كلما تحدثنا عن السياق العام الذي تعيشه القضية الفلسطينية في ظل مشروع السلطة وثنائية (مولر (بعد دايتون) بلير) أو السلام الاقتصادي، خرج علينا من يسأل عن البديل، ولن ينسى بعضهم تقديم وصلة هجاء بحق حركة حماس، كأن خطأ هذه الأخيرة يبرر خطايا الآخرين الذين يمسكون بخيوط القضية تبعاً لاعتراف الوضع العربي والدولي بهم كممثلين للشعب الفلسطيني، وليس حماس رغم فوزها في الانتخابات. نتذكر هذا السؤال (سؤال ما البديل) جيداً، فقد عشنا معزوفته مع جماعة أوسلو الذين اعتادوا قذفه في وجوهنا بعد توقيعهم الاتفاق في العام ,93 وكانت الحجة أن الاستيطان يأكل الأرض، ولا بد أن نفعل أي شيء للمحافظة عليها، فضلاً عن التنظيرات الخاصة بميزان القوى، تلك التي لم أر أجمل من رد الشيخ الشهيد أحمد ياسين عليها عندما كان يردد بكل بساطة وحكمة من لا يستطيع الزواج لا يباح له الزنا. لا ننسى بالطبع حكاية الفاكهاني التي كانت خاتمة التبرير، حيث كانوا يقيسون الضفة الغربية وقطاع غزة على لبنان الذي سيطرت عليه منظمة التحرير بقيادة الراحل عرفات من خلال منطقة الفاكهاني التي كانت تؤوي مكاتب المنظمة، لا سيما أن مسمى الاتفاق كان في البداية اتفاق غزة أريحا أولاً. مرت الأحداث، فكانت سنوات أوسلو العتيدة هي الأكثر سعاراً على صعيد الاستيطان وسرقة الأرض وتهويد القدس (سنوات أولمرت في ظل القيادة الجديدة كانت أسوأ، مع العلم أن هذه الأخيرة هي ذاتها مهندسة أوسلو)، ولم يتمدد القوم من قطاع غزة وبعد ذلك مناطق (أ) إلى الدولة على كل الأراضي المحتلة عام ,67 ووصلوا الجدار المسدود في قمة كامب ديفيد صيف العام ,2000 حين عرضت عليهم دولة كانتونات لا تسمن ولا تغني من جوع. اليوم يعودون إلينا بقصة البديل إياها، وهذه المرة بتنظيرات جديدة، بعضها للمفارقة من القرآن الكريم (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، فضلا عن أشياء مشابهة عن الأمن والأمان والرفاه والتنمية، مع العلم أنه لو قبل الفلسطينيون مبدأ العيش في ظل الاحتلال هادئين موادعين لصار وضعهم الاقتصادي أفضل، مع أنهم قبل أوسلو لم يكونوا جائعين، بل ولا حتى خائفين، إذ كان بوسع الخائف منهم ألا يقاوم الاحتلال ويمارس حياته بشكل عادي، وأقله شبه عادي. هم اليوم يسألون ذات سؤال البديل، معتبرين أن المقاومة قد فشلت، وهي أضرت بالشعب الفلسطيني، ولن يتوانى بعضهم عن تقديم كشف بعدد الشهداء والبيوت المدمرة والجرحى إلى غير ذلك، على رغم أن الغالبية الساحقة من المنظرين إياهم لم يدفعوا أبناءهم لا شهداء ولا أسرى، وكان الوقود هم أبناء الشعب الآخرين، بخاصة الفقراء منهم. والحق أن علينا نحن المؤمنين بخيار المقاومة أن نسألهم هم عن البديل في ظل طروحات نتنياهو، وفي ظل استمرار الاستيطان والتهويد، وفي ظل الانحياز الأمريكي للصهاينة وتبعية أهم الدول الأوروبية للقرار الأمريكي. أليس البديل هو مشروع السلام الاقتصادي كما يسميه نتنياهو، وهو مشروع الدولة المؤقتة بحسب المرحلة الثانية من خريطة الطريقة، وبحسب مصطلح بيريس وباراك، أو الحل المرحلي بعيد المدى بحسب شارون، وخلاصته دولة أو شبه دولة بتعبير أدق على ما يتركه الجدار من الضفة الغربية، الأمر الذي سيمنح قيادة السلطة فرصة القول إنها لم تتنازل عن الثوابت، لأن المفاوضات مستمرة، بينما سيكون بوسع الصهاينة الاستمتاع بالأمن والأمان، معطوفاً على الأمل بتحويل المؤقت إلى دائم، مع استمرار إجراءات الاستيطان والتهويد، بخاصة في القدس التي يجمعون على بقائها ضمن السيادة الإسرائيلية. إنه مشروع لتصفية القضية الفلسطينية لأنهم يعلمون أن أحداً من الصهاينة لن يعرض عليهم ما سبق أن عرض في قمة كامب ديفيد صيف العام ,2000 وأنهم لن يقبلوا بعودة اللاجئين ولا القدسالشرقية، أما مشروع المقاومة فهو إحياء للقضية، كما أنه مجرّب في لبنان وتجارب تاريخية كثيرة. صحيح أنه مشروع له كلفته، ولكن منذ متى كان التحرر من دون ثمن. فبالله عليكم أي البديلين خير للقضية وأهلها، والأمة بأسرها.