من المرتقب أن يكون فيلم منسيو التاريخ جاهزا للعرض، في الأسابيع الأولى من سنة 2010، و الفيلم من فئة الأفلام الاجتماعية تلتقي عندها وتفترق مجموعة من الحيوات، وجعل من ثيمة تجارة الرقيق الأبيض والهجرة موضوعه الرئيسي. وضع حسن بن جلون اللمسات الأخيرة على فيلمه الجديد «منسيو التاريخ»، والذي سيكون جاهزا للعرض بالقاعات السينمائية المغربية، مطلع السنة القادمة، فيلم «منسيو التاريخ» إنتاج بلجيكي مغربي مشترك بين المركز السينمائي المغربي والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والقناة التلفزية الثانية (دوزيم) وشركة «بنطقيرلا» و«راديو كولتير3» و«إيماجيفيلم». الفيلم من فئة الأفلام الاجتماعية التي تلتقي عندها وتفترق العديد من الحيوات ضمن فضاءات تتراوح ما بين داخل وخارج المغرب. وتجري أهم أحداثها الرئيسية بأحد أحياء مدينة بروكسيل البلجيكية، وتجمع ثلة من الممثلين المغاربة والفرنسيين والبلجيكين والأتراك والسينغاليين، إضافة إلى طاقم تقني مغربي بلجيكي. يتناول الفيلم تيمة الهجرة في إطارها الإنساني العام، وبجميع أشكالها القانونية والسرية، وتهم العديد من الجنسيات الساعية إلى تحقيق حلمهما البعيد جدا في مجتمع دافع عن حيواناته وامتهن أشرف مخلوقاته.. حيث تلتقي المدنية والعبودية، مسلطا الضوء على واحدة من أحط أنواع التجارة في تاريخ البشرية، وهي تجارة الرقيق الأبيض، ومقدما الدليل على أن أوربا بعيدة كل البعد عن أن تكون تلك الجنة التي يتخيلها الشباب «المخدوع»، بل تعني عند الكثيرين منهم التمدن والتحضر والرقي، وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات القديمة/الحديثة التي مازالت تصرعليها في كل محفل ومنتدى، ليجدوا أنفسهم عرضة لكل أصناف المعاناة من البغاء القهري ومرورا بالاستغلال والعنصرية وسوء المعاملة، إلى غياب قدرة الإفصاح عن هوياتهم إما لكونهم ضحايا عقود مزورة أو لكونهم لا يتوفرون على إقامة قانونية. يقوم ببطولة الفيلم الفنان عبد الرحيم المنياري الذي يجسد دور مهاجر مغربي يتحدر من أصول اجتماعية متواضعة، ويعيش ببروكسيل، هذه المدينة التي تستهويه فينغمر في لذائذها. عن دوره هذا، تحدث عبد الرحيم المنياري عبر اتصال هاتفي ل«المساء» عن كون الشخصية التي أسندها إليه حسن بن جلون، هي شخصية مهاجر اغترب عن وطنه، وانسلخ عن هويته وجذوره الثقافية، دون أن يستطيع الإندماج في الثقافة الأوربية بشكل إيجابي، أو يكسب هوية مغايرة، ليجد نفسه ممزقا بين هويتين، وعمق من معاناته أنه شخص لا يتوفر على مستوى ثقافي أو تكوين مدرسي، وسينغمس في الحياة بشكل فج إلى أن يرتبط بعلاقة مع صديق ابن جلدته، لم يكن في البداية قادرا على تحمله، فقد فرض عليه من طرف رب العمل حيث كان الإثنان يشتغلان بمؤسسته، وفي ما بعد ستقوم بينهما علاقة حميمية، جعلت البطل يستعيد مجموعة من القيم التي انسلخ عنها لمدة عشرين عاما. هذا الصديق الذي جسده الفنان أمين الناجي، يقول عنه المنياري إنه جاء إلى بلجيكا