الموريسكوس أو الموريسكيين اسم يطلق على أحفاد المسلمين الذين فقدوا الحكم في الأندلس، ثم أجبروا على اعتناق النصرانية قهرا، بدأت مأساتهم عندما سقطت غرناطة، آخر مملكة إسلامية في بلاد الأندلس في سنة 1492م في يد الملكة إيزابيلا الكاثوليكية وفرناندو، حيث شعر المسلمون ببداية المأساة بالرغم من الوعود الكاذبة باحترامهم، فبدؤوا في مغادرة الأندلس إلى المغرب كلما تنكر لهم الدهر. وقد اتخذ قرار طرد الموريسكيين في 9 أبريل ,1609 لكنه بقي سرا حتى بدء تطبيقه في شتنبر من السنة نفسها ضد الموريسكيين الذين كانوا يعيشون في إقليم فالينسيا ويشكلون فيه 33% من السكان. يتعلق الأمر إذن بأول قانون أسّس للتصفية العرقية والدينية عبر التاريخ ضد مسلمي الأندلس، بعد أن عاشوا هناك عشرة قرون وشيّدوا أحد أجمل وأرقى الحضارات الإنسانية، هي الحضارة الأندلسية. وتقول الروايات التاريخية إن الموريسكيين كانوا يتركون ديارهم إلى بلاد المغرب في (جماعات) تستقر كل واحدة منها بمدينة من المدن المغربية، بعد أن يبيعوا ما خفّ من المتاع بأبخس الأثمان. كانوا يقصدون المدن الصغرى أو القرى، وحتى المدن المهجورة حتى يكونوا مجتمعا متجانسا لوحدهم، ولهذا السبب سكن أهل مالقة في مدينة باديس، وأهل ألمرية مدينة تلمسان، وأهل الجزيرة في مدينة طنجة، وهكذا. لقد ظهر الموريسكوس كشعب مسلم يقاوم في السرّ والعلن مظاهر الإبادة الفردية والجماعية في إصرار لا مثيل له، فلجأت الكنيسة والعرش الإسباني إلى الإغراء، وذلك بالإبراء من القيود المفروضة على الموريسكوس على كل من تنصر، تلك القيود التي تعني (ضريبة الرأس) و(الغرامة) المفروضة على كل الموريسكيين، ومضايقتهم جميعا بالدخول إلى منازلهم في كل وقت، وعدم الاعتراف بعقودهم المحررة باللغة العربية أحيانا. ورغم هذه المضايقات ضد مسلمي الأندلس، ظل هؤلاء الموريسكيون صامدين في وجه الكنيسة والحكم الإسباني، فقرر ملك إسبانيا سنة 904ه إجبار تنصيرهم. ويحكي المؤرخون أن الموريسكيين لجأوا إلى مبدأ التقية الشيعي، بالرغم من أنهم كانوا سنّة، فتظاهروا بالنصرانية واستبطنوا الإسلام، غير أن القضاء الإسباني حينها أقر تشريعا لحرب الإبادة سماه بمحكمة التفتيش، ينص على لجنة ملكية للتحقيق، أقرّه البابا في منشور سنة 1478م، كانت المحاكم تفتش في نوايا الناس وعقائدهم وإيمانهم، وكانت تريد أن تقضي على آخر مسلم في الأندلس. هكذا وجد الموريسكيون أنفسهم أمام مؤامرة جديدة، فقرروا الثورة الداخلية، معولين على الاستعانة بتدخل ومساعدة الدول الإسلامية، خاصة في المغرب المريني يومها. ويتحدث المؤرخون أن القاضي ابن الأزرق لجأ إلى تونس ومصر لطلب المعونة، ولكن الخلافات بين رؤساء الدول الإسلامية في مصر وتونس، والخلافة العثمانية حال بين التدخل الفعلي، ولم يزد الخليفة العثماني عن إرسال وفد طلب من السلطة المسيحية المتغطرسة بحق الرعاية، فكان الرد ببعث وفد لتطمين الملوك المسلمين على مصير الموريسكيين المنكوبين. وبالرغم من ذلك، فقد ركب الموريسكيون الخيار الصعب لأنهم كانوا تحت المعاناة والتعذيب الكنسي، فأعلنوا ثورة أبانوا فيها عن جهاد كبير، لكنها ثورة سرعان ما أخمدها النصارى وأعلنوا العفو عن الثوار بعد اقتصاص منهم، لكن بشرط اعتناق النصرانية في ظرف ثلاثة أشهر أو مغادرة إسبانيا متنازلين عن أملاكهم. وهما الشرطان اللذان أعقبتهما أبشع أنواع التحقيق وصنوف الإرهاب، فاستنادا إلى ديوان التحقيق كان يتم الحرق والقتل بأبسط التهم، وتولّى أكبر قسّ كِبر الظلم والاضطهاد، بوسائل كانت معروفة في القرون الوسطى الأوربية. غير أن الثوار المنتصرين لم يستسيغوا النصرانية، وعبّر عن هذا الشاعر الموريسكي خوان ألفونسوا حين قال في قصيدة شعرية: أيها الغراب الإسباني الملعون يا ناشر الوباء، أيها السجان البغيض ها أنت واقف برؤوسك الثلاثة على أبواب الجحيم... حينما سيطر الأشراف السعديون على الحكم في المغرب، أعلن أحمد المنصور عن عزمه تحرير الأندلس من جديد بالتعاون مع الأندلسيين، ويذهب المؤرخ المغربي، الحسين السايح، في كتابه الحضارة المغربية: البداية والاستمرار، إن غزو المنصور للسودان كان الهدف منه هو توفير قوة مالية تعينه على استعادة الأندلس، غير أن المنصور لم يعمر طويلا، فدخلت الدولة السعدية في مرحلة الانهيار والضعف. أما العلويون فوجدوا حين وصولهم إلى الحكم أن مدنا شاطئية عديدة سقطت في يد الإسبان والبرتغال، فلم يستطيعوا سوى مؤازرة الأندلسيين في الجهاد البحري، وسعوا إلى استرداد الكتب الإسلامية التي سلمت من الحرق، فأرسل المولى إسماعيل رسالة إلى دون كارلوس الثاني ليبعث إليه بالكتب الأندلسية الموجودة في غرناطة وقرطبة وغيرهما في مقابل تحرير 100 أسير إسباني، كما توجه إلى إسبانيا السفير المغربي الوزير الغساني، ففكّ الأسرى المسلمين، وحمل كثيرا من الكتب الأندلسية..كما في كتابه(رحلة الوزير في افتكاك الأسير)، وكان الأسرى في الغالب من الموريسكيين الذين أسروا في الجهاد البحري. ورغم محاولات المسلمين في التخطيط للعودة إلى الأندلس، ودخول العثمانيين على الخط، إذ كانت محنة الموريسكيين محطة اتصالات سرّية مكثفة بينهم والعثمانيين، وتدخل أحمد الأول لدى البريطانيين والفرنسين لتساعدهم في هجرة الموريسكيين إليهم، وقد هذا الموقف ردود فعل لدى الفقهاء، فكتب الونشريسي عن وجوب هجرة المسلمين من دار الكفر، لكن علماء آخرين أفتوا بعدم الهجرة ووجوب المقاومة، وفضل بعض الموريسكيون الصمود في انتظار الفرصة السانحة لإعلان ثورتهم على النصارى، لتكون آخر مقاومة قادها فرج بن فرج فشلت نتيجة العدوان الوحشي للإسبان الذين ذبحوا الثوار ومثلوا بهم، كما شردوا الأسر وفرقوا فيما بين الأبناء وآبائهم، وشنوا عملية إبادة شاملة ضد الموريسكيين أو من يشتبه فيه أنه موريسكي، فنزح جميع من تبقى في شتى الاتجاهات، حتى وصل بعضهم إلى أمريكا الجنوبية ولم يسلموا هناك أيضا من متابعة النصارى لهم. تلك قصة الموريسكيين الحزينة، تشكل اليوم مصدر إلهام للأدباء والمؤرخين لاكتشاف الحقد الديني والعرقي الذي قضى على أجمل حضارة في عهدها. ويقول الروائي خوسي مانويل غارسيا مارين: إن اختباء الموريسكيين في الجبال أسطورة حية في إسبانيا، واخترت هذا موضوعا لروايتي الأخيرة (سلم الماء). أما الروائي إميليو بايستيروس فاعتبر في تصريح صحفي أن طرد الموريسكيين كان ثاني جريمة في حق الحضارة الإسلامية الأندلسية، أما الأولى فكانت عندما حرقت إيزابيلا الكاثوليكية جميع كتب المسلمين في ساحة باب الرمل بغرناطة باستثناء كتب الطب.