ذهب المتدخلون في اليوم الدراسي، الذي نظمه أخيرا بالدار البيضاء فريق العدالة والتنمية حول مشروع قانون ما سمي ب "مكافحة الإرهاب" ونشرت تفاصيله أسبوعية "العصر" في عددها الأخير، إلى اعتبار مشروع القانون المذكور "انقلابا" على جل المكتسبات التي حققها المغرب في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة. واتفقت أغلب التدخلات على رفض مشروع قانون الإرهاب، لأن من شأنه أن يحدث "إرهابا" في نفوس المغاربة بدل أن يحميهم منه، بالنظر إلى توسيعه لما وصفت ب"الأفعال الإجرامية" وشرعنته للتصنت على مكالمات المواطنين وتفتيش منازلهم خارج الأوقات القانونية وتمديده لفترة الحراسة النظرية إلى 14 يوما من غير السماح للمعتقل بالاتصال بمحاميه وغيرها من الإجراءات التي تفضح خطورة هذا القانون على حقوق الأفراد والجماعات بالمغرب. وأشار في هذا السياق مصطفى الرميد، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، إلى أن مشروع القانون المذكور توج سلسلة انتكاسات عرفها الشأن الحقوقي ببلادنا منذ بداية التسعينيات، وحدد مظاهر الانتكاسة في المصادرة التي عرفها استقلال القضاء في إطار محاكمة ما سمي ب "الخلية النائمة" ثم "الفبركة" التي تمت في وقائع وأحداث ملف "ميغاراما". وأكد الرميد أن مشروع قانون "مكافحة الإرهاب" من شأنه إثارة الرعب والخوف في المجتمع، فهو "قانون إرهاب"، في رأيه، وأسوأ من ظهير "كل ما من شأنه"، لم يشهد تاريخ المغرب المستقل "أسوأ منه"، مسجلا أن "جل القوانين العربية أو الأجنبية في هذا الشأن لم ترق إلى الخطورة والقساوة التي عرفها القانون المغربي. أما النقيب عبد الله درميش فرأى أن مشروع قانون "مكافحة الإرهاب" جاء في سياق الضغط الذي تمارسه الولاياتالمتحدةالأمريكية على دول العالم من أجل سن قوانين تحارب في ظنها الإرهاب المحدد على مقاس الإدارة الأمريكية، حيث تستثني منه جرائم الإرهاب الصهيونية في فلسطين في وقت تعتبر فيه مقاومة الفلسطينيين وجهادهم ضد الصهاينة إرهابا. ولاحظ درميش أن مشروع القانون هذا "أتى جاهزا مثل العلب الجاهزة"، فهو "ليس من صنعنا ولا علاقة له بحياتنا"، وأنه (أي المشروع) أحدث جريمة جديدة هي "الجريمة الإرهابية" دون "تحديد دقيق لمفهومها"، بل إنها جاءت بمفهوم، يقول المتحدث نفسه، "فضفاض يمكن إلباسه لأي شخص"، مؤكدا أن "هذا القانون إذا دخل حيز التنفيذ فسوف يدخل الإرهاب في كل النفوس وإلى كل البيوت". وبعد تسطيره لجل الإجراءات التي جاء بها مشروع القانون والتي تكشف خطورة الأخير، قال إن هذا المشروع "يدافع عن الحكومة باسم سيادة الدولة، حيث كرر المشروع أكثر من مرة >يحق للحكومة< و>الحكومة تأمر الوكيل العام للملك<، مختتما تدخله بما اعتبره "الكارثة الكبرى" المتمثلة في "إحداث محكمة استثنائية أخرى إلى جانب محكمة العدل الخاصة وهي محكمة الاستئناف بالرباط التي خول لها وحدها النظر في "الجريمة الإرهابية"، ثم توجه برجائه من فريق العدالة والتنمية بالبرلمان إلى "التغريد خارج السرب" برفض المشروع الذي لا يقبل، في رأيه، "التعديل أو التفتح أو حتى الترقيع". ووافق خالد السفياني ما طرحه درميش بشأن الترهيب الذي سيخلقه مشروع القانون المذكور في نفوس المغاربة وكذا الكيفية المستعجلة التي جاء بها، مشددا على أن "المغرب بلد مستقر، لا يتطلب الأمر داخله مجرد التفكير في إصدار مثل هذا القانون" وأن "الملاحظ الأجنبي، يقول السفياني، الذي يمكن أن يأخذ هذا المشروع وهو لا يعرف المغرب سوف يعتقد بأن المغرب بلد يعيش حالة من عدم الاستقرار ويعيش حالة من التسيب