعمق تدينه.