يسود الاعتقاد لدى العديد من الباحثين بأن العقوبات الحبسية ليست ذات موضوع في ظل النظام الجنائي الإسلامي، خاصة وأن مسألة حقوق السجين لم تطرح إلا بعد تطور الفكر الجنائي والعقابي في القرن ,18 لكن الشريعة الإسلامية اعتنت عناية دقيقة بالشروط العامة التي يتم فيها تنفيذ العقوبة، سواء العقوبات السالبة للحرية أو العقوبات البدنية، فكلاهما تحكمه مبادئ معينة هي بمثابة ضمانات لمرحلة التنفيذ، كعدم الإيلام وتأجيل التنفيذ لأسباب إنسانية أو التنفيذ بالأيسر، وكما هو معلوم فإن العقوبات السالبة للحرية هي تلك العقوبات التي تندرج ضمن إطار ما يعرف في الفقه الإسلامي بالعقوبات التعزيرية. فإذا كانت العقوبة هي الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع، حسب بعض الفقهاء، فإن المقصود من فرض العقوبة على عصيان أمر التنازع هو إصلاح البشر وحمايتهم من المفاسد واستنفاذهم من الجهالة وإرشادهم من الضلالة وكفهم عن المعاصي وبعثهم على الطاعة، فالعقوبات كما يرى بعض الفقهاء هي: موانع قبل الفعل، زواجر بعده ومن تم فإن العلم بشرعيتها يمنع الإقدام على الفعل وإقامتها بعده يمنع العودة إليها. وهكذا فإن العقاب في مقاصد الشريعة الإسلامية مقرر لإصلاح الأفراد وحماية الجماعة وصيانة نظامها الاجتماعي والحضاري، كما أن حدها وتقنينها يتقرر بحسب حاجة الجماعة إليها، وذلك بما يسهم في تحقيق أمنها واستقرارها، يقول ابن تيمية بأن العقوبة: إنما شرعت رحمة من الله تعالى بعباده، فهي صادرة عن رحمة الخلق وإرادة الإحسان إليهم، ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم، كما يقصد الوالد تأديب ولده وكما يقصد الطبيب معالجة المريض، ولذلك فإن تأنيب الجاني ينبغي ألا يخرج عن إطاره الصحيح الذي رسمته مقاصد الشريعة، فالانتقام لا يعد هدفا للعقوبة، والعقاب لا يعني الانتقام من مرتكب الجرم، بل يعني الاستصلاح أولا ثم الزجر ثانيا، وهكذا فإن حجم العقاب يختلف باختلاف الجرم المرتكب، كما أنه يختلف باختلاف الأشخاص، فالعقاب ليس واحدا بالنسبة للفعل الواحد، بل يختلف حسب الأشخاص... فعلى عكس القوانين الوضعية، فإن الشريعة الإسلامية لم تفرض لكل جريمة من جرائم التعازير عقوبة معينة، بل تركت للقاضي الحرية في اختيار نوع العقوبة وكمها، ذلك أن تقييد القاضي بعقوبة معينة قد يمنع العقوبة من بلوغ مقاصدها المتمثلة في الزجر والإصلاح. ويعتبر الحبس من العقوبات التعزيرية التي يمكن للقاضي الحكم بها إذا رأى فيه تحقيق غاية العقوبة وهدفها، وهو نوعان محدد المدة وغير محدد المدة...