في إطار الهجرة السرية، وكان مهووسا بضمان قوت المستقبل، يكد ليل نهار من أجل العودة إلى الوطن لإتمام زواجه من خطيبة كان يظن أنها في انتظاره، لكنه سيفاجأ بأنها هاجرت بدورها بناء على عقد عمل مزور، لتحترف أقدم مهنة في التاريخ وتعمل لصالح تجار الرقيق الأبيض، مما أحدث عنده نوعا من الصدمة والفجيعة. فالشريط يعكس قصة ثلاث فتيات يجدن أنفسهن تحت رحمة مافيا تستغلهن من أجل الاغتناء، وتلتقي مصائرهن مع مصائر بعض المهاجرين السريين، حيث تختلط مشاعر الحب بالضياع بالرغبة في الانعتاق بالإحساس المرير بالاستغلال من قبل الآخرين. وعلى هذا الأساس، يرى المنياري أن حسن بن جلون عالج في شريطه موضوعا ذا صبغة عالمية في إطار محلي، اعتمادا على مسار البطلين الرئيسيين اللذين شكلا الخيط الموجه للبناء الدرامي. وأشاد المنياري بالإدارة الفنية للممثلين من طرف حسن بن جلون، فقد وصفها بالجيدة، وبأنها تستند على روح الفريق الجماعية، وإشراك الممثل من مرحلة الإعداد إلى المراحل النهائية للتصوير، ودون أن يجعل منه مجرد دمية، بل يوفر له الشرط الإنساني. «المساء» لم تتمكن من الاتصال بحسن بن جلون لكونه يوجد خارج المغرب، وقد سبق أن قال لوكالة المغرب العربي للأنباء إن «الفيلم الذي تم تصويره بالمغرب وبلجيكا يبين أن أوربا ليست الفردوس الذي نتصور.إنه تحذير لهؤلاء الشباب الذين يتعلقون بالأوهام»، مضيفا أن نقل القصة إلى الصورة لم يكن بالأمر الهين و«أن تبين الأمور كما هي في حقيقتها لم يكن سهلا»، كما أن المطلوب كان يتمحور بالدرجة الأولى حول عملية الكشف هاته، مبرزا أن الخط الموجه للفيلم كان يستقي نسغه من الواقعية الجديدة ومن البحث السيكولوجي والداخلي لكل شحصية. وعلى صعيد آخر، أشار إلى أن الكاستينغ طرح تحديا كبيرا إذ إن الممثلين الذين اشتغلوا في هذا العمل كانوا ينتمون إلى جنسيات مختلفة (مغاربة وأفارقة من جنوب الصحراء، وعرب وأوربيين). يشار إلى أن هذا الفيلم، مزدوج اللغة (عربي، فرنسي) والذي صور بمدن الدارالبيضاء وفاس وبروكسيل، تحضر فيه نخبة من الممثلين المغاربة من أمثال أمين ناجي ومريم أجدو وعبد الرحيم المنياري ويوسف الجندي إلى جانب ممثلين بلجيكيين وفرنسيين من أمثال ساكر بونوا وكلير هيلين كاهنماني وبول ماري وأنايس مورو. يذكر أن حسن بنجلون، المخرج وكاتب السيناريو، ازداد بسطات عام 1950، وتابع بدءا من سنة 1980 وعلى مدى ثلاث سنوات دراساته في مجال الإخراج بالمعهد الحر للسينما بباريس، بعدها مباشرة أخرج عمله الأول وكان شريطا قصيرا بعنوان «الاتجاه الواحد».ولدى عودته إلى المغرب، اشترك مع أربعة مخرجين مغاربة آخرين في تأسيس تجمع الدارالبيضاء الذي تولدت عنه خمسة أفلام طويلة من بينها شريطه الروائي الأول «عرس الآخرين»، كما أنجز ستة أفلام طويلة أخرى هي «ياريت، أو زمن أغنية» الذي أخرجه عام 1993، و»أصدقاء الأمس» (1996)، و»شفاه الصمت» (2000)، و«محاكمة امرأة» (2001)، و«الغرفة السوداء» (2004)، و«فين ماشي أموشي» (2007).