سينظر الكثيرون لنتائج وخلاصات استطلاع الرأي العام المغربي والعربي الصادر أواسط الأسبوع الماضي بتمعن كبير؛ لما حمله من معطيات كاشفة لحقيقة توجهات الرأي العام المغربي والعربي، تزداد أهميتها بالنظر إلى مصداقية وخبرة المؤسستين الجامعية والاستطلاعية، اللتين أنجزتا الاستطلاع، وهما كل من جامعة ميرلاند ومؤسسة زغبي الدولية، هذه الأخيرة التي تعد مرجعا في الرصد الاستباقي للنتائج الانتخابية في الولاياتالمتحدة، مما سيجعل نتائج الاستطلاع ذات أثر كبير على قرارات وسياسات الدول الغربية تجاهنا. لقد أنجز الاستطلاع في الثلاثة أسابيع الأولى من شهر يوليوز الماضي، وشمل 816 مغربيا من ضمن 3976 مستجوبا من ستة دول عربية؛ هي مصر والإمارات والسعودية والأردن ولبنان فضلا عن المغرب، ويكفي التوقف عند معطيات دالة لمعرفة قيمة ما جاء به الاستطلاع بخصوص مواقف الرأي العام المغربي: - تقدم المغاربة على باقي الدول في اعتبار الهوية الإسلامية هي الأكثر أهمية، وذلك بنسبة 61 في المائة، تلتها السعودية ب 47 في المائة، فيما عبر 25 في المائة من المستجوبين المغاربة أن الهوية المغربية هي الأكثر أهمية، أما الهوية العربية فلم تسجل سوى نسبة 4 في المائة، في حين شكلت الهوية العالمية 10 في المائة. - عبر 64 في المائة من المستجوبين المغاربة أن القرارات الحكومية ينبغي أن ترتكز على ما هو أفضل للمسلمين، وهي أعلى نسبة بالمقارنة مع باقي الدول العربية، والتي بلغت في حالة مصر نسبة 37 في المائة والسعودية 32 في المائة، أما النسبة للثانية؛ فهي أن تستند القرارات على ما هو أفضل للبلد إذ كانت النسبة المسجلة هي 20 في المائة، وهي النسبة الأضعف مقارنة مع لبنان بنسبة 60 في المائة، والأردن ب 53 في المائة، أما القرارات التي تستند على ما هو أفضل للعرب، فقد كانت أيضا أضعف بنسبة 4 في المائة فقط من المستجوبين المغاربة، والتي جاءت في الرتبة الرابعة بعد النسبة التي احتلها من عبروا أن تستند القرارات على ما هو أفضل للعالم. - أن تعاطف المغاربة مع القضية الفلسطينية تقدم على نسب التعاطف المسجلة في باقي الدول المستجوبة. لسنا في حاجة للاستقواء بنتائج الاستطلاع فقد سبقته دراسات ميداينة مغربية، سواء التي تمت في إطار تقرير الخمسينية، أو في إطار دراسة الإسلام اليومي، والتي أكدت تجذر الهوية الإسلامية للمغاربة أو الارتباط القوي لهم بقضايا الأمة؛ وعلى رأسها قضية فلسطين. لكن ما جاءت به الدراسة هو أنها قدمت ذلك، في إطار مقارن مع مجموعة من الدول العربية، ليبرز التقدم المغربي في تلك المؤشرات، وذلك رغم عامل البعد الجغرافي عن الشرق الأوسط. في المقابل، فإن وضع التقابل بين الهوية المغربية الإسلامية والمغربية يبدو غير دقيق، والصواب هو أن الموقف المغربي عموما يتجه نحو الجمع بينهما في إطار هوية مغربية محددها الأساسي هو الإسلام، وهو المعطى الذي استقر في نتائج عموم الدراسات السوسيولوجية حول المغرب منذ نهاية التسعينيات. إن خطاب البعض الرافض للعمق العربي والإسلامي للمغرب هو خطاب أقلية جد هامشية مهما بلغ ارتفاع صوت خطابها الدعائي، وإذ نسجل أن لها الحق في التعبيرعن مواقفها، لكن ليس لها الحق في محاولة فرضها بالقوة والسعي لجر الدولة إلى استئصال مخالفيها واللجوء إلى الاستقواء بالخارج في العديد من قضايا الهوية والقيم المحتدمة في مغرب اليوم، وضدا على أبسط قواعد الديموقراطية والتي لا تمنح للأقلية فرض مواقفها واختياراتها على الأغلبية. إن المغاربة يسعون إلى التقدم ومعانقة مكتسبات العصر والحضارة الإنسانية، لكن دون أن يكون ذلك على حساب هويتهم أو أن يفرض البعض عليهم ثمن القطيعة معها والانفصال عنها لتحقيق ذلك أو تهديدهم بالانغلاق والانعزال، وعوض أن نضع المغاربة بين خيارين فإن هناك خيارا ثالثا لا مفر منه، وهو التجديد والاجتهاد في إطار المرجعية الإسلامية، وهو الخيار الذي توجد إرهاصاته في المغرب لكن المضي فيها ما يزال متعثرا.