كشفت تقارير الجولات الميدانية التي تؤسس عمل الجمعيات العاملة في مجال محاربة المخدرات والأقراص المهلوسة، أن العديد من الأحياء الهامشية بالدارالبيضاء يرتفع بها واقع تعاطي المخدرات والقرقوبي بصورة مأساوية، بل إن المعطيات المتوفرة تجعل من دروب المدينة القديمة بسيدي بليوط عاصمة لترويج هذه المنتوجات، خاصة أحياء بوطويل، كارتي كوبا، وبوسبير القديم، وكذا درب كارلوتي ودرب اليهودي بدرب السلطان، فيما لا يختلف الأمر بالنسبة لأحياء مولاي رشيد، ودرب مولاي الشريف وكاريان سنطرال بالحي المحمدي، وكذا سيدي مومن ودوار السكويلة..، فيما استند مسؤول بجمعية الكفاح ضد القرقوبي وحماية الشباب من المخدرات، إلى معطيات الأمن بسيدي البرنوصي، وهي تؤكد أنه خلال شهر تم اعتقال أزيد من 40 مروجا لهذه البضاعة السامة، لدعم حصيلة جولات ميدانية قامت بها جمعيته في أحياء سيدي البرنوصي، ليقرر واقعا أضحى مكشوفا، وهو يعلن أن درب المعاكيز حاليا يتصدر أحياء الدارالبيضاء في تعاطي وترويج حبوب الموت المحقق، التي تعرف في أوساط المدمنين والمروجين باسم القربوبي، أوالبولة الحمراء، وفي أروقة الصيدليات بالريفوتريل، فيما لم يجد مصطفى ضعوف مسؤول التواصل والإعلام بهذه الجمعية، أقرب من التدليل على شراك هذه الآفة التي وقع بها درب المعاكيز، سوى أن يسميه بكولومبيا الدارالبيضاء، في محاولة منه لتقريب حقيقة مأساوية، تحصد يوميا عشرات الضحايا الجدد من مدمنين أغلبهم تلاميذ قاصرون، أو شباب ضائع في الشوارع وأوكار الانحراف..، استعبدهم هذا السم القاتل فيزيولوجيا ونفسيا، فأخرج معالم الحياة والأمل والطموح منه...، وهم يعيشون على نزعة الانتقام من أنفسهم قبل الآخرين..، ففي المدينة القديمة بسيدي بليوط، كان ثمن القطعة الصغيرة من الحشيش يصل إلى 10 دراهم، غير أن تغير الوضع أدى إلى ارتفاع ثمن القطعة الواحدة إلى 50 درهما، حسب إفادة بعض المستهلكين لهذه المادة، وهو ما أدى إلى تزايد الإقبال على استهلاك أقراص القرقوبي مع وفرة في العرض وهبوط في السعر. هي الصورة واحدة؛ تؤثث مشاهد المتعاطين لحبوب الموت البطيء، نوبات من الهستيريا، تنتزع منهم الصفة الآدمية، مما يتسبب في أبشع الحوادث الإجرامية، ومنها مجزرة سيدي مومن التي هزت الرأي العام تدق ناقوس الخطر، فالقاتل لم يكن سوى مستهلك تحت تأثير هذه السموم، تجرد من كل المشاعر الإنسانية والروابط الأسرية، وهو يضع حدا لحياة والدته وأخته الحامل وزوجها وابنهما. وكانت منظمة الصحة العالمية قد فاجأت المغاربة مؤخرا بتقرير خطير تسترت عليه السلطات المحلية، يفيد بأن نصف المغاربة مريضون بأمراض نفسية، والأقوى من ذلك أنها بسبب ارتفاع تعاطيهم المخدرات، وعلى رأسها القرقوبي والحشيش ولخمر..، في حين تؤكد لغة الأرقام أن حوالي 60 في المائة من الجرائم التي ترتكب، هي بسبب هذا البلاء القاتل. الذي تجندت لمحاربته جمعيات مدنية مختلفة في إطار قوافل تحسيسية، وهي تدق ناقوس الخطر تحت شعار لا للمخدرات ولا للقرقوبي؛ بمشاركة خبراء نفسيين واجتماعيين وأطباء ومثقفين وفتيان سبق لهم أن كانوا مدمنين. عبد الكبير العيسي، رئيس جمعية تسمى لا للقرقوبي، وتضم ائتلاف جمعيات، الظل الوارف وساعة الفرح والأزهار، يشير إلى أن الإقبال على الأقراص المهلوسة كبير في أحياء الصفيح والأحياء الهامشة وفي السجون الكبرى، قبل أن يقرر بأن الحملة الثالثة لجمعيته ركزت على مدينة الدارالبيضاء لضخامتها وكثرة المدمنين بها. وهو ما يؤكده تحفي عبد الصمد منسق قافلة لا للقرقوبي، معتبرا أن معطى التعاطي لهذه الآفة ينتعش بالمدينة بدرجة كبيرة، لدرجة أنه يترتبط بجرائم متعددة، مشيرا إلى أن التفكير في القافلة مرتبط بواقع