تكشف البيانات التي تلقاها الأمين العام الأممي من قبل المنظمات النسائية غير الحكومية عن معطيات مهمة، يصلح أن تتحول إلى مادة للنقاش العمومي، لاسيما وأن الأمر يتعلق أولا بقضايا المرأة والأسرة، ويتعلق ثانيا بوجهات نظر بممارسة بعض الضغط إلى أن تتحول مقترحاتها وتوصياتها إلى إجراءات تلزم الحكومات بتغيير سياساتها ومقتضياتها التشريعية الوطنية بما يناسب وجهات النظر تلك. وبالنظر إلى هذه البيانات، يمكن أن نقف على توجهين اثنين: - توجه يركز على النقاط الجوهرية في مناهج بيكين، خاصة ما يتعلق بالفقر والتعليم والصحة الإنجابية ومشاركة المرأة في السلطة وصناعة القرار السياسي..، ويركز على خطورة التأويلات التي تحاول منظمات الضغط إعطاءها لبعض فقرات منهاج بيكين، خاصة ما يتعلق بقضية الشذوذ الجنسي والإباحية والإجهاض، ويطالب بالتصدي للصناعة الجنسية التي تهين المرأة وترسم صورة ضارة بها، وتدعو إلى مواجهة الاستغلال الجنسي للمرأة في وسائط الإعلام المختلفة.. - وتوجه يركز بوجه ضمن قضية الصحة الجنسية والإنجابية للمرأة على توسيع فرص الإجهاض والضغط من أجل إقرار إجراءات يسمح من خلالها بممارسة ضغوط على الدول التي تحظر الإجهاض أو تقيده بشروط من أجل تمتيع المرأة بحقها في الإجهاض المأمون، ويركز ضمن هذه النقطة على حرية المرأة في التصرف بجسدها واتخاذ قرارات حرة فيما يتعلق بحياتها الجنسية (الإباحية)، كما يركز ضمن قضية المساواة بين الجنسين على حق الشواذ جنسيا في التمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الآخرون؛ بما في ذلك الممارسة الجنسية، وعلى إلغاء كل التشريعات الوطنية التي يرون فيها تمييزا بين الرجل والمرأة كالإرث والمهر والنفقة وما إلى ذلك. هذه البيانات التي وقفنا بشكل عارض على بعض توجهاتها تبرز حقيقتين اثنتين: 1 الأولى: وهي أن تنامي الشعور داخل المجتمعات الغربية نفسها بخطورة الصناعة الجنسية وتحدي الإباحية الجنسية وتحدي الصورة المنحلة التي تكرسها وسائط الإعلام بمختلف أشكالها على المساواة بين الجنسين، فلم تعد الأطروحة الغربية التقليدية التي تقول بالعائق الذي تشكله التقاليد والأفكار الدينية أمام تعزيز المساواة بين الجنسين، لم تعد هذه الأطروحة تحظى بإجماع المنظمات النسائية الغربية، بل برزت أطروحة أخرى تنبهت إلى الجانب المقابل، والمتمثل في الإباحية والصورة الجنسية النمطية التي تكرسها وسائل الإعلام، وهو تحول لافت لا يقل عن التحول الذي برز منذ خمس سنوات، عند محطة بيكين+,10 عندما بدأت أطروحات غربية تركز على مقاربة الأسرة والتضامن الأسري، وتحذر من ضغوط لوبيات الإباحية والشذوذ. 2 الثانية: وهو بروز دعوات صريحة تبرز مطالبها بكل وضوح في اتجاه مطالبة الحكومات لتغيير سياستها وإلغاء قوانين ترى هذه المنظمات خ من زاوية نظرها- أنها تتعارض مع مبدأ المساواة بين الجنسين، إذ طالبت بعض الجمعيات بتغيير بعض القوانين، خاصة في الأحوال الشخصية، وبشكل خاص الإرث والمهر والنفقة وما يتعلق ببعض أحكام الزواج. هاتان الحقيقتان تجعلاننا أمام تحديين كبيرين، يكون الأول في تفعيل دور التدافع الإيجابي وتوسيع مجاله وآلياته بما يضمن توسيع شبكة المدافعين عن القيم والأسرة والتضامن ومحاصرة دعوات الإباحية والتحلل، وهو أمر ممكن خاصة مع المنظمات النسائية المسيحية والمنظمات النسائية ذات الأهداف المشتركة أو القريبة. أما التحدي الثاني، فيفرض اشتغالا علميا واجتهاديا وتدافعيا حتى لا تنجح هذه الدعوات في الضغط لاستصدار ما من شأنه أن يتعارض مع هوية البلد وثوابته الدينية، لاسيما في وجود أقلية في الداخل تدعم هذه الدعوات.