جاء تقريرالحالة الاجتماعية 2010/ 2009 الصادر عن المجلة المغربية للسياسات العمومية ليكشف عن أزمة اجتماعية حقيقية بالمغرب، إذ اعتبر أن العنوان الأبرز خلال السنة الماضية هو الاحتجاج الاجتماعي، وأن المغرب ضمن البلدان ذات مؤشرات التنمية الأضعف على المستوى الدولي بسبب ضعف المؤشرات الصحية بجانب مظاهر اجتماعية واقتصادية وبيئية أخرى مؤدية حتما إلى الهشاشة، ذلك أنه مع استمرار نفس الاختيارات من الصعب على المغرب تحقيق ولو 30 في المائة من أهداف الألفية من أجل التنمية. ويدخل الشركاء الاجتماعيون جولة جديدة من الحوار الاجتماعي يوم غد الجمعة في ظل العديد من المتغيرات التي تطبع المشهد الاجتماعي بالمغرب، وسط تنامي الاحتجاجات في دواليب العديد من القطاعات. وتضارب المواقف حول الجولات السابقة، ابتداءا من الحكومة التي تقول إنها خصصت 19 مليار درهم للحوار، ومرورا بالنقابات التي تؤكد تملص الحكومة من التزاماتها وتبنيها لنتائج من جانب واحد، وانتهاءا بالباطرونا(الاتحاد العام لمقاولات المغرب) التي فضلت سياسة الكرسي الفارغ، أمام تداعيات الأزمة واعتبارات أخرى. يدخل الفرقاء الاجتماعيون يوم غد الجمعة في جولة جديدة من الحوار الاجتماعي ، وتبين العديد من المؤشرات أن هذه الجولة ستكون على صفيح ساخن، في ظل تنامي الإضرابات بالعديد من القطاعات، وأكد الهندوف غياب أي مؤشر جديد يدل على أن الحكومة ستقدم على إيجاد حلول لمختلف النقاط المدرجة بالحوار الاجتماعي، مضيفا أن النقابة حذرة إزاء هذا اللقاء. من جهته اعتبر عبد الصمد المريمي، من الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أن العديد من القطاعات تعيش على وقع المشاكل، وأخرى توقف الحوار بها. وبأن الساحة تعرف العديد من الاحتقانات مثل قطاع الجماعات المحلية والعدل والبريد ووكالات الأحواض والتعليم العالي. وبأن الحكومة لها فرصة من أجل تجاوز هذه الاحتقانات الموجودة في الساحة. واعتبر بأن اللجوء إلى آليات أخرى مثل النضال مازالت قائمة. وأنه بعد جولة الحوار الاجتماعي الآتي سيكون هناك تنسيق بين النقابات من أجل بلورة المواقف المناسبة على ضوء النتائج. ومن جهتها اختارت الكونفدارلية الديمقراطية للشغل تصعيد لهجة التعاطي مع الملف الاجتماعي بالإعلان عن مسيرات عمالية 48 ساعة بعد هذه الجولة، وذلك خلال التاسع من الشهر الحالي، وأكد عبد الرحيم الهندوف، القيادي بالاتحاد المغربي للشغل، أن الاجتماع الأخير للنقابة خلال 21 أبريل قرر الدخول في إضراب إلا أنه لم يعلن عن التواريخ، لأنه ينتظر التنسيق مع باقي المركزيات الأخرى، من أجل تحديد تاريخ مشترك. مشيرا إلى أن قرار المسيرة الوطنية ما زال قائما. وقال عبد الرحمان العزوزي، الكاتب العام للفدرالية الديمقراطية للشغل ، أكد أن نقابته من ناحية المبدأ مع السلم الاجتماعي، إلا أنه لا يمكن التنازل عن القضايا المطروحة، وإذا استمرت الحكومة في نهج نفس أساليبها سيكون اللجوء إلى اتخاذ قرارات نضالية حسب ما جاء بالمجلس الوطني، معتبرا في الوقت نفسه أن التنسيق مع باقي المركزيات النقابية مايزال