اجتماعي، تترصده بضاعة سامة بدراهم معدودة (3راهم)، منسق قافلة لا للقرقوبي، يشدد على أن معطى آخر يحرك القافلة، إذ إن انفتاح العمل التحسيسي على المؤسسات التعليمية، أبرز أن واقع تعاطي المخدرات والقرقوبي بهذه الفضاءات يتزايد، ولئن كانت مجزرة سيدي مومن الأخيرة قد قوت الدافع إلى تنظيم القافلة الحالية وتكثيف حملات التحسيس، (وهي المقاربة الوحيدة التي تعتمدها الجمعيات لحد الآن، في ظل إمكانات محدودة جدا لا توزاي سرعة انتشار هذه الآفة)، فإن حصيلة عمل الجمعية ومن خلال أربعة مراكز للجمعية (توجد بمدينة الدارالبيضاء)، تؤشر على أن القافلة تأتي أكلها بنسب لا يمكن إلا أن تقوي دافع التحرك لمواجهة هذا الخطر بكل الوسائل المتاحة، فالقافلة يضيف عبد الصمد تحفي، انطلقت سنة ,2005 بينما تم توسيع المشاركة سنة ,2007 إذ كان ثمن ترويج القرقوبي يترواح بين 60 إلى 70 درهما، لينخفض الثمن إلى ما بين 20 إلى 30 درهما سنة ,2008 بعدما تم تشديد الخناق على مروجي الحبوب المهلوسة. في حين يؤكد عبد الكبير العسي، رئيس جمعية الظل الوارف، والفاعل في الائتلاف المشارك في الحملة التي وصلت مراكش...، بأن تجاوب الشباب مع الحملة التحسيسية ناجح، ويشدد على أن العديد من المتعاطين بدأو يدركون خطورة الموت القادم إليهم من حبوب الهلوسة.. مصطفى ضعوف مسؤول الإعلام والتواصل بجمعية الكفاح ضد القرقوبي وحماية الشباب من المخدرات، بدوره يقول إن حملة تحسيسية تخوضها جمعيته في إطار الإسهام بالتوعية بخطورة سم القرقوبي القاتل، تحت شعار يستبطن تحريك مسؤولية أولياء الأمور نحو أدوار التوجيه والرعاية ماتغمدوش عويناتكم على وليداتكم، تنطلق من مراكش قبل أن تحط الرحال بمدينة الدارالبيضاء؛ من خلال تنظيم مهرجان قافلة المواطنة، وهو شهر ثقافي بدون مخدرات بمنطقة سيدي مومن، وتمتد إلى الشواطيء بشعار شواطيء بدون مخدرات. ورصد مصطفى ضعوف من خلال عمله الميداني في مجال محاربة هذه الآفة، أن الإقبال على مخدرات رخيصة تدعى القرقوبي وبأسماء لا حصر لها يتزايد، وهي عقاقير هلوسة تقتنيها الطبقة الفقيرة، تروج في السوق السوداء ويستوردها المهربون من الخارج، مضيفا أنه بالمقابل هناك ما سماه بقرقوبي العائلات الميسورة روكان بلو، ميتسيبيسي، بلادن، بولا روش، مولا فيغرا الذي اكتشف بمهرجان كناوة بالصويرة. هذا الواقع حرك الدكتورة حنين أيضا من خلال جمعية الائتلاف الجمعوي لحماية الشباب من المخدرات التي تضم 13 جمعية، للانخراط في الحملات التحسيسية التي تدق ناقوس خطر حقيقي اسمه حبوب الموت بدراهم معدودة، وهي تستقطب حالات مدمنين في إطار مركز للاستماع لضحايا القرقوبي والمخدرات، استطاع منذ إنشائه أن يعالج حوالي 122 حالة من مدمني المخدرات. وتراهن الدكتورة حنين على استراتيجية جهوية لمحاربة المخدرات، كانت قد أشرفت على إنجازها وتمت المصادقة عليها بحضور سلطات المدينة وجهات وزارية مختصة، لكنها لم تر النور إلى حدود الآن. بعيدا عن عمل الجمعيات التي تحارب هذه الآفة بمقاربة محدودة في الزمان والمكان، وإن كانت تحرك هذا الواقع على أكثر من مستوى، ففي عملها رسائل تخاطب جهات متعددة للانخراط في حملة شاملة لإيقاف نزيف حبوب الموت المحقق الذي تستبطن هذه النهاية المحتومة لمستهلكيها بعض أنواع هذه الأقراص التي يطلق عليها اسم ودعوني . فالمعطيات تفيد بأنه تم ضبط 85 ألف حبة هلوسة في السنة الماضية بالبيضاء وفاس ووجدة فقط، وفي العاصمة الاقتصادية، بلغ عدد القضايا التي لها علاقة بالمخدرات السنة المنصرمة 2777 ملفا، تم تناولها قضائيا، ذهب ضحيتها 205 من بينهم 99 قاصرا ، فيما وصل عدد قضايا القرقوبي المحالة على المحاكم 353 قضية، حوكم فيها 390 شخصا.