كما سبق أن بينا في الحلقات السابقة، لا تقتصر عمارة الدار على الجوانب المادية، من تجهيزات وبنايات...، كما يمكن لكثيرين تصوره، ولكن العمارة الأهم هي العمارة المعنوية التي ترتكز على الإنسان. فالخراب إذا طال العلاقات بين أعضاء الأسرة فإنه قد يجر الخراب حتى على الجوانب المادية في الدار، لكن العكس غير صحيح. وكما للعمارة المادية مؤشرات تدل عليها وعلى درجتها وغناها، من بنايات ونظم حياة وغيرها، فللعمارة المعنوية أيضا مؤشراتها الخاصة. ولا شك أن من بين أهم هذه المؤشرات هو التحلي بمقتضيات قيمعمارة الدار. ونجد من بينها قيم الحب و الحنان وقيم التقدير والاحترام المتبادل وقيم الثقة والإخلاص والصدق، وقيم الرحمة والعفو والصبر، وقيم الصراحة والوضوح، وقيم التعاون والإيثار، وقيم جلب المنفعة ودرء المفسدة، وقيم الغيرة والشرف، ... ومن الواضح أنه بقدر ما تكون شبكة العلاقات الأسرية فقيرة إلى مثل هذه القيم، بقدر ما تكون أقرب إلى الخراب العمراني. وكثيرا ما نجد بيوتا هي أقرب إلى الجنة في جوانبها المادية من حدائق وفن معماري وتجهيزات... لكنها جهنم حقيقية من حيث الضنك الذي يعيش فيه أهلها بسبب خراب ما بينهم من علاقات وقيم يجعلهم لا يلحظون المستوى المتقدم للعمارة المادية التي يعيشون فيها فكيف بالتمتع بها! وهناك فرق كبير بين العمارة المادية التي يمكن إنجازها عن طريق المناولة والعمارة المعنوية التي لا تبنى إلا بالمباشرة والانخراط التام فيها. وما سبقت الإشارة إليه يبين أهمية الحديث عن قيم عمارة الدار.