والقلق الدائم". ونبه السفياني إلى أن من "أخطر ما في قانون الإرهاب نصه الذي يقول "الدعاية والإشهار لأفعال إرهابية أو إشادة بها بصفة علنية"، مشيرا إلى أنه "إذا كان المفهوم الأمريكي للإرهاب هو الذي سيطبق بالنسبة لهذا القانون فكم من المواطنين المغاربة سوف يصبحون إرهابيين، لأنهم يدعمون المقاومين والكفاح والنضال من أجل الكرامة والتحرير". وخلص السفياني في تدخله إلى أنه ينبغي مواجهة هذا القانون ب "المسيرات والتظاهرات والاعتصامات وليس فقط بالكلام"، موجها نداءه إلى كل "البرلمانيين الشرفاء"، أيا كان لونهم السياسي أن يصوتوا ضد هذا القانون، لأن ذلك، حسب قوله، "فاصل بين الشرف ونقيضه". من جهته، أشار المحامي عبد اللطيف الحاتمي إلى أن "هذا المشروع ليس بمشروع قانون مكافحة الإرهاب أو لمعاقبة الإرهاب ولكنه مشروع قانون لتعديل القانون الجنائي، مادام لم يأت بذاتية خاصة به واستقلال بفصوله"، بل، يضيف الحاتمي في تدخله، يلاحظ أنه "يتعلق بترميمات في المادة الأولى من القانون الجنائي بإضافة جزء وتتميم جزء بالمادة الثانية وتعويض جزء بالمادة الثالثة. وقال الحاتمي إن مشروع القانون المذكور "له أسباب نزول وأنه ليس وليد المجتمع المغربي أو الحكومة المغربية أو البرلمان المغربي وإنما هو وليد نظام عالمي جديد يريد التحكم في العالم" وبالتالي، يتابع المتدخل نفسه، "ينبغي أن ندرس كيف يمكن أن يمر هذا المشروع من الناحية التي تضمن، في رأيه، أهم ما وصلنا إليه في الفترة الأخيرة وهي الحريات العامة وحقوق الإنسان والمكتسبات بأقل الأضرار". وشبه من جانبه الحسين ملكي "مشروع قانون الإرهاب بجواب التلميذ الكسول" الذي "طرح عليه الموضوع في شكل معين فإذا به يجيب في شكل آخر"، دون أن يستبعد بهذا الخصوص أن يكون هذا المشروع "أعد بناء على طلب أو ضغط أو توجيه ما لتحقيق مصلحة ما". وأضاف ملكي أن "المشرع المغربي كان يتصوره سيتناول الجريمة الدولية وينظمها لا أن يتناول التشريع المحلي"، مسجلا أن "المشكل المطروح هو الجريمة الإرهابية التي قد تقع خارج المغرب وليس على المستوى المحلي". وربط عبد العزيز النويضي، أستاذ جامعي، خلال تدخله المشروع بسباق دولي وأنه (أي المشروع) "ينطلق منذ البداية من منطلقات خاطئة" عن طريق "ربط الفعل بمنهجية الولاياتالمتحدةالأمريكية المتبعة حاليا في محاربة الإرهاب". وذهب النويضي إلى القول بأن مشروع قانون الإرهاب أتى بنية حماية مصالح فئة نافذة تمسك بالسلطة والثروات وهي أقلية"، مضيفا أن "في المغرب نخبة ليست لها أية مصلحة في أن يتطور المغرب وينفتح واغتنمت الفرصة لتشدد القبضة على المجتمع باسم مكافحة الإرهاب". إلى ذلك، جدد جلال أمهلول في تدخله التأكيد على أن "النظام الجنائي بالمغرب فيه ما يكفي لمعالجة الظاهرة المسماة ب "الإرهاب"، ملاحظا أن "القانون الجنائي المغربي لا يعرف مفهوم "الجريمة الإرهابية"، كما أن المشروع المتعلق ب"الإرهاب" يضرب، في نظره، بمبدأ شرعية العقوبات مادام لم يشر إلى جرائم محددة وإنما اكتفى بالإشارة إلى عناوين فقط". يشار إلى أن هذا اليوم الدراسي، الذي حضره عدد من الحقوقيين والقانونيين وقام بتسييره النقيب محمد الشهبي، يأتي في وقت بدأت فيه لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب مناقشة مشروع قانون ما سمي ب"مكافحة الإرهاب" وسط مناهضة كبيرة من طرف جميع أطراف المجتمع المدني والمجتمع والسياسي يتقدمه حزب العدالة والتنمية الذي أبدى معارضة شديدة للمشروع خلال الجلسات الأولى من المناقشة داخل لجنة العدل والتشريع. يونس البضيوي