أطلق موقع "الملتقى الفتحاوي" على الإنترنت حملة المليون توقيع لمطالبة القيادة الفلسطينية بكشف ظروف مقتل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات رحمه الله. وفي حين تنكر الدوائر الفتحاوية في الداخل الفلسطيني معرفتها بالموقع المذكور، فقد أشارت مصادر في الحركة إلى صلته برئيس الحركة فاروق القدومي، والذي تشهد علاقاته مع محمود عباس مرحلة شد وجذب لم تتوقف فصولاً بعد. بعيداً عن صراع القطبين المذكورين وحيثياته، والذي يمكن القول بكل بساطة إنه يتركز حول الصلاحيات، فإن مسألة موت عرفات لم تأخذ حظها من النقاش في الأطر الفتحاوية، وإذا صح أن القدومي هو الذي يقف خلف الموقع المشار إليه فإن مسؤوليته عن استمرار الحملة ستكون كبيرة، مع أن مسؤوليته إزاء هذا الملف لم تكن هامشية من الأصل. من المؤكد أن استخدام هذا المسألة الشائكة في سياق التجاذب بين عباس والقدومي لن يكون في صالح هذا الأخير إلا في حال استمر المسعى وصولاً إلى كشف ملابسات ما جرى للرئيس الراحل الذي نعتقد اعتقاداً راسخاً ومعنا الغالبية من الفلسطينيين وغير الفلسطينيين أنه قتل مسموماً، أما فتح الملف ثم إغلاقه بعد تسوية الخلاف بين الرجلين فلن يكون مقبولاً بحال من الأحوال، وسيضر بسمعة القدومي في ذات الوقت الذي يضر بسمعة حركة فتح التي استكثرت على زعيمها تحقيقاً يكشف ملابسات وفاته، مع أن دوائر كثيرة لا زالت تشير إلى معرفة الحقيقة وتجاهلها لأسباب سياسية. نقول ذلك لأن سياق ما جرى للرجل منذ سفره إلى باريس مروراً بتجاذبات المستشفي والأروقة المحيطة به، وصولاً إلى مشهد السيد محمود عباس وهو يتسلم الملف الطبي من ابن أخت الراحل ناصر القدوة أمام الصحافيين (عيّن هذا الأخير بعدها وزيراً للخارجية)، والذي كان قد تسلمه بدوره من الفرنسيين، كل ذلك لا زال يطرح أسئلة بلا حصر حول حقيقة ما جرى. بل إن السؤال الذي طرحه المراقبون بعد تسليم الملف هو طبيعة المعلومات التي توفرت فيه، ولماذا لم يوضع أمام الملأ على مواقع الإنترنت، إذا كانت الحقيقة بالفعل هي أن الرجل قد مات موتاً طبيعياً ولم يقتل بالسم بطريقة أو بأخرى؟! ما جرى بكل بساطة، وهو الذي يدركه السيد فاروق القدومي كما يدركه السيد محمود عباس هو أن قتل الرجل على يد الإسرائيليين قد تم في لحظة تراجع استثنائية في الوضع العربي، المصري على وجه الخصوص، وفي وقت كان يدركون حقيقة برنامج المرشح القادم لرئاسة السلطة، وهي معطيات كان من الطبيعي أن تؤدي تحت وطأة الضغط الأمريكي إلى تغييب الجريمة، في حين كان الموقف الفرنسي متوقعاً، فباريس لن تفتح على نفسها معركة مع الأمريكان ويهود العالم أجمع من أجل كشف الحقيقة في قضية مقتل الرئيس الفلسطيني، بل إن نقله إلى باريس بموافقة الإسرائيليين ربما كان جزء لا يتجزأ من مؤامرة إخفاء سبب الوفاة. لن نتحدث هنا عن مقولات كثيرة نسبت إلى هذا المسؤول الفلسطيني أو ذاك ممن كانوا في باريس أو في الداخل حول الرئيس الراحل، وكلها تؤكد مسألة القتل بالسم، لكننا نشير فقط إلى السياق المنطقي للأحداث، وهو سياق يؤكد نظرية القتل على نحو أقرب إلى اليقين منه إلى الشك. مرة أخرى نتمنى أن لا تكون الحملة الجديدة جزءً من المعركة بين عباس والقدومي، وفي حين يمكن لهذا الأخير أن ينكر صلته بالموقع الإلكتروني المشار إليه، فإن ذلك لا يعفيه من مسؤولية العمل على كشف ملابسات مقتل مؤسس الحركة، تماماً كما هو الحال بالنسبة للسيد محمود عباس، لكنها السياسة اللعينة وتوازناتها، تلك التي لن تسمح بشيء كهذا، أقله في الظرف الراهن، لكننا واثقون من أن أحداً ما سيقول الحقيقة في يوم من الأيام. وهي في العموم حقيقة لن تغير كثيراً في مجرى الصراع، اللهم إلا التأكيد على بشاعة العدو الذي نواجه، واستحالة التوصل معه إلى أية تسوية تملك الحد الأدنى من القبول، وإلا فهل كان ياسر عرفات متطرفاً حين طالب ب22% من أرض فلسطين التاريخية؟! ياسر الزعاترة