نظم الإسلام جوانب المعاملات في المجتمع بصورة فريدة لا مثيل لها في غيره، من الأنظمة البشرية، وما ذاك إلا لأن الإسلام شريعة إلهية من الإله الحق المبين سبحانه، العليم بمصالح عباده وما يدفع عنهم المفاسد ويقيهم المضار. ومن أبرز هذه الأمور التي شرعها الإسلام ونظمها ورغب فيها القرض والسلف. فالقرض في الإسلام من محاسن الشريعة، ومن نعم الله - تعالى - على البشرية؛ لأن الإنسان في هذه الحياة معرض للابتلاء والامتحان، ومعرض لمحن الدنيا ونائبات الدهر، فقد تظهر له حاجة، أو تُلم به فاقة لا يجد ما يسدها ولا ما يقضيها به، مما قد يوقعه في الحرج والكرب والضيق. وبهذا تبرز مكانة القرض في الشريعة، فحين يحتاج المسلم لبعض المال؛ لحاجة نازلة أو فاقة أو جائحة فإن الشريعة تبيح له الاقتراض من أخيه المسلم لسد حاجته، وإغناء فاقته، وتفريج كربته. وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستقرض من الصحابة - رضي الله عنهم - عند حاجته، قال عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي - رضي الله عنه -: استقرض مني النبي - صلى الله عليه وسلم -أربعين ألفاً، فجاءه مال فدفعه إلي وقال: (بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الحمد والأداء)؛ أخرجه النسائي وابن ماجه. كما ندب الإسلام إلى مساعدة المسلم عند حاجته، وأمر بإقراضه وتفريج كربته؛ حرصاً من الإسلام على ألا يقع المسلم بدافع الحاجة في ارتكاب أمور لا تحمد عقباها؛ كالسرقة والاختلاس، ونحو ذلك من الأمور المحرمة. ولقد تواترت نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة سلفاً وخلفاً على فضل القرض وثوابه؛ بل إن القرض في الشريعة الإسلامية من أبرز مبادئها، وأظهر معالمها الدالة على سعيها للتيسير والتسهيل على المسلمين. يقول الله - سبحانه وتعالى -: (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة: 24). وكما أمر الإسلام بالقرض وندب إليه أمر بالوفاء به وحرص عليه؛ وفاءً لحقوق الناس، وشكراً لجميلهم، وعرفاناً بفضلهم. وقد بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوب أداء الدين، والنية الحسنة في قضائه، وبين أن مدار الأعمال على ذلك، وأن من استدان الناسَ ناوياً الإيفاء لحقهم أعانه الله على قضاء دينه؛ فقد روى البخاري وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله). ولكنه ومع شديد الأسف لما ضعف الإيمان عند كثير من الناس، وضيعوا الأمانة لم يعودوا يهتمون بوفاء ديون الناس، وإعطائهم حقوقهم؛ بل يماطلون صاحب الحق حقه، ولذلك أحجم كثير من الناس عن القرض والتسليف خوفاً على أموالهم من الضياع؛ لضعف ذمم الناس؛ حيث يأتي الإنسان إلى أخيه المسلم فيشكو إليه الحاجة والفقر حتى يُقرضه على أن يرد إليه حقه بعد شهر أو بعد سنة أو نحو ذلك. فإذا استقرض منه مضى الشهر والشهران والسنة والسنون، وهو يماطله في الوفاء بحقه، حتى لربما شاب الإنسان ودخل في المتاهات التي ليس لها نهاية وهو يطالب بحقه فلا يجد وفاء. فإذا بالجميل ينقلب على صاحبه هماً وندماً، والكثير منهم قد يجحدون الحق. وهذا من الأمور المحرمة التي نهى الإسلام عنها، فإنما يكون جزاء الإحسان بالإحسان، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لي الواجد يُحلَّ عرضه وعقوبته)؛ رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان. والمراد بذلك: أن مطل الغني لحقوق الناس يُحل التظلم عليه بقوله مطلني حقي، ويحل حبسه عقوبة له على ذلك حتى يفي بالدين لصاحبه. إن الواجب على المسلم إذا اقترض من أخيه شيئاً من المال، أو استلف منه شيئاً أن يرده إليه شاكراً لفضله، معترفاً بجميله، سائلاً له الأجر من الله - تعالى.