كما هو متوقع، يبدو أن رحلة طاكسي 36 في برنامج كاميرا خفية الذي يعرض يومياً على القناة الثانية، خلال شهر رمضان، سوف تنتهي في قصر العدالة! والبرنامج الذي حاول انتزاع الضحك من المشاهدين طيلة رمضان، تجاوز المتعارف عليه في فن كاميرا خفية، والذي يلتزم بحفظ كرامة ضحاياه وعدم دفعهم للقيام بردود فعل تضعهم في وضعيات من البهدلة، تسيء إليهم وإلى ذويهم ومعارفهم. إن الدفع بكون الضحايا الذين يتعرضون للبهدلة داخل طاكسي 36 ينتهون برفع أيديهم حين يكتشفون أن الأمر مجرد كاميرا خفية كاف للتعبير عن رضاهم وقبولهم بما تعرضوا له، هو دفع متهافت. فهؤلاء الضحايا ينطبق عليهم القول: مكره أخاك لا بطل. حيث أن صاحب البرنامج، وبعد انتصاره على ضحيته وفرحه بغنيمته، هو من يخلق أجواء الانتصار ويقحم فيها الضحية الذي يكون مصدوما بفكرة الكاميرا الخفية، ولا يترك له الوقت للتفكير في الموقف المناسب، وهو لم يطلع على الحالة التي سيعرض بها على الملايين من أجل إضحاكهم، ويظهر للمشاهدين راضيا رغم أن حالات كثيرة تظهر ضحكتها الصفراء المنتزعة وتذهب إلى سبيلها منكسرة. إن الخلاصة التي يمكن الخروج بها من مشاهدة برنامج كاميرا خفية، هو أن إطلاق طاكسي ,36 الذي يحيل على الجناح رقم 36 الخاص بالأمراض العصبية والعقلية، على البرنامج هذه السنة، كان موفقا وكان خير معبر عن التبهديل الذي يتعرض له المواطنون داخل الطاكسي. بحيث لا يمكن تفسير سلوك سائق الطاكسي والمشرفين على البرنامج والمجيزين له، ومقدميه للفرجة في رمضان، إلا بافتراض أنك أمام نزلاء جناح 36 في القناة الثانية. ويمكن الرجوع إلى حلقات البرنامج للتأكد من حقيقة مرة؛ مفادها أن البرنامج توسل إلى الفرجة بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. ولو أخدنا مثال الحلقة 22 ليوم الخميس الماضي، لوقفنا على عينة الانتهاكات في البرنامج، والتي وقعت ضحيتها مواطنة لم يشفع لها عمرها ولا وضعها كمسافرة مثقلة بالهموم. فالمواطنة بعد صعودها طاكسي 36 وبعد أن وضع السائق 36 أغراضها فوق السيارة في حامل الأمتعة، تفاجأ بأحدهم يأخذ حقيبتها التي أسمتها الموزيط. فتدخل في صدمة وهي تصرخ بكل قواها وهي تستغيث بالسائق، وتزداد صدمتها من الطريقة السادية التي يتعامل بها هذا الأخير مع الموقف، خاصة حين يدفعها إلى موقف حولها إلى أضحوكة. فالسائق 36 تجاوز أخلاقيات كاميرا خفية وأخذ يهزأ من كلمة موزيط، ليدفع المواطنة إلى تعريفه. وبعد ذلك يقول واش هذاك هو الموزيط؟ وتجيبه المواطنة بالتأكيد، فيقوم بالضرب بيديه على فخديه وهو يقول هازئا هذاك هو الموزيط! أويلي أويلي!. وفي الأخير، والمواطنة في قمة الغضب والخوف وفي حالة من الصدمة من الوضعية الإرهابية التي فرضت عليها، يستغل السائق 36 ضعفها ليسقطها في وضعية الأبله، فيطلب منها أن تتصل بالموزيط بعد أن سألها عندك النمرة ديالو بيبي عليه. فتجيب بعفوية ما عنديش التلفون ... ويصر ياك الصاك لي الفوق؟ بيبي عليه وهو غادي إجي! ويظهر السارق مرة أخرى فتدخل المواطنة في حالة من الهستيريا وهي تصرخ ها الشفار، ها الشفار؟ شدو شدو ...، أرَ موزيطي أرَ موزيطي ... مثل هذه المشاهد تفسر بشكل جيد سر تسمية البرنامج طاكسي 36! لكن هل سمحت القناة الثانية للضحايا بالاطلاع القبلي على حلقات كاميرا 36 قبل عرضها للعموم؟ من المؤكد أن الكثيرين منهم سوف يرفضون عرض تلك الحلقات، لاعتبار واحد، وهو أنهم وذويهم ومعارفهم لن يقبلوا أن يتحولوا إلى أضحوكة تربح القناة على ظهورهم الملايين. إن المسألة هنا تتعلق بتجاوز الحدود المقبولة في الكاميرا الخفية، وهي التي يتحول فيها المواطن إلى أضحوكة حقيقية، ناهيك عن وضعه في حالة احتجاز داخل الطاكسي، وجعله محل اتهام في قضايا خطيرة أو جعله يعيش حالة خوف خطيرة مثل إيداع خبر قدوم تسونامي ودفع مواطنين إلى عيش حالة خوف شديد بكى بعظهم بسببها ... ويطلب من المشاهدين التمتع بمشاهد السادية التي يسقط فيها البرنامج. هذه الزاوية الخطيرة، هي ما حرك الجمعية المغربية لحقوق المشاهد كي ترفع دعوى قضائية استعجاليه لدى المحكمة الإدارية بالرباط، من أجل إيقاف بث برنامج الكاميرا الخفية طاكسي 36 الذي تبثه القناة الثانية. على اعتبار أن البرنامج، بالإضافة إلى كونه يتضمن دعوات صريحة لخرق مقتضيات قانون السير، فإنه يضع مواطنين في حالات حرجة كثيرة، وينال من شرفهم وكرامتهم ومن خصوصياتهم وحرياتهم الفردية التي يضمنها القانون ويدعو إلى التمييز العنصري بسبب الانتماء إلى سلالة. والحقيقة أن الأمر يحتاج موقفا حازما من جميع الجمعيات الحقوقية، وكل الفاعلين في الدفاع عن كرامة المواطن، لأن الأمر لا يتعلق بالمشاهد فقط والذي تفرض عليه البرامج باسم الفرجة، ولكن يتعلق بالمس بالحقوق الأساسية للمواطنين. لكن، وكعادتهم في مثل هذه النوازل، وبدل الاعتراف بالخطأ والانتصار لحقوق المواطنين، تسرب القناة الثانية ما أسمته استغرابها للحجم الذي تم إعطاؤه لفقرة فكاهية خفيفة، لا يمكن تحميلها كل هذه الأشياء مجتمعة، وتضيف -عبر بعض الصحف- أن الاتنتقادات مقبولة ولكن عندما تتجاوز الانتقادات الحد المطلوب، تصبح عبارة عن رغبة في فرض الرقابة على المنتوج التلفزي، فإن المسألة تأخذ أبعادا أخرى لا يجب السكوت عنها، لأننا قطعنا مع عهد الرقابة مند مدة غير قصيرة. نعم قد نكون قطعنا مع شيء من عهد الرقابة، ولكن من غير المقبول بالمطلق رفع فزاعة الرقابة على المنتوج التلفزي للدخول في عهد السيبة تحت شعار الفكاهة الخفيفة.