في أواخر شهر أبريل قرأت في جريدة "لتجديد" قصاصة إخبارية، مفادها أن جمعية النبراس الثقافية في مدينة وجدة ستنظم أياما ثقافية وعلمية حول موضوع الإصلاح وذلك بمناسبة الذكرى المائوية لميلاد المفكر مالك بن نبي. كما طالعنا الدكتور عبد السلام الهراس في بارقته بجريدة المحجة بمقال عن أهمية أحياء ذكريات أعلامنا. بين هذا وذاك، رجعت بذاكرة إلى مطلع التسعينات من القرن الماضي، حيث أقدمت جمعية الحوار للثقافة والعمل الاجتماعي بمدينة الرشيدية آنذاك على تنظيم أيام ثقافية للتعريف بمالك بن نبي وبفكره ومؤلفاته، وألقيت بالمناسبة عروض مختلفة برحاب دار الشباب المدينة وقد كان لي شرف إلقاء إحدى هاته العروض، وشكلت بالنسبة لي مناسبة فريدة للاطلاع على ما تيسر من مؤلفات هذا المفكر العظيم، وعلى بعض ما كتب من بحوث ومقالات حول مشروعه الفكري. وأستسمح القارئ في هذه المناسبة لكي أسجل بعض الملاحظات والأفكار التي بقيت عالقة بذهني والمرتبطة بفكر ومؤلفات هذه الشخصية المغاربية المتميزة: إن المغاربة كان لهم دور أساس ومهم في التعريف بمالك بن نبي وبمشروعه الفكري في المشرق والمغرب وعلى رأس هؤلاء العلامة الدكتور عبد السلام الهراس أطال الله عمره، فلم يترك فرصة أو مناسبة إلا وتحدث فيها عن هذا المفكر وعن مشروعه الحضاري والفكري. إن المتأمل في مؤلفات وكتابات مالك بن نبي يقف على موسوعيته وسعة اطلاعه على ثقافة العصر، ويتبين ذلك انطلاقا من الحضور الكبير والمكثف لفكر شخصيات تنتمي إلى حقول معرفية عديدة. استطاع مالك بن نبي أن يوظف مفاهيم كثيرة في تحليله لواقع الأمة، خاصة تلك المرتبطة بالعلوم الإنسانية المعاصرة... ذلك أن مفاهيم مثل، الشعور واللاشعور، الأنا البنية التحتية، الاديولوجية، الامبريالية، التخطيط، رأس المال... الضمير، الروح... تجدها حاضرة بقوة في تحليلاته. إن مالك بن نبي كان مقتنع بخصوصية المجتمع العربي الإسلامي، مما يقتضي البحث عن حلول للمشاكل والانطلاق نحو النهضة في إطار هذه الخصوصية. لدى يؤكد أن استيراد الحلول بشكل آلي فيه تضيع للوقت والجهد بل مضاعفة للداء، إذ كل تقليد في هذا الميدان جهل وانتحار فجاء التأكيد على إمكانية طريق ثالث للنهضة. إن مالك بن نبي استلهم العلوم الإنسانية المعاصرة، ولم يقف عند حد الاستهلاك والإسقاط بل أخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمع الذي يعيش فيه. وفي نفس الوقت لم يرفضها باعتبارها مشبعة بروح الفلسفة الغربية. إن مالك بن نبي ركز في تحليله بمظاهر التخلف على التشخيص الدقيق للأمراض، باستحضار العوامل الذاتية المرتبطة بالواقع العربي الإسلامي دون إغفال العوامل الخارجية. إن مالك بن نبي، ومن خلال تتبع مؤلفاته كان يملك مشروعا فكريا يستهدف تغير المجتمع وبناء الحضارة، إذ لم يقتصر على التشخيص والتحليل بل تعداه إلى طرح تصورات بنائية بديلة ذات أبعاد تربوية ركز فيها على الإسلام كموجه في عملية البناء مع الاستفادة من تجارب وجهود الآخرين لبناء مجتمع متحضر، واعتبر الإنسان المحور الأساس في عملية إعادة البناء بواسطة التربية الاجتماعية والسياسية. وعلى المستوى الاقتصادي ركز على أهمية تحويل الثروة إلى رأس مال متحرك وتجنب الحلول السهلة في مواجهة المشاكل الاقتصادية. هذه بعض الأفكار التي بقيت عالقة في ذهني منذ مدة لا تقل عن عشر سنوات مضت أحببت إثارتها بمناسبة الذكرى المائوية لميلاد مالك بن نبي رحمه الله. ومثل هذه المحطات ينبغي أن تكون غايتها كما قال الدكتور عبد السلام الهراس تثبيت الأقدام وتحريك الهمم وتسديد الخطوات ولم الشمل والحث على تأليف القلوب وتوضيح الأهداف وإنعاش أمال قوم أشرف بهم اليأس على الهلاك... ورحم الله مالك بن نبي وأمثاله الذين خلدوا أسماءهم بقوة فكرهم وقوة علمهم فهم يستحقون التخليد وإحياء ذكرياتهم، ماداموا قد نهلوا من ميراث النبوة. محجوبي عبد الواحد/الرشيدية