السيد الرئيس.. لعل أخطر ما يهدد اليوم وحدتنا وسلمنا المدني وينذر بالردة على الديمقراطية، هي تلك الحالة من الشك والريبة والخوف التي تسود بين بعضنا البعض: الإسلامي يخاف من العلماني والعكس صحيح، والأغنياء يخافون من الفقراء والفقراء يحقدون على الأغنياء والمحافظون يتوجسون خيفة من الإصلاحيين والعرب قلقون من الأمازيغ ...وهكذا.. إن توحدنا في ظل الثوابت الوطنية الكبرى والهوية الجامعة قدرنا إن نحن أردنا الاستمرار كأمة ودولة.. لكن علينا أن لا ننسى أن هناك هويات فرعية وانتماءات جهوية وتعدد مرجعي ولغوي وفكري وسياسي وثقافي.. وهذا التنوع سيكون مصدر إغناء للهوية الجامعة، متى أحسنا التصرف إزاءه واستوعبنا تناقضاته. فكيف نجعل من تعددنا وتنوعنا مصدر قوتنا وعاملا يحول دون تحولهما إلى وسائل، من أجل إذكاء المزيد من الشك والريبة والخوف بين بعضنا البعض؟ أي كيف ندبر هذا التنوع والاختلاف ليصبح وسيلة لتطوير مجتمعنا وبلادنا، عوض أن يكون عائقا في تطورها ونموها؟؟ إن المسألة اليوم أكبر وأعمق من التضييق على الصحافة أو احتواء هذا التوجه أو تدجين الآخر أو الالتفاف على المشاكل والتحديات، في أفق كسب المزيد من الوقت.. المطلوب والضروري أن نسرع بوضع أسس وقواعد لعبة سياسية واضحة يحترم الجميع مقتضياتها ويلتزمون بشروطها. المطلوب وضع موازين القسط لتأطير الاختلاف والتأسيس لسلوكات وفقه تدبير الاختلاف، حتى يصبح المغرب بلدا لكل المغاربة. من هنا أتوجه لكل الفاعلين السياسيين وغير السياسيين بالمغرب لأقول لهم: تعالوا إلى كلمة سواء تجمع بيننا، تعالوا نتفق على قواعد شفافة للعبة السياسية، تعالوا نتفق على مشروع مجتمعي يكون بمثابة مشروع أمة، تعالوا لإتمام الانتقال إلى الديمقراطية، تعالوا نعمل، كل على شاكلته وفي إطار برنامجه الحزبي، على تفعيل هذا المشروع المجتمعي ودعم الوحدة والمصالحة الوطنية في أجواء من المواطنة الحقة والتعايش والتسامح والتكامل والتوافق والاتفاق، وبهدف تحقيق التراكمات لتدعيم بناء صرح دولة ديمقراطية عصرية حديثة؛ قوامها العدل والمساواة والإنصاف والحرية، دولة لا مجال فيها لإقصاء أو تهميش أي أحد بسبب أفكاره أو مرجعيته أو انتمائه العرقي أو اللغوي أو الجهوي أو الطبقي. وأكيد أننا لن نصل إلى الكلمة السواء هذه إلا بفضل حوار وطني شامل صريح وشفاف، وحينما أدعو إلى استئناف الحوار فهذا لا يعني التماهي في ما بيننا، فالاختلاف إن أحسنا تدبيره كما قلت سيكون إغناء حقيقيا لمشروعنا المجتمعي. وعلى الأقل سيمكننا الحوار من أن نتعارف في ما بيننا، فكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف. وللأسف الشديد جزء من محنتي اليوم تعود إلى سوء فهم أو سوء معرفة. إن سوء المعرفة يؤدي إلى التوجس والخوف من الآخر المختلف.. وعدم التعارف والحوار يؤديان إلى الاعتماد على الشائعات المغرضة والدعايات المتحاملة وعلى التمثلات الخاطئة لتحديد الموقف من الآخر المختلِف. ما يجب أن نؤمن به اليوم، أنه ليس كل إسلامي إرهابي أو غير ديمقراطي وليس كل علماني يكره الدين ويحقد على أتباعه وليس كل صحافي ينتقد الوضع السياسي متحامل أو مأجور وليس كل عربي يستهدف الثقافة الأمازيغية وليس كل أمازيغي عنصري، نعم هناك استثناءات فلا نجعل منها القاعدة.. إن الدعوة إلى الحوار الصريح؛ دعوة إلى تبني شكل مميز من الممارسة الديمقراطية: الديمقراطية الحوارية التشاورية.. هي دعوة مفتوحة للتأمل والتفكير الجماعي في تدبير المشترك من أسئلة و تحديات مطروحة اليوم علينا، وليس بمقدورنا تجاهلها أو الالتفاف عليها.. وما أبدع تلك القولة المنسوبة إلى هارون هذه الأمة؛ علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: حينما أشاور الناس.. فإني أشاركهم في عقولهم... الحوار وسيلتنا للتعرف على بعضنا البعض، وإنهاء حالة الشك والريبة والتأسيس للديمقراطية والحداثة المغربية.. بالحوار والاتفاق والتوافق سنقضي على آفة الاحتكار التي تهدد فعلنا السياسي: احتكار الدين أو الوطنية أو الملك أو السياسة أو السلطة أو الثروة.. السيد الرئيس السادة المستشارون السيد ممثل النيابة العامة.. يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. يوسف .85 فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.. أنا أرفض اليوم أن أبقى رهين محبسي وأرفض أن أستسلم لليأس والألم.. نعم انتصرت على المؤامرة والألم بالأمل، إننا في حزب البديل الحضاري قد تربينا على ما نسميه بثقافة الفسيلة، ثقافة تحث على التشبت بالأمل حتى في أحلك اللحظات وعلى العمل الصالح البناء من أجل ترجمة هذا الأمل إلى إنجاز يخدم البلاد والعباد. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة واستطاع أن يغرسها قبل أن تقوم الساعة فليغرسها. أي مصيبة أكبرهولا من قيام الساعة واختلال الكون.. عندما تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.. في تلك اللحظة يدعونا نبي الإسلام إلى التشبت بالأمل وزرع تلك النبتة الصالحة التي بين أيدينا، النبتة التي بين يدي اليوم؛ هي هذه الدعوة إلى الكلمة السواء لزرع الأخوة والمحبة والود، وإنهاء حالة الاستقطاب والتحارب والشك في ما بيننا. ولكن سيدي الرئيس، السادة المستشارين السيد ممثل النيابة العامة، بقدر حرصي على تجاوز محنتي وتشبتي بالمصالحة والوحدة الوطنية وباستقرار وأمن بلدي وسلمها المدني، أحرص أيضا على نيل حريتي لأني بريء مظلوم، فآمالي ورجائي أن تنصفني هذه المحاكمة وترد إلي اعتباري. أنا من أجل مصلحة بلادي وديني وأمتي كظمت الغيظ وعفوت عمن ظلمني، شرط أن تنتصر إرادة الإصلاح وتعود البلاد إلى المسار الديمقراطي وإلا فإن الموت في سبيل الديمقراطية والعدالة والمساواة أنبل وأهون من حياة في الذل وامتهان الكرامة والأسر. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.