قائما. جولة جديدة بنفس قديم يدخل الفرقاء الاجتماعيون الحوار الاجتماعي في ظل أوضاع اقتصادية نسبيا أحسن من السنة الماضية، إلا أن السؤال الذي يطرح هو انخراط الاتحاد العام لمقاولات المغرب في هذه الجولة بعد غيابه السنة الماضية، إذ سبق لأحد أعضاء الباطرونا أن أكد أن لديهم تصورا جديدا للحوار الاجتماعي. وهو ما يعني أن الحوار برمته فوق حقل ألغام، يمكن أن ينفجر بسبب التهديد الدائم للنقابات بالتصعيد وغياب الباطرونا وتطمينات الحكومة. المريمي قال إن النقابة تتمنى أن تفرز هذه الجولة نتائج مهمة لصالح الشغيلة، ولا تسقط في نفس سيناريو الجولات السابقة، معتبرا أن الحكومة تعهدت أن تتجاوز التعثرات التي عرفتها مختلف الجولات السابقة، والوصول إلى الحلول المدرجة في جدول الأعمال. وأكد أن تحسن الدخل يرفع من القدرة الشرائية للأجراء، ولها ارتباطات اقتصادية، أي أن تحسين الدخل يؤدي إلى الرفع من القدرة الشرائية ومن الطلب، ومن ثم التحسين من العجلة الاقتصادية. واعتبر أن الرجوع إلى مؤشرات المندوبية السامية للتخطيط يؤكد أن ارتفاع تكلفة المعيشة بقي مستمرا منذ ,2008 وذلك قبل أن تقدم الحكومة على الرفع من تحسين الدخل. من جهته اعتبر الهندوف بأن الحكومة لم تقدم أي مؤشر، سواء في تغيير المنهجية أو المقاربة، معتبرا أن فشل الحوار مع المهندسين مؤشر سلبي، على اعتبار أنه لم يخرج بنتيجة فتوقف. تضارب في التصريحات في الوقت الذي يؤكد فيه جمال أغماني وزير التشغيل والتكوين المهني أن الحوار الاجتماعي تطلب 19 مليار درهم أكد الهندوف بأن القول إن الحوار الاجتماعي للسنة الماضية خصص له 19 مليار درهم مجانب للصواب، على اعتبار أن التخفيض من الضريبة على الدخل لا يمكن أن يكلف 10 ملايير درهم، وأن الزيادة المباشرة في الأجر لم تهم 970 ألف موظف للدولة والجماعات المحلية حسب ما أكدته الحكومة. وقال إن القواعد في مختلف النقابات تصر على توحيد الجهود بين النقابات، وهو ما أعطى نتائج في بعض المدن. وحول عودة الانتعاش الاقتصادي، وإمكانية استجابة الحكومة لمطالب النقابات، أكد أن تحسين القدرة الشرائية للأجراء شكل من أشكال مقاومة الأزمة، بالإضافة إلى أن القول بأن كتلة الأجور بالمغرب مرتفعة غير صحيح، على اعتبار أن 10 في المائة من الساكنة النشيطة تشتغل في القطاع العام، مقابل 20 في المائة بفرنسا و30 بمصر و16 بتونس و20 بالجزائر. وقال أغماني إن الحكومة عملت على الرفع من قيمة الدعم المخصص للنقابات في جانب التكوين النقابي من مليوني درهم سنة 2009 إلى 3 ملايين درهم سنة ,2010 ومن 15 مليون درهم سنة 2009 إلى 20 مليون درهم سنة 2010 فيما يخص دعم الدولة السنوي؛ فضلا عن الزيادة في قيمة المعاشات الدنيا إلى 600 درهم شهريا؛ ومراجعة قيمة التعويض عن زيارة الطبيب والطبيب المختص من قبل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي - اعتماد التعريفة المرجعية الوطنية. وأكد أغماني خلال تقديمه لحصيلة الحوار الاجتماعي بأن هناك تسوية لوضعية الموظفين المرتبين في السلاليم من 1 إلى 4 من خلال الحذف النهائي لهذه السلاليم، همت 