يكتسب خطاب العرش دلالة خاصة في مسار التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمغرب، من حيث ما قد يقدمه من تصور للوضح الحالي للمغرب وتحدياته وأولوياته المستقبلية. وتعد فترة مرور عشر سنوات كافية للوقوف على مرحلة حرجة من التاريخ المعاصر لبلادنا، خاصة في ظل التحولات الكبيرة التي شهدها المحيط والتغييرات العميقة التي عرفها المجتمع، والتي فرضت على الدولة المغربية مواجهة تحديات مستجدة لم تعد السياسات السابقة قادرة على الاستجابة لها. مما لاشك فيه أن المغرب بمختلف أبعاده الدينية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، يبدو مختلفا وبشكل كبير عن مغرب ما قبل عشر سنوات، دون أن يحمل هذا الاختلاف حكما إيجابيا أو سلبيا، فإن كانت الحصيلة في عمومها متأرجحة بين مسار من التقدم الكبير في بعض الحالات بالنسبة لمجالات معينة، ومسار من التراجع والكبير هو الآخر في بعض الحالات بالنسبة لمجالات أخرى، لكن ما هي المحصلة العامة لهذا المسار المزدوج؟ يمكن القول إن المغرب تمكن من صيانة وتدعيم استقراره السياسي والاجتماعي، كما استطاع احتواء الضغط الخارجي لاستهداف وحدته، والأكثر من ذلك أعلن عن سلسلة أجوبة أدخلت المغرب في مرحلة جديدة من تاريخه، وخاصة في قضايا معقدة كتجديد الحقل الديني، والإنصاف والمصالحة، والأسرة، والأمازيغية والجهوية، فضلا عن إطلاق دينامية أوراش اقتصادية كبرى. في المقابل، فإن هذه التطورات الدالة بقيت محدودة الأثر على كل من مساري الإصلاح الديموقراطي والتنمية البشرية، بحيث أنهى المغرب عشرية كاملة وهو غير قادر على تجاوز المؤشرات المخجلة لها، وخاصة في مجالات محو الأمية والتعليم والصحة من ناحية، والتدهور المستمر لمؤشرات الشفافية ومكافحة الفساد والرشوة وعدالة القضاء ونزاهة الانتخابات والحكامة الرشيدة للمؤسسات، والمستبطنة لأزمة سياسية كامنة، بما تنتج عنه مفارقة كبيرة لمغرب يسير بسرعيتن مختلفتين وفي مسارين متعارضين، الأول يعكس أفق التقدم، والثاني أفق التراجع. الواقع أن المغرب بمختلف مؤسساته وقواه مدعو لإطلاق مسيرة جديدة للإصلاحات تعزز الأوراش الإيجابية وتؤسس لنقل آثارها إلى مجالات التراجع، والتي سبق لتقرير الخمسينية أن قدم أرضية واضحة لها، والتي تختزل في ثلاث كلمات، التعليم، القضاء، الإدارة، وبدونها فإن ثمار التنمية الاقتصادية والاجتماعية ستكون مهددة بعدم الاستمرارية، وهو ما نتعبره تحديا تتوفر بلادنا على كافة شروط كسبه.