كانت هذه أمنية خبير بالأممالمتحدة، وهي أمنية مازالت بعيدة التحقيق، في فرنسا، 87% من الآباء المستجوبين يمارسون هذا التأديب بدون تأنيب الضمير. هل دقت ساعة نهاية الصفدة (ضرب الردف بالكف)؟ هذا ما تجعلنا التوجيهات الدولية نفكر فيه والتي أثبتت أن سنة 2009 ستكون سنة تستهدف إلغاء العقوبات الجسدية في كل دول العالم. وهو أجل حدد من طرف البروفسور باولو سيرجيو بيهييرو، خبير مستقل بالأممالمتحدة، في دراسة عرضت على الجمعية العامة لمنظمة الأممالمتحدة في أكتوبر سنة 2006 بغاية خلق تناسق بين السياسات التي يتبعها، في هذا المجال، كل بلد على حدة. والحال أن واقع التشريعات بالعالم يشهد بأن الطموح الرامي إلى رفع هذا التحدي، خلال سنة 2009، مبالغ فيه. حتى الآن، فقط 23 بلدا على 129 الموجودة منعت الضرب على الردف، الصفعات، وأنواع أخرى من الضرب بالكف، و24 وعدت بإجراء الإصلاح في أقرب وقت. في أوربا، فقط 18 بلدا من المجلس من أصل 47 منعت ذلك. فرنسا ليست ضمنها. وإذا مااعتمدنا استقراءات الرأي الأخيرة، فإن الفكرة لن تحصل على أصوات مادام 87% من الآباء المستجوبين يعترفون بأنهم مارسوا هذا التأديب في بحث لاتحاد الأسر بأوربا، الذي أنجز في دجنبر 2007. مما يؤكد أن الاتجاه يميل نحو الارتفاع، إذ بلغت نسبة الذين يمارسون هذا التأديب 85% حسب الشهادات المستقاة من طرف (la Sofres) سنة 1999. «من المؤكيد أن هذا الهدف لن يتحقق في هذه السنة، كما اعترفت بذلك إلفا مورينو، مديرة برنامج «بناء أوربا من أجل ومع الأطفال» بمجلس أوربا. تضيف: «التحسيس وتطور التشريع هما دائما بطيئان، أنظروا ماجرى مع تحريم التدخين! لكننا نتقدم». مجلس أوربا الذي قام بحملة واسعة سنة 2008، سيقر في أثناء سنة 2009 «سياسة موحدة لإستراتيجيات متكاملة ضد العنف» من أجل تسريع الأشياء. «الأطفال ليسوا أنصاف كائنات بشرية تحظى بأنصاف الحقوق»، هذا ما خلصت إليه هذه المؤسسة. «عندما نضرب الكبار، فإنه اعتداء. عندما نضرب الحيوانات، فإنه وحشية. عندما نضرب الأطفال، (فإنه من أجل صالحهم).» كما لاحضت ذلك بسخرية. الآثار الضارة غير قابلة للمناقشة إذا كانت بعض الجمعيات العائلية تطالب بحق الأزواج في مزاولة دورهم الأبوي، وضمنه العقوبات الجسدية، وتدعو «الدولة إلى الاهتمام بشؤونها»، فإن العديد من الأخصائين يدينون الآثار المشؤومة لمثل هذه الممارسة التأديبية. وأبدت الدكتورة جاكلين كورنيت، مؤسسة «جمعية لاصفعات ولا ضرب على الارداف!» قلقها قائلة: «الآثار الضارة هي علميا غير قابلة للمناقشة». بالنسبة لأوليفيي ماوريل، هذا الطبيب المناضل والذي وضحت كتاباته العلاقة المتبادلة بين العنف الذي يتعرض له شخص وتعدد الحوادث والأمراض الجسدينفسية لدى هذا الشخص، فإن «الصفدة ليست أبدا لصالح الطفل، ودائما للتخفيف عن الوالدين»، بل يذهب ماوريل، مؤسس مرصد العنف التأديبي، إلى تأكيد أن عنف مجتمعاتنا يجد جذوره في «الترويض العنيف الموجه منذ آلاف السنين ضد الكائنات البشرية عندما كان دماغها في طور التكوين». عن جريدة الفيغارو الفرنسية عدد 2009/01/23 آثار العقاب البدني على حياة الطفل يكاد يتفق معظم علماء النفس والاجتماع والمربين والباحثين الاجتماعيين وفقهاء الإسلام على أن العقاب إذا تجاوز حده يصبح وسيلة قمع واستبداد. وأنه أخفق دائما في تكوين شخية متكاملة. فحين يتخذ العقاب شكل اللامبالاة ويترك الطفل في مؤخرة القسم ولا يكلف بأي نشاط مدرسي، أو في حالة معاقبته عقابا بدنيا، فإننا لا ننتظر من هذا الطفل سوى التمرد والغضب أو الانطواء الأبدي يضيف إلى صعوبة التعليم والتمدرس صعوبة أخرى تزيد من شدة الوطأة على المتعلمين وتقل فيهم روح التفكير والمبادرة