115 ألفا و444 موظفا مستفيدا بمفعول مادي بأثر رجعي من يناير ,2008 بالإضافة إلى العديد من الإجراءات الأخرى. *** الزيادة في الأجور المطلب الأول للشغيلة اعتبر تقريرالحالة الاجتماعية أن الحوار الاجتماعي بين النقابات والحكومة بدون سلم، من خلال الاختلاف البين بينهما حول جدول الأعمال، وانفراد الحكومة بإصدار بلاغ حول النتائج. مشيرا إلى أن الحوار ما زال متعثرا لأن عروض الحكومة لا ترقى إلى مستويات طموحات الشغيلة. وأكد التقرير أن الحوار الاجتماعي خلال السنة الماضية عرف استمرار غياب الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وحضور الكونفدرالية الديمقراطية للشغل جولات الحوار في لقاءات ثنائية مع الحكومة في غياب باقي النقابات، والاختلاف البين بين الحكومة والمركزيات النقابية حول جدول الأعمال، وانفراد الحكومة بإصدار بلاغ حول نتائج الحوار. وبسبب استمرار غياب الاتحاد العام لمقاولات المغرب منذ سنة ,2008 وموقف والي بنك المغرب الذي نبه الحكومة في يوليوز من السنة الماضية إلى عدم الالتزام بتدابير تكلف المالية العمومية المزيد، فإن ذلك أفرز بلاغا للوزارة الأولى جاء في نظر المتتبعين، للحسم في الحوار الاجتماعي، بعدما لم تتمكن الحكومة من التوصل إلى اتفاق مع الشركاء الاجتماعيين؛ بسبب الإكراهين السابقين (الأزمة المالية العاليمة التي تبرر بها المقاولات تشبثها بموقفها وموقف بنك المغرب). واستأنفت جلسات الحوار الاجتماعي بين النقابات العمالية الأكثر تمثيلية والحكومة مع بداية يوليوز من السنة الماضية، بعد توقف دام شهرين. وعرف الحوار عودة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بعد توقف الحوار في القطاع الخاص منذ أواخر ,2008 بسبب رفض الباطرونا لمطالب النقابات. ومن أهم نقاط الخلاف في الحوار الاجتماعي، مطلب الزيادة في الأجور وإقرار سلم متحرك وحد أدنى لها. فبينما ترفض الحكومة فتح ملف الأجور قبل سنة ,2011 معتبرة بأنها قامت بالفعل بزيادة غير مباشرة في الأجور من خلال تخفيض الضريبة على الدخل خلال السنة الماضية والحالية. واعتبرت النقابات من جهتها بأن الزيادات التي تمت ليست إلا استدراكا لما كان يجب أن يتم منذ مدة، بسبب الغلاء الكبير في الأسعار. ويدخل كذلك مشكل الترقية الاستثنائية في نقاط الحوار الاجتماعي، بالإضافة إلى إلغاء السلالم من 1 إلى 4 وكذا مطلب التعويض عن العمل في مناطق بعيدة. كما شكل انسحاب الباطرونا من جولات الحوار الاجتماعي في فبراير 2008 ضغطا وتحديا جديدا للحفاظ على الحوار والسلم الاجتماعي. ويرجع انسحاب الباطرونا من جولات الحوار إلى شهر فبراير من سنة ,2008 وتعتبر الخلفيات الكامنة وراء مطالبة الباطرونا بإجراء تعديلات تتجلى في كون نسبة المقاولات التي تطبق قانون الشغل تتراوح ما بين 20 و30 في المائة فقط، حسب إحصاءات مفتشي الشغل والنقابات. هذه الأخيرة تعتبر هذه الأرقام مؤشرا دالا على تهرب المقاولات من تطبيق القانون. أما المقاولات فتبرر الأمر بصعوبة تنفيذ بعض مقتضيات قانون الشغل، الشيء الذي دفعها إلى تقديم حوالي 70 مقترح تعديل