سألني أحد أبنائي وهو طالب جامعي: هل المجتمع الغربي يكن كل هذا الحقد على الاسلام والمسلمين؟ قلت لماذا؟ قال: ألم يصوت غالبية الشعب السويسري على قرار حظر المآذن هناك بالإيجاب؟! قلت : أرأيت لو عرضت الحكومة المغربية على الشعب استفتاء حول حظر الكنائس بعد حملة إعلامية تبين خطورة التبشير الذي يستهدف مواطنيها، أكانت النتيجة غير ما قرره السويسريون بشأن المساجد هناك؟ ! لم تكن الديمقراطية في يوم من الأيام آلية لهضم حقوق الأقليات، وهذا ما لا يخفى على السيد أحمد عصيد الذي يزعم في مقال نشرته الجريدة الأولى: عدد ,478 الثلاثاء 08 دجنبر 2009 أن : النقاش الذي كانت سويسرا مسرحا له في الأيام الأخيرة، و الذي حسم باستفتاء شعبي صوت فيه الشعب السويسري ضد مطالب المسلمين السويسريين، أظهر حقيقة الأزمة التي يعيشها المسلمون بالبلدان الغربية الديمقراطية ... والسؤال الكبير الذي يحتاج إلى نقاش عميق وهادىء : هل تصلح الديمقراطية لتصريف الخلاف حول القيم والمبادىء الدينية والإنتماءات العرقية؟ أم ستبقى حبيسة البرلمانات ومجالس الأمة تحل الإشكالات السياسية والولاءات الإيديولوجية ليس الا؟. الديمقراطية لا تنفك عن سياقها الفلسفي الشيخ عبد السلام ياسين وهو من المثقفين الإسلاميين ذوي الإطلاع الواسع على الفلسفات الغربية، يرى أن الديمقراطية لا تنفك عن سياقها الفلسفي، وهو سياق يفصل الدين عن الدولة، ويطرح الشورى بسياقها الإسلامي بديلا. ومعلوم أن الشورى مبدأ عام ذكر في القرآن في موضعين لتثبيت قيمة العدل في المجال السياسي، وتم تنزيلها على الواقع في عهد الخلفاء الراشدين، كل بحسب اجتهاده، ثم رفعت ووضع مكانها السيف، إلا فترات مشرقة يعرفها كل من اطلع على التاريخ الإسلامي بإنصاف، ولكن هذا التنزيل للشورى على فترات متقطعة لم يسمح بمأسسها أو هيكلتها أو بلورة آليات لتصريف الخلاف السياسي والمذهبي والإثني والطائفي بمرجعية الشورى الإسلامية. فكان المعول عليه الإستنجاد بالآليات الديمقراطية الغربية من طرف الإسلاميين المشاركين في العمل السياسي الحديث مع فصلها عن سياقها الفلسفي والقيم الغربية التي أنتجتها (الحرية والمساواة كقيم مؤسسة للديمقراطية موجودة أصولها في الإسلام،لكن بتباين مع الرؤية الغربية لهذه القيم) فعاب عليهم ذلك السلفيون وبعض العلمانيين!. يقول أحمد عصيد منتقدا سلوك المسلمين السويسريين في التعامل مع نتائج الإستفتاء على حظر مآذنهم . يريد مسلمو سويسرا والغرب عموما استعادة الإسلام الصافي والنقي كما هو في منابعه الأصلية مكة و المدينةالمنورة، وبرواية وتفسير علماء السلف، ولكن دون مغادرة البلاد الغربية أو التفريط في مكاسبهم فيها، ودون التفريط في هياكل وقوانين الدولة الديمقراطية التي ينعمون تحت ظلها بكل الحقوق. يريدون أموال الغرب وحقوقه ومكاسبه المادية، ولا يريدون قيمه وفلسفته التي بفضلها ينعمون بتلك الحقوق ... (المرجع السابق) ثم يقول : ما لا يفهمه المسلمون أيضا هو أن الديمقراطية كل لا يتجزأ. وهذه هي التهمة نفسها التي يوجهها السلفيون الجهاديون وغيرهم للديمقراطية ثم يسمونها بالكفر، شأنها شأن المجالس التشريعية التي تشتغل تحت ظلها ... مقولة: الديمقراطية كل لا يتجزأ إن مقولة الديمقراطية كل لا يتجزأ بالغة الخطورة، يستغلها الحداثيون المتعصبون لثقافة الغرب وقيمه لإحراج الإسلاميين المشاركين في العمل السياسي في إطار التداول السلمي على السلطة وإقصائهم من اللعبة! ويستغلها السلفيون المتشددون لتكفير الديمقراطيين من الإسلاميين وغيرهم. يستغلها الأولون للترويج لثقافة الغرب والتحلل الأخلاقي والحرية الجنسية وأنماط العيش الغربي ولغته وأشكال الزي عنده وفنونه وفسوقه، مهما كانت مخالفة لثقافة مجتمعهم وخصوصياته، ويعتبرون ذلك كله من روح الحداثة ومنتجاتها التي لا تنفك عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ويستغلها الآخرون لنقض عرى المجتمع والخروج على الدولة وإحداث القلاقل والفتن التي لا تقل خطورة على سابقتها. الأولون يهدمون عالم الأفكار والقيم، والآخرون يهدمون عالم الأشخاص والأشياء بتعبير المفكر الإسلامي مالك بن نبي. إننا إذا أخذنا تجربة دول شرق آسيا، كمثال صالح للقياس، باعتبارها دولا كانت متخلفة واستطاعت في ظرف زمني وجيز أن تصبح لاعبا أساسيا في الإقتصاد العالمي، سنجد أنها في سعيها للوصول إلى هذه المكانة قد تعاملت مع الحداثة الغربية بكثير من الفهم والنقد البناء، الذي مكنها من اختيار ما يتلاءم مع حاجياتها على المستوى المادي، إذ إنها تبنت من الحداثة جانبها التقني المتعلق بالصناعة والإقتصاد ونبذت الجانب الفكري والإجتماعي. وقد أكدت كثير من الدراسات الإقتصادية والسوسيولوجية وتلك المهتمة بعلم النفس الثقافي، على أن تجربة دول شرق آسيا قد اعتمدت في نجاحها على المزج الفعال بين القيم البوذية والطاوية والكونفوشيوسية من جهة، والحداثة التقنية من جهة أخرى. وأن القيم الغربية على مستوى التصورات والعلاقات الإجتماعية بقيت هامشية ومحدودة التأثير. (الحسين وافق؛ الأيام : 64262 يناير 2007). هذا ما يسعى إليه حزب العدالة والتنمية التركي وعموم الإسلاميين المتنورين، لكن الغرب الصليبي لا يهتم كثيرا بتطوير المختبرات والبحوث الجامعية عندنا إلا بقدر ما تخدم مصالحه، ويفضل تصدير التكنولوجيا في صورة منتوجات للإستهلاك على استنباتها في أرضنا وجامعاتنا. يريدنا أسواقا مستهلكة وشعوبا تابعة، لكن بالمقابل يدافع باسم حقوق الإنسان والديمقراطية عن الشواذ الجنسيين عندنا وعن الأمهات العازبات، وذوي النزعات الإنفصالية، والذين يقدمون رغيفا لجائع باسم يسوع الرب له المجد! كل ذلك تحت عنوان : الديمقراطية كل لا يتجزأ ! ! بكلمة: يسعى الغرب لتصدير زبالة الحداثة إلينا ويحجب عنا عناصر القوة التي جاءت بها ! !. (يتبع)