المتتبع لفيلموغرافيا المخرج المغربي حسن بنجلون يلاحظ بكل موضوعية تطرق هذا الأخير لعدة مواضيع غالبا ما تكون ذات بعد اجتماعي وسياسي، ابتداء من شريطه عرس الآخرين(1990) إلى غاية آخر شريط له المنسيون(2009)، مرورا بمحاكمة امراة(2000) وشفاه الصمت(2001) ودرب مولاي الشريف(2004) وفين ماشي أموشي(2007) الذي يعد رغم الانتقادات أول شريط مغربي ينبش في الذاكرة اليهودية المغربية، وخصوصا هجرة اليهود المغاربة إلى فلسطينالمحتلة. وهذا البعد السوسيوثقافي هو الذي يعطي لأفلام بنجلون الطويلة (بالرغم من قلتها بحيث لا تتجاوز العشرة) تميزها وبصمتها في السينما المغربية. مع الإشارة إلى تطورها على المستوى الفني، عملا بالمثل الفرنسي بخطوات بطيئة لكن أكيدة. بالنسبة لشريط المنسيون أو منسيو التاريخ الذي فاز بجائزة السيناريو في الدورة 11 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، والذي قدم الخميس الماضي بقاعة الفن السابع بالرباط في عرض ما قبل الأول، يوضح جليا ما تمت الإشارة إليه. فالشريط الذي صور ما بين المغرب(فاس والدارالبيضاء) وبلجيكا(بروكسيل) يهرض للمشاهد بطريقة سلسة ومؤثرة مشكل مافيا الدعارة التي تتصيد الفتيات المغربيات وغير المغربيات اللواتي يحلمن بالهجرة إلى أوروبا. لكن بعد وصولهن يكتشفن الواقع الذي زج بهن فيه، ليجدن أنفسهن مضطرات للتعاطي للدعارة( في الماخور) تحت التهديد إن أردن الحفاظ على أرواحهن. موازاة مع ذلك الشريط يعرض أيضا معاناة الشباب المغربي العاطل، والذي يتطلع إلى حياة كريمة من خلال الهجرة، خاصة الهجرة غير الشرعية، فيتم استغلاله ببشاعة في بلد أوروبي يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان. وقد استطاع أبطال وبطلات الشريط أن ينقلوا بيكيفية احترافية تجسيد تلك المعاناة دون السقوط في المبالغة. من هنا يأتي الجانب الإنساني والدراماتيكي للفيلم الذي يوجه أصبع الاتهام، سواء إلى السلطات المغربية التي لا تسهم في الحد من شبكات الدعارة أو إلى بعض البلدان الأوروبية التي تستغل فقر المهاجرات خاصة المغربيات للمتاجرة فيهن. لذلك يعتبر شريط المنسيون شريطا يساير أحداث الواقع المعاش. لكن في المقابل، وعلى مستوى آخر، يحتوي الشريط على مشاهد مثيرة وجريئة، ويتعلق الأمر بمشاهد جنسية قوية وبمشاهد تنقل أجواء الماخور، إضافة إلى مشاهد تعرض الممثلات بملابسهن الداخلية فقط. فهل لأن الفيلم يتطرق إلى الدعارة لابد من هذه المشاهد الفجة؟ أم أن الأمر يستدعي التعامل مع تلك المشاهد بطريقة أخرى مثل مشهد الاغتصاب الذي تم التعامل معه بطريقة ذكية، إذ تم التركيز على صرخة الفتاة المغتصبة أكثر من فعل الاغتصاب؟ مما أعطى المشهد قوته الدلالية والرمزية. مع هذه المشاهد هل بإمكان الجميع أن يرى الشريط؟ شرعية هذه الأسئلة، وخصوصا السؤال الأخير، تأتي من كون أن شريحة عريضة من المواطنين ومنذ ظهور أشرطة مغربية ذات جرأة مبالغ فيها أصبحت تتساءل هل بإمكانها رؤية شريط مغربي مع أفراد العائلة دون إحراج. بمعنى أن الجانب الأخلاقي والقيمي والمتمثل في احترام الحياء العام الذي يحاول البعض تهميشه في الإبداع السينمائي والفني مايزال حاضرا عند المتلقي المغربي. فكيف يمكن حل هذه المعادلة التي تتوقف عليها توجهات السينما المغربية؟