على أنظار جطو. *** ..2009 سنة الاحتجاجات أكد تقرير الحالة الاجتماعية 2010/ 2009 أن السنة الماضية كانت سنة الاحتجاج الاجتماعي، وبالرغم من أن المغرب لم يعش مثل ما سبق أن وقع بسيدي إفني أو صفرو؛ لكن ثمة تحولات عميقة تعرفها ظاهرة الاحتجاج، إذ تداولت كثيرا الصحافة أسماء مناطق من هوامش المغرب العميق شكلت فضاءا لحركات احتجاجية أخذت في الغالب الشكل الذي عادة ما تسميه الصحافة بمسيرات الجوع، مثل ما وقع بآيت عبدي ببني ملال وآيت غيغوش وتيمقيت وآسامر ودوبلال. وعرفت السنة الماضية أحداثا ووقائع مرتبطة بالجانب الاجتماعي، إذ شهدت احتجاجات وإضرابات طيلة أشهر السنة؛ وصلت في أوجها إلى اثنين وعشرين إضرابا في شهر نونبر. وشملت هذه الإضرابات مختلف القطاعات من صحة وتعليم، وقطاعي النقل والعدل والجماعات المحلية والمالية... فقد اقتحمت مع بداية السنة مجموعات من المكفوفين المعطلين مقر وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن. وعرف شهر فبراير إضرابا شمل قطاعات التعليم والصحة والإسكان والجماعات المحلية. كما نظم بنفس الشهر مسيرة الجوع ببني ملال. أما شهر مارس فعرف إضربات همت أساسا قطاعات النقل والعدل والتشغيل، فقد أحدث مجموعة من المعطلين ارتباكا في حركة سير القطارات بمحطة الرباطالمدينة بعد أن اقتحموا المحطة وتجمهروا فوق السكة الحديدية. كما أثارت مدونة السير بلبلة وغضبا كبيرين برزا في الإضرابات التي نظمت رد فعل عليها، فقد عُلق في شهر أبريل للإضراب الوطني بقطاع النقل، والذي شل أغلب المرافق الحيوية بالبلاد. ودعت اللجنة الوطنية لأساتذة الابتدائي والثانوي الإعدادي الحاملين للشهادة العليا إلى وقفات احتجاجية وإضراب عن الطعام ابتداء من نهاية يونيو لتراجع وزارة التربية الوطنية عن الاتفاقات السابقة. وفي شهر يوليوز شارك العشرات من الأطفال والشيوخ في مسيرة ضد العزلة والعطش بأزيلال. ونظمت تنسيقية الرباطسلا لمناهضة الغلاء في شهر شتنبر سلسلة من الوقفات الاحتجاجية ردا على ما اعتبرته هجوما على القدرة الشرائية للمواطنين. أما في شهر نونبر فنظم حوالي 300 عدل بجهة فاس وقفة احتجاجية. هذه الإضرابات انعكست بالتأكيد على الحياة اليومية للمواطن وامتدت تداعياتها من الشارع إلى المؤسسات. وقد أعادت هذه الإضرابات من جديد إثارة قضية التأطير النقابي ووضعية بنيات الوساطة الاجتماعية، كما جعلت مفارقة توازي حضور الحوار الاجتماعي وغياب السلم الاجتماعي تبدو مفارقة مستمرة في المشهد الاجتماعي، مما يدعو إلى التفكير في صيغ أنجع للحوار والتفاوض. واعتبر التقرير أن هناك ترييفا (من الريف) لظاهرة الاحتجاج، يوازيه كذلك التأنيث المتزايد للاحتجاج، مضيفا أن السنة الماضية عرفت زخما من الوقائع والأحداث ذات الطبيعة الاجتماعية، إذ تميزت بالإضرابات المتواترة في قطاع النقل، وهي الإضرابات التي انعكست بشكل واضح على الحياة اليومية للمواطن، وأعادت طرح قضية التأطير النقابي ووضعية شبكات وبنيات الوساطة المجتمعية، ووصلت تداعياتها من الشارع إلى المؤسسات بعد عملية تعليق مدونة السير بمجلس المستشارين.