والاهتمام وتشيع الرهبة في قلوبهم فضلا عن أنها تبعث على الكراهية. وقد يؤدي اللجوء إلى العقاب إلى الخوف والخوف يؤدي إلى رد فعل دفاعي ثم يأتي العقاب. وهكذا تظل الحلقة حامية «عقاب - خوف - رد فعل - عقاب...». موقف التربية الحديثة من العقاب البدني لاشك في أن المعاملة التي يتلقاها الطفل لها علاقة وثيقة بصفاته وقدراته المكتسبة وبتكوين ذاته، فالطفل الذي يتلقى الاهتمام والرعاية والاحترام والتقدير يكون الذات الإيجابية بينما الطفل الذي يقابل بالنقد والحرمان والعقاب غالبا ما يتكون لديه شعور بالنقص نحو ذاته، وشعور سلبي نحو الآخرين. يقول هشام الشرايبي في كتابه «مقدمة لدراسة المجتمع المغربي» إن العقاب يعلم الأطفال الصغار اتباع سلوك سلبي في مواقف مختلفة: كأن يضربوا عندما يغضبون: هذا السلوك السلبي المكتسب قد يعزز بطريق مباشر أو غير مباشر. فإذا سئل طفل كيف يتعلم أن يضرب؟ فمن المحتمل أن يكون الجواب بأن الطفل قد حصل على مقابل هذا السلوك. والضرب في حد ذاته سلوك عدواني خبيث وهدم وتدمير وإيذاء للآخرين، أما الشعور بالغضب والعصبية وغير ذلك من الانفعالات التي تنعكس على سلوك الفرد ظاهريا، فتحين بالشعور العدواني المقيد. أما العفو فهو فضيلة وخير يستعمل لفائدته. وعلى أي حال فالعقاب البدني يدخل في نمو وتطور الضمير عند الطفل. فالضرب المتكرر يزيل مسألة الشعور بالذنب عنده أي أن الضرب هو الثمن الذي يدفعه الطفل مقابل أخطائه ويشعر بعد ذلك أنه حر في تصرفاته ويصبح الضرب عنده كدين مستحق يدفع أقساطه كلما أساء التصرف ثم يخلد للراحلة والكسل. وقد وضع أحد الخبراء قواعد من الضروري مراعاتها قبل أن يمارس العقاب مع الابن أو تلميذ وهذه القواعد هي:1 - الطفل مرهف الحس بالعدالة: احرص على ألاتعاقب أي طفل بريء وإن فعلت غير ذلك تترك في نفسه ألما شديدا وتخلف في قلبه غصة تعصف بكيانه. وتترك في عقلك شعورا بالمرارة قد لايستره أو ينسفه مرور الزمن. واعلم أن الطفل يكون مستعدا لقبول العقاب حين يؤمن أنه مذنب؛ ولذلك فمن الواجب عليك أن تشرح له خطأه وتذكره بما كان يجب عليه الالتزام به وأن تبين له لماذا ستعاقبه. 2- لاتعاقب وأنت غاضب: هذه القاعدة يجب أن لاتغيب عن بالك لأن هناك فرقا بين الانتقام والعقاب. فالانتقام لايصدر إلا عن فظ الطبع والمبغض الكاره. وإن العقاب لايصدر إلا عن محب كريم، وإن الغضب كفيل بأن يدفعك إلى أمور قد تندم عليها طول حياتك. 3 - لاتكثر من العقاب البدني: لاتلجأ إليه إلا في الأحوال النادرة الشاذة والشديدة الخطورة، لأن الضرب المستمر يزيل مسألة الشعور بالذنب عند الطفل. إذا كان الضرب ضرورة يفرضها الوضع الاجتماعي ويظهرها الواقع العملي اليومي، فإن الثواب حق وفضيلة وخير المطلوب على وجه اليقين. وكما يقال للضرورة أحكام. وضرورة العقاب إذا تقبلناها على مضض، فلتكن مما يليق بكرامة الطفل كإنسان. وإذا خيرت بين الأخذ بأحد الضررين، فاجنج إلى الأخذ بأخفهما. وفي كل الأحوال، فليكن العقاب بعيدا كل البعد عن وضاعة الانتقام، لأن الانتقام والغضب قد يخرجانك عن دائرة النفع إلى عيوب الضرر. موقف القانون الجنائي المغربيمن العقاب البدني للطفل أحاط القانون الجنائي المغربي الطفولة بسياج من القوانين الخاصة التي ترتبط أولا بطبيعة الطفل العقلية والجسدية. فالطفل الصغير لايستطيع الدفاع عن نفسه إذا تعرض لأذى. ولايقدر على رد الاعتبار لذاته. كما لايستطيع أيضا تقييم خطوط المؤامرات التي تحاك ضده. وترتبط من ناحية ثانية بالصفة الخاصة لزمرة من المجرمين والمنحرفين الذين يقدمون على استغلال الضعف الطبيعي للطفل وإلحاق الضرربه. ولذلك قام بحماية الطفل عن طريق تجريمه لكل أفعال الإيذاء التي يتعرض لها في جسده أو في نفسه أو في عرضه. ولم يحدد وسيلة من وسائل الإيذاء أو العنف كما فعل التشريع المصري الذي حددها في الضرب والجرح وإعطاء مواد سامة. وإنما ذكر الضرب والجرح وأي نوع آخر من انواع الإيذاء مهما كان بسيطا وتقوم جرائم الإيذاء بتوجيه الفعل إلى جسم الطفل مما يؤثر على سلامته ويشكل اعتداء على حق من حقوقه التي تشتمل على: 1 - حق الطفل في الاحتفاظ بمادة جسده: فأي اعتداء يمس مادة جسده يشكل جريمة يعاقب عليها القانون سواء أدى الاعتداء إلى بتر عضو من أعضائه أو استنزاف كمية من دمائه أو أدى إلى تغيير فيه بالطعن بآلة حالة، فيحدث في جسده جروحا أو تشويها. 2 - حق الطفل في الاحتفاظ بالمستوى الصحي، الذي يتمتع به. فكل فعل يترتب عليه الإخلال بالسير الطبيعي لأجهزة الجسم سواء كان دائما أو مؤقتا يعد جريمة . 3 - حق الطفل في التحرر من آلام البدن. فكل فعل يترتب عليه ألم بدني للطفل يشكل جريمة من الجرائم، جرائم الإيذاء؛ وذلك كركله أو صفعه أو طرحه أ رضا أو لي ذراعه أو ضربه. والضرب هو الضغط على أنسجة الجسم بمادة خارجية دون أن يؤدي ذلك إلى تمزيقها. وتفصيل القول في العقاب البدني من الجهة القانونية يستغرق وقتا طويلا، لأن طبيعة الموضوع تقتضي تناول الركن المادي للفعل الجنائي في الجرائم العمدية، تتراوح بين 20 و 30 سنة. فإن كان الموت نتيجة لأعمال معتادة ولم يكن الجاني يقصده، فإن العقوبة تكون هي السجن المؤبد. وإن كان الجاني قاصدا الموت، فالعقوبة هي الإعدام؛ وذلك في الفصل 410. 2- صفة الجاني: إذا كان مرتكب الجريمة أحد أصول الطفل: الأب، الأم، الجد أو شخصا له على الطفل سلطة أو مكلفا برعايته كالوصي والقيم أو المدرس الذي يشرف على تعليمه وتربيته، فإن العقوبة تكون أشد ومضاعفة خلافا لما يعتقد البعض. وكمثال على ذلك في حالة الإيذاء الذي ينتج عنه مرض أو عجز تقل مدته عن عشرين يوما أو لم ينتج نتيجة ضرب أو جرح أو أي نوع آخر من أنواع العنف والإيذاء، فإذا كان الشخص لايرتبط بالطفل بعلاقة النسب أو التكليف بالرعاية أو أي نوع آخر، فإن العقوبة تكون في هذه الحالة الحبس من شهر واحد إلى سنة. أما إذا كان الشخص أحد أصول الطفل أو المكلف بتعليمه، فالعقوبة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات. ولعل هذا المقال كاف للتدليل على أن صفة الجاني أخذت بعين الاعتبار عند تحديد العقوبات الزجرية حتى لايظن صاحب الصفة أنه حر في تصرفاته مع طفل تحت إمرته. وخلاصة القول إن القانون الجنائي المغربي منع المس بسلامة الطفل الجسدية مهما كان بسيطا ورتب لذلك عقوبات زجرية مشددة في حق المدرس خاصة - ولابأس في هذا الصدد بالتذكير بالفصلين 433 و 432 من القانون الجنائي المغربي والمتعلقين بالضرب والجرح العمد... 1 - الفصل 433 من تسبب بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو عدم مراعاته النظم أو القوانين أو إهماله في جرح غير عمدي أو إصابة أو مرض نتج عنه عجز عن الأشغال الشخصية تزيد مدته على ستة أيام يعاقب بالحبس شهرا واحد إلى سنتين. وغرامة من مائة وعشرين إلى خمس مائة درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط. 2- الفصل 432 من ارتكب بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم أو القوانين قتلا غير عمدي أو تسبب فيه عن غير قصد يعاقب من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين إلى ألف درهم. من هنا يتبين لنا جليا أن المدرس مسؤول أمام العدالة عما قد يتسبب فيه من أضرار أو جرح أو عاهات تصيب التلاميذ من جراء معاقبتهم بالضرب. وكذلك إن من حق الآباء وأولياء التلاميذ متابعة المدرس قانونيا عند تعرض أبنائهم للعقاب والضرب بصفة خاصة.