اتخذ النقاش في موضوع الإجهاض مسارات متباينة عكست تباين المنطلقات الحاكمة لتحركات العديد من المتدخلين وكذا الخلفيات المحركة للجهات المشتغلة على مراجعة القانون الجاري به العمل في هذا المجال، والذي لا يقيد ممارسة الإجهاض بشكل كبير ومسموح به فقط في حالة وجود خطر صحي على المراة الحامل. ليس هناك خلاف على أن هناك حاجة ملحة لمعالجة إشكالية تنامي ظاهرة الإجهاض السري، والذي لا يتقيد بأي قيد ويشكل رديفا في أغلب الحالات للحمل غير الشرعي بحسب ما كشف أحد القضاة، نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط، في ندوة نظمت حول الأمر، وفي الوقت نفسه هناك حاجة لمعالجة إشكالية تنامي الحمل غير الشرعي المرتبط بحالات الاغتصاب وخاصة منه حالات زنا المحارم أو اغتصاب القاصرات، إلا أن اعتماد سياسة للمعالجة في شقيها القانوني والميداني تفرض الانطلاق من تشخيص شامل للظاهرة ينطلق من تحديد حجمها والأسباب الكامنة وراءها والعوامل المغذية لانتشارها، حتى لا نقع في اعتماد سياسات جزئية وظرفية. يمكن التمييز هنا بين ثلاث رهانات حاكمة للنقاش القائم، فهناك من جهة رهان مجتمعي ينطلق من ضرورة إيجاد حل لحالات استثنائية لا يتيحها القانون الحالي وتهم بالأساس حالات الاغتصاب وزنا المحارم وانتهاك حرمة القاصرين، وهي الحالات التي يتيح الاجتهاد الفقهي المعاصر إمكانية حلها في إطار ضوابط يحددها ذوو الاختصاص، وهنا نثير التغييب المسجل للمجلس العلمي الأعلى وللهيأة العليا للإفتاء في الموضوع. الرهان الثاني يحكمه ما هو اقتصادي، ويتمثل في سعي البعض إلى توفير غطاء قانوني يتيح لهم ممارسة الإجهاض دون خوف من الملاحقة القانونية، وهو الرهان الاقتصادي الذي يجر البعض إلى محاولة الدفع في إباحة كلية للإجهاض أو توسيع حالات اللجوء إليه دون اعتبار الحق في الحياة للجنين، ويفرض عدم السقوط في منطق استغلال الحاجة إلى تقنين الإجهاض وفق ما يتيحه الاجتهاد الفقهي المعاصر لخدمة مصالح اقتصادية ومالية، ونتوقف هنا عند ملاحظة دالة، إذ لم يتجاوز عدد الملفات المطروحة 82 حالة لعدد جرائم الإجهاض في سنتي 2008 و2009 بحسب إحصائيات وزارة العدل، وذلك في الوقت الذي تتحدث فيه الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري عن وجود ما لا يقل عن 1000 حالة يوميا في الوضع الحالي، بما يعني أن إعمال النص القانوني الخاص بالإجهاض شبه معطل. على مستوى ثالث، نجد الرهان الدولي حاضرا، ذلك أن النقاش حول الحق في الإجهاض في مقابل الحق في الحياة هو جزء من نقاش دولي حاد لم يتمكن من حسمه، خاصة وأن القوى المتصارعة تنطلق من رؤى متباينة للإنسان والحياة، ولهذا نجد من المستغرب أن يتم استنساخ هذا النقاش في بلدنا ومحاولة الدفاع عن الحق في الإجهاض بإعمال مقولات الحرية الجنسية التي استعملها أحد المتدخلين في تلك الندوة، حيث نصبح آنذاك إزاء موضوع آخر لا علاقة له بمحاولة حل إشكالية الإجهاض السري بل باستغلال ما يرتبط به من إشكالات لفرض نموذج مناقض لقيم المجتمع المغربي. إن المغرب في حاجة إلى نقاش هادئ وعلمي واجتهادي لقضية معقدة تستلزم مشاركة كافة المتدخلين والفاعلين، وبدون هذا النقاش فإن النقاش مهدد بالانحراف عن مقاصده